فداحة أن تكون مواطناً لرئيس في إجازة

فداحة أن تكون مواطناً لرئيس في إجازة

* محمد عايش
أشياء عديدة غير مفهومة في هذه البلاد، ومثلا: ما الذي يفعله الرئيس علي عبدالله صالح طوال يومه مادام أنه غير مشغول، من قريب أو بعيد، بأمور الحكم وشؤون الدولة؟
نعرف أنه الرئيس، ونعرف أنه يقضي إجازة مفتوحة وممتدة منذ سنوات طويلة. وما لا نعرفه هو ما إن كان الملل سيدركه قريبا ويقرر قطع إجازته والعودة إلى وظيفته ونفض الغبار عن كرسي الحكم.
البلاد باتت بحاجة ملحة إلى حكومة وحاكم على رأسها. وتجربة فراغ الكرسي التي تعاني منها الآن؛ أثبتت أنها تجربة مرة وغير قابلة للاحتمال.
إلى أي مدى هي مرة؟ سؤال جيد، وهذه إجابة نموذجية: في عرض البحر، وداخل المياه الإقليمية اليمنية على شواطئ حضرموت، قامت بارجة حربية أوكرانية، الاثنين الماضي، بالاعتداء على صيادين يمنيين بصلافة وبشكل مهين؛ أوقفت سفينتهم، أجبرتهم على الوقوف تحت الشمس وأيديهم مرفوعة إلى الأعلى لعدة ساعات، ثم بعد أن تأكدت أنهم ليسوا قراصنة قام جنودها بإخراج الصيادين من السفينة وإشعال النار فيها وتدمير 7 قوارب تابعة لها.
بإمكان رئيس الجمهورية، ما دام يتمتع بفراغ يُحسد عليه، أن يزور حضرموت، وسيرى بقايا السفينة المحترقة بعينيه. لقد نقلها الاتحاد
السمكي إلى الساحل لتكون شاهدا حديثا على غياب مفردات مثل "الكرامة الوطنية" من القاموس السياسي لمركز القرار لدينا.
هناك المئات من الصيادين اليمنيين، مثل هؤلاء، تعرضوا، ويتعرضون باستمرار، للقتل وتدمير القوارب واختطافها من قبل أكثر من طرف يعبث على سواحلنا في البحر الأحمر وخليج عدن: إن لم يكن على يد قوات البحرية الإريترية فعلى يد القراصنة، ومن ينجو من خفر سواحل السعودية، تطاله اعتداءات سفن الصيد المصرية غير الشرعية، ومن لم يتعرض لتجربة الإذلال على يد أيٍّ من هؤلاء، فإنه على موعد مع اعتداءات حقيرة أخرى من قبل البوارج الدولية.
سنوات من التنكيل المستمر بصيادي اليمن، في ظاهرة تنتهك سيادة البلاد وتدوسها يوميا بلا أدنى خشية من العواقب. فالمعتدون يعرفون جيدا أن الحكم في اليمن معطل لظروف تقنية وغير تقنية، وأن رئيس البلاد مخلص لإجازته، ولا أحد هناك بإمكانه الاحتجاج على حكومات البوارج الأوكرانية أو الروسية، وبالنسبة للإريتريين والسعودية فهذان طرفان في مأمن عن أي رد فعل يمني حيث "اليمن" بنظرهما مات من زمن بعيد ولا "كرامة" لأي ميت.
هل مرت على اليمنيