قصاصةٌ من رزنامة الفساد

قصاصةٌ من رزنامة الفساد

الخزينة العامة تدفع مرتبات المحامين اليمنيين!
* يحيى هائل سلام
المئات من الموظفين العموم، بالجمهورية اليمنية، في غير قطاع حكومي، وعلى وجه الكثرة منها، قطاع التربية والتعليم، انصرفوا إلى الاشتغال، بمهنة المحاماة، وفي المقابل، صلاتهم جميعها، بالوظيفة العامة انقطعت، في ما عدا صلة واحدة وحيدة: الراتب الشهري!
في مديرية ذي السفال، بمحافظة إب، لوحدها، ما يقارب ال20، من موظفي التربية والعليم، على ذلك الحال..
والنتيجة - الواقع، أن مليون ريال على وجه التقريب، في الشهر الواحد، وبالتالي، في العام الواحد 12 مليون ريال، تغادر الخزينة العامة، إلى جيوب المحامين أولئك، كمرتبات، فيما هي أجور بلا مقابل، إذْ ما من واجبات وظيفية يلتزمونها، أو أعمال يقومون بها، سوى الترافع أمام المحاكم، وحضور جلسات التحقيق في أقسام الشرطة، والنيابات العامة، ومن الواضح أنها أعمال، غير ذات صلة بمهام وواجبات موظفي التربية والتعليم، سواءً المدرس منهم، أو وكيل المدرسة، أو النائب في الإدارة التعليمية!
مدير مكتب التربية والتعليم بمحافظة إب، يعلم ذلك، ومكتبا المالية، والخدمة المدنية بالمديرية يعلمانه، كما والمجلس المحلي، لكنهم جميعاً يلتزمون الصمت، ولا شيء غير الصمت.
أهو العجز؟ لعله، وقد تكون أشياء أُخرى: المصلحة، وربما الخوف، باعتبار أن من بيته من زجاج...!
على هامش الاحتمالات تلك، ثمة ما يثير الضحك، والشفقة في آن واحد: رئيس المجلس المحلي بالمديرية، ومعه مدير مكتب المالية، أرسلا بأسماء الموظفين /المحامين، إلى رئيس محكمة ذي السفال الابتدائية، وقالا له في خطاب رسمي: المذكورون أعلاه موظفون عموم، فلا تسمح لهم بالترافع أمام المحكمة!
كان ذلك كل ما استطاعاه، أما أن يبادرا إلى اتخاذ الإجراءات القانونية إزاء حالات الانقطاع الوظيفي عن العمل تلك، ومحاسبة المتسترين عليها من مدراء المدارس، أو الإدارة التعليمية، كما واتباع كل سبيل قانوني، من شأنه استعادة الملايين التي صرفت للموظفين /المحامين، طوال السنوات الماضية، من الخزينة العامة، بغير وجه استحقاق، فلا شيء من ذلك، لا شيء البتة.
بلى.. لم يفعلا شيئاً من ذلك، غير أنهما، وفي نهاية خطابهما الرسمي، لم ينسيا أن يشكرا رئيس المحكمة على تعاونه، في حماية المال العام!
بالتأكيد، فليس هذا مقام التفاصيل، أو تعيين الحالات، غير أن في الواقع ما يتجاوز مقاصد السخرية:
رئيس قسم الرقابة والتفتيش المالي والإداري، في الإدارة التعليمية بمديرية السياني -محافظة إب، والذي من صميم مهماته وواجباته الوظيفية، رصد حالات الانقطاع الوظيفي عن العمل، هو من كبار المحامين، وواحد من أشهرهم في محافظتي إب وتعز، لكنْ، نهاية كل شهر ميلادي، هو يحضر إلى مقر عمله لاستلام الراتب، وربما أنه لا يحضر حتى نهاية كل شهر، ويكتفي باستلامه من شبك البريد!
للمشهد وجه آخر: قبل أكثر من 4 سنوات، م.س. البعداني، تخرج من كلية التربية الفنية، ومنذ ذلك الحين، شهادته محشورة في خزانة الثياب، فهو لم يجرؤ على مجرد الحلم في الحصول على وظيفة، واليوم، هو ليس أكثر من (شاقي) في أعمال البناء.
آلاف العاطلين عن العمل، من خريجي الجامعات، ليسوا أوفر حظاً منه، فهم، ومنذ سنوات، يواصلون اصطفافهم في طوابير الخدمة المدنية، للحصول على وظيفة، وفي الغالب، هم إلى انتظار، وبغير أمل.
لو أرادت، فبوسع حكومة مجور، أن تعثر عن وظائف، ولو لمئات من أولئك العاطلين، بإحلالهم بدلاً عن أولئك المعشر من الموظفين /المحامين، لكنها، وعلى ما يبدو، لن تفعل، لأنها ملتزمة بمسار الفساد المستقيم، ولا ترغب بالحياد عنه!
على أنه، هنا.. والآن، لم يعد الفساد حكراً على المؤسسات الحكومية، فنقابة المحامين اليمنيين، بقبولها الموظفين العموم، كأعضاء في النقابة، ثم التصريح لهم بمزاولة المهنة، بتلك الصورة المتنافية بالإطلاق مع صريح القانون، إنما هي جزء من الفساد، ولاعبٌ فاعلٌ في إشاعته، والترويج لثقافته المقيتة.
تلك مجرد قصاصة من روزنامة الفساد، وليس للرئيس علي عبدالله صالح، أن يزعج مواطنيه، بين الحين والآخر، بالأحاديث النافية للفساد، أو المطالبة بالدليل، ذلك أنه في اليمن فحسب، للفساد بطاقات تعارف، كما ولوحات إعلانية!