أطلقت نقابة الصحفيين اليمنيين، بالتعاون مع الاتحاد الدولي للصحفيين، اليوم، تقريرًا يرصد واقع الحريات الصحفية في اليمن خلال عشر سنوات من الحرب، موثّقةً فيه 2014 انتهاكًا تعرض لها الصحفيون ووسائل الإعلام منذ اندلاع النزاع عام 2015 وحتى مطلع أبريل الماضي.
التقرير، الذي جرى تدشينه في مؤتمر صحفي بمدينة تعز بمناسبة اليوم العالمي لحرية الصحافة، حمل مضامين صارخة تعكس حجم الانتهاكات التي تعرض لها الوسط الصحفي في اليمن خلال "العقد الأسود للحريات".
ورصد التقرير مختلف أشكال الانتهاكات التي طالت الصحفيين، من اختطافات واعتقالات إلى تعذيب وتهديدات واغتيالات، إضافة إلى حجب المواقع الإلكترونية ومصادرة ممتلكات المؤسسات الإعلامية.
ووفقًا للبيانات، فقد شكّلت حالات الاحتجاز – بما في ذلك الاعتقالات والاختطافات والملاحقات – ما نسبته 23.9% من إجمالي الانتهاكات، تليها الاعتداءات المباشرة على الصحفيين ومقارهم بنسبة 12.1%، ثم التهديدات والتحريض بنسبة 11.1%، بينما توزعت بقية الانتهاكات بين الحجب والمحاكمات والفصل التعسفي والتعذيب والمنع من التغطية، وغيرها من الأشكال القمعية.كما وثّق التقرير مقتل 46 صحفيًا وصحفية خلال هذه الفترة، و55 محاولة شروع في القتل، ما يسلط الضوء على المخاطر الجسيمة التي تتهدد الصحفيين في اليمن.

وأظهرت نتائج الاستبيان المرافق للتقرير – والذي شارك فيه 213 صحفيًا وصحفية من داخل البلاد وخارجها – أن الغالبية العظمى من المشاركين (86.9%) تعرضوا شخصيًا لانتهاكات أثناء تأدية مهامهم، بينما أكد 96.7% أنهم يعرفون زملاء لهم تعرضوا لانتهاكات مماثلة.
وعكست نتائج الاستبيان حالة انعدام الثقة بالقضاء، حيث أشار 84.5% من الصحفيين إلى أنهم لم يلجؤوا إلى المحاكم أو القنوات القانونية عند تعرضهم للانتهاك، مرجعين ذلك إلى فقدان الثقة بالسلطات وغياب الحماية القانونية، بالإضافة إلى الخوف من الملاحقة أو الضرر، فضلاً عن العجز المالي أو استخدام الأسماء المستعارة في النشر.
وسلط التقرير الضوء على الأطراف المسؤولة عن هذه الانتهاكات، حيث جاءت جماعة الحوثي في صدارة الجهات المنتهِكة للحريات الصحفية بنسبة 58.5%، تلتها الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا بنسبة 18.7%، ثم المجلس الانتقالي الجنوبي بنسبة 5.6%، فيما توزعت النسبة المتبقية على قوى سياسية ومؤسسات إعلامية وأطراف أخرى.
وفي ما يتعلق بوضع الصحفيات، كشف التقرير عن تعرضهن لعنف مضاعف، لاسيما في بيئة العمل الرقمي، حيث أفاد 60.1% من المشاركين أن الصحفيات يتعرضن لتهديدات وعنف لفظي أكثر من زملائهن الذكور، بينما أشار 37.1% إلى أن المخاوف الأمنية تعيق تحركات الصحفيات داخل المدن وخارجها.
كما برزت قيود اجتماعية وثقافية، مثل اشتراط وجود محرم أو الحصول على إذن ولي الأمر، كعوامل إضافية تحد من حرية عمل الصحفيات.ورغم كل المعوقات، مثل الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي متنفسًا للعديد من الصحفيات اللواتي استطعن من خلاله مواصلة عملهن الصحفي والمشاركة في ورش تدريبية وندوات افتراضية، غير أن الابتزاز الإلكتروني والعنف الرقمي لا يزالان من القضايا المسكوت عنها قانونيًا، إذ تغيب التشريعات الخاصة بهذا النوع من الجرائم، وتتحمل الضحية – لا الجاني – غالبًا عبء الإدانة المجتمعية.
وأوصى التقرير جماعة الحوثي بالإفراج الفوري عن الصحفيين المعتقلين، وإلغاء الأحكام الجائرة بحقهم، وإنهاء كافة أشكال القمع الممنهج ضد الصحافة في مناطق سيطرتها. كما دعا الحكومة الشرعية إلى فتح تحقيقات جدية في الانتهاكات المرتكبة ضد الصحفيين، ومحاسبة المسؤولين عنها، إضافة إلى توفير بيئة آمنة للعمل الإعلامي.
وطالب التقرير المجلس الانتقالي الجنوبي بالإفراج عن الصحفي شاكر ناصح المحتجز منذ نوفمبر 2023، وإعادة مقار النقابة والمؤسسات الإعلامية الرسمية في عدن، وإنهاء القبضة الأمنية المفروضة على الإعلام في مناطق نفوذه.
وفي سياق تعزيز الحماية للصحفيين، شدد التقرير على ضرورة تفعيل آليات المساءلة القانونية، وتوثيق الانتهاكات ورفعها للمنظمات الحقوقية الدولية، وتوفير الدعم النفسي والتقني للصحفيين، خاصة في مناطق النزاع.
كما أوصى بإنشاء صناديق دعم للصحفيين المتضررين، وتوحيد الجسم الصحفي بعيدًا عن الاستقطابات السياسية.
ولم يغفل التقرير أهمية تعزيز دور نقابة الصحفيين، داعيًا إلى تطوير آلياتها لتلقي الشكاوى، خاصة من الصحفيات، وتوفير برامج تدريب في الحماية الرقمية، ودعم قانوني ومهني فعال لضحايا العنف الإلكتروني. كما شدد على التزام المؤسسات الإعلامية بحقوق العاملين، ومكافحة التحرش داخل بيئة العمل، وتعزيز ثقافة المساواة المهنية.