المئات من مرضى السرطان بعدن يتقاسمون 20 سريراً وينتظرون وعد الرئيس ببناء مركز متخصص

المئات من مرضى السرطان بعدن يتقاسمون 20 سريراً وينتظرون وعد الرئيس ببناء مركز متخصص

عدن - فؤاد مسعد
يواجه مرضى السرطان في عدن والمحافظات المجاورة الكثير من المتاعب نتيجة عدم وجود مركز متخصص بتقديم المساعدة اللازمة لهم، وارتفاع تكاليف العلاج، إضافة إلى أن إحجام كثير من المرضى عن القيام بالكشف المبكر، يؤدي إلى مضاعفات لا تحصى، بينما كان بمقدور الكشف أن يساهم في التخفيف من المعاناة في بعض حالات المرض، وتزيد معه فرص الشفاء.
وإزاء تكاثر الحالات المرضية بهذا الداء وارتفاع ضحاياه على مستوى اليمن، وتكدس المصابين أمام المركز الوحيد بالعاصمة صنعاء، قررت المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان إنشاء عدد من الوحدات في عواصم بعض المحافظات، وفي مقدمتها عدن وتعز وحضرموت، وأنشأت المؤسسة وحدة الأمل لعلاج الأورام بمستشفى الجمهورية في 2007، كما جهزت وحدة خاصة بالأطفال في مستشفى الوحدة -الصداقة سابقا- ومن يومها والوحدة تكتظ بالمرضى الذين وقعوا في قبضة وباء لا وجود للرحمة في قاموسه.
المئات من مرضى السرطان بعدن يتقاسمون 20 سريراً وينتظرون وعد الرئيس ببناء مركز متخصص
وفقا لإحصاءات المؤسسة فإن الوحدة استقبلت في أول شهر بعد افتتاحها 179 مريضا، فيما تم ترقيد 120 آخرين، وفي 2008 تردد على وحدة الأمل ما يزيد عن 5267 مريضا، وبلغ عدد المرقدين في الوحدة 403، وصل عدد النساء 245، أصيبت غالبيتهن بسرطان الثدي، وبلغ إجمالي المستفيدين من العلاجات المصروفة من مؤسسة مكافحة السرطان بعدن 815 مريضا.
وفي 2009 بلغ عدد المرضى المرقدين 487، منهم 87 من محافظة عدن، ويتوزع الباقون على محافظات: لحج وأبين والضالع وشبوة وحضرموت والبيضاء وتعز والحديدة وإب. بينما بلغ عدد المترددين 5848، تشكل نسبة الإناث أكثر من 55%، ويأتي سرطان الثدي في المقدمة بنسبة 22%، يليه اللمفوما بنسبة 16%، وسرطان الرأس والرقبة بنسبة 12%، ثم القولون والجهاز التناسلي للمرأة ب9%، و8% على التوالي. كما وصل عدد المستفيدين من خدمات المؤسسة 1417، بينهم 224 طفلاً.
وفي النصف الأول من العام الجاري 2010، بلغ إجمالي المرقدين 253، والمترددين 3549، كما استفاد من العلاجات التي تقدمها مؤسسة مكافحة السرطان 1663 مريضا، بينهم 210 أطفال.
ويؤكد مسؤولو الوحدة أن هذه الأرقام خاصة بمن تمكنوا من الوصول إلى المؤسسة أو الوحدة التابعة لها، ما يعني أن جموعا كبيرة من المرضى ليسوا ضمن هذه الإحصاءات، سواء من لم يكتشفوا المرض أو من ذهبوا للبحث عن فرص الشفاء في أماكن أخرى.
وحدة الأمل.. قلة الإمكانات وتزايد الحالات
تضم الوحدة الموجودة في مستشفى الجمهورية التعليمي، غرفتي رقود للرجال ومثلهما للنساء، إضافة لحمامات مشتركة، وصيدلية بإمكانات متواضعة، كما توجد عيادة خارجية لاستقبال الحالات، وهذه بالكاد تفي لاستقبال أعداد زهيدة من المرضى بسبب ضيق المساحة، وفيها قسم خاص بالإحصاء لا تزيد مساحته عن متر واحد، والأرشيف نفسه لم يعد قادرا على استقبال مزيد من الملفات حسب تعبير أحدهم.
بالنسبة للعلاجات تقول إحدى طبيبات الوحدة إنها تأتي بالقطارة، وفي بعض الأحيان يضطر المرضى للسفر إلى صنعاء للبحث عن قارورة دواء.
يقول المدير التنفيذي للمؤسسة إنهم عرضوا على إدارة المستشفى أن تتولى المؤسسة القيام ببناء حمامات خاصة بالنساء، وتجهيز صيدلية أخرى بدلا عن الصيدلية الموجودة التي ترفض إدارة المستشفى بناء الحمامات تحت مبرر الحفاظ عليها.
عندما تنقطع الكهرباء –وما أكثر انقطاعاتها- يتعين على الوحدة ونزلائها الانتظار حتى تعود الكهرباء، لأن المولد الخاص بالمستشفى غالبا ما تصيبه (عين)، وبالتالي يظل خارج نطاق الخدمة، وفي حال عاد إلى الخدمة فالمؤكد أن الوحدة ليست مشمولة بخدماته. وربما تحل هذه المشكلة في المستقبل. الوحدة التي سميت وحدة "الأملـ"، تعيش على "أملـ" قد يتحقق يوما ما.
كثير من المرضى بالسرطان قرروا مغادرة اليمن بحثا عن فرصة للشفاء ربما يجدونها في الخارج، أما من أقعدهم ضيق ذات اليد وأُكرهوا على مغالبة الألم، فهم يتقبلون ما يجود به القدر من مكتوب مهما كان قاسيا.
وكانت المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان بعدن، نظمت، الاثنين الفائت، نزولا ميدانيا ل22 صحفيا وصحفية، إلى مركز الأورام السرطانية والعيادة الخارجية لاستقبال الحالات في المركز الموجود بمستشفى الجمهورية والتابع للمؤسسة.
وتحدث للصحفيين كل من: وهيب هائل المدير التنفيذي للمؤسسة بعدن، الدكتورة منال محمد مسؤولة التوعية بالمؤسسة، والدكتورة نجاة الحكيمي، عما تقدمه الوحدة من خدمات للمرضى، وما يعترض عملها من معوقات.
الدكتور جمال المشرع مسؤول الخدمات في المؤسسة بعدن، دعا القيادات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني للعمل على الحد من انتشار السرطان من خلال إيجاد مجتمع صحي وتشديد الرقابة على المواد الزراعية والغذائية الفاسدة. كما دعا في اللقاء الذي جمع عددا من الصحفيين، ونسقت له الزميلة أثمار هاشم، إلى تفعيل قانون منع التدخين في الأماكن العامة والمغلقة، الذي صدر قبل سنوات.
وبدورها، أشارت نادرة عبدالقدوس، نائب رئيس فرع نقابة الصحفيين بعدن، إلى أهمية الدور الذي يجب أن يضطلع به الإعلام في توعية الناس وتعريفهم بالأسباب المؤدية إلى انتشار السرطان وطرق الوقاية منه.
وهيب هائل مدير فرع مؤسسة مكافحة السرطان بعدن، يقول إنه لا يوجد حاليا إحصاء سرطاني في اليمن، ويؤكد ضرورة وجود السجل لمعرفة الإحصائيات الكاملة لمرضى السرطان وأنواع الأمراض السرطانية المنتشرة في اليمن لما من شأنه تحقيق الهدف الرئيس المتمثل في القضاء على هذا المرض.
يتوافد على الوحدة عشرات المرضى يوميا، ومن مختلف المحافظات، خصوصا القريبة من عدن، ويحتاج كثير منهم للترقيد لفترة طويلة، وحين تجرى بعض الفحوصات والجلسات للمرضى في أوقات الزحمة بدون ترقيد، فإن بعضهم يُطلب منهم مغادرة الوحدة والعودة في وقت آخر لا يكون فيه زحمة.
وتعاني الوحدة من قلة الإمكانات إذا ما قورنت بالإقبال المتزايد عليها من مرضى يتزايدون يوما بعد يوم، ما يؤكد الحاجة لوجود مركز متخصص يقول مسؤولون في المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان إنه بحاجة لتكاليف باهظة، إلا أن المؤسسة وفرعها بعدن يعملون على إنشاء المركز، وقال مدير فرع عدن إن بعض المعوقات تحول دون إنشاء المركز، بينما اتهمت مصادر طبية وزارة الصحة بالوقوف على رأس تلك المعوقات.
داء يهدد الجميع
وعلى الرغم من الافتقار للإحصاء السرطاني، فإن إحصاءات غير رسمية تشير إلى وفاة 12 ألف شخص في اليمن بمرض السرطان، في حين يصاب بالمرض سنويا أكثر من 20 ألفاً، يقتل المرض أكثر من نصفهم. ويعد السرطان من أكثر الأمراض انتشارًا في اليمن بعد الملاريا والفشل الكلوي وأمراض القلب.
ويرجع مختصون أسباب انتشار السرطان في اليمن إلى كثرة العوامل المسرطنة، وفي مقدمتها المبيدات المستخدمة في زراعة القات التي لا يعرف مصدرها ولا تخضع للرقابة في غالب الأحيان، وهذه المواد تسبب سرطانات الفم والحنجرة والمعدة والكبد، إضافة للتدخين الذي يعد من أكبر العوامل المسببة لسرطانات الرئة والحنجرة والدم والفم والمريء والبنكرياس والمثانة والمعدة والكبد والكلى، فيما تسبب الشمة (البردقان) سرطانات الفم والحنجرة والمريء، ناهيك عن تدني مستوى الوعي الصحي، الذي بدوره يجعل كثيرين يتناولون مواد مسرطنة دون وعي بخطورتها على الصحة.
في وحدة الأمل التي تعد الملاذ الوحيد لمرضى السرطان، وتكتظ أسرّتها القليلة بأنات المرضى وأوجاعهم البادية، تلمح عشرات المصابين بهذا الداء الخبيث يتقاسمون القليل من الأدوية والخدمات، والكثير من الآلام والمتاعب، بعضهم في مقتبل العمر، ينتظرون من ينقذهم أو ما يخفف عنهم معاناتهم، وينتظرهم اليأس والألم. وأغلب الظن أنهم بين اليأس والأمل مرابطون، كثيرون فارقوا الحياة على يد هذا القاتل الذي ينشب أظافره في أجساد أثخنتها الجراح.. خصوصا وأن غالبية من يصابون به من الفقراء وذوي الدخل المحدود. وإذا ما أخذنا بالاعتبار ما يتعين على مريض السرطان إنفاقه من أموال للحصول على الأدوية، فإن فرص هؤلاء الفقراء في العيش تبدو ضئيلة جدا.
في يونيو من العام الماضي، وجه رئيس الجمهورية بسرعة إنجاز مركز الأمل لعلاج الأورام بمحافظة عدن، من قبل المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان. كما وجه الجهات المعنية بتوفير الأرضية المناسبة لإقامة المشروع في الموقع المحدد له، وطبقا للمخططات المعدة له.
يذكر أن المؤسسة الوطنية لمكافحة السرطان في الفترة الماضية نفذت حملات تبرعات لمرضى السرطان ودعم مشاريع المؤسسة الهادفة لإنشاء مراكز متخصصة والتخفيف من معاناة المرضى، واستضافت مهتمين ومشاهير من خارج اليمن، كالداعية الإسلامي عمرو خالد، والفنانة المصرية حنان ترك، وشارك كبار مسؤولي الدولة في تدشين تلك الحملات، إضافة لرجال أعمال وناشطين ومهتمين. وترى قيادة المؤسسة أن تلك التبرعات لا تتناسب والتحديات المفروضة ولا الإمكانات الضرورية لتلبية احتياجات المرضى، مشيرة إلى أنها لا تزال تنتظر الجهد والمال لمواجهة تبعات المرض الذي يتجاوز ضحاياه من اليمنيين آلاف الأشخاص سنويا.
في أواخر نوفمبر 2007، تم افتتاح وحدة الأمل من قبل رئيس الجمهورية الذي أعلن يومها تبرعه ب100 مليون ريال، كما وجه باعتماد 100 مليون ريال سنويا كنفقات تشغيلية، واعتماد مبلغ مليار ريال لبناء مراكز للسرطان في عواصم عدد من المحافظات، وبما يلبي احتياجات المحافظات المجاورة. بيد أن المركز الذي وجه الرئيس ببنائه قبل ما يقارب من 3 سنين في عدن لم يتم بناؤه، ما يعني أن احتياجات مرضى السرطان في محافظة عدن والمحافظات المجاورة لن تلبى بالشكل المطلوب.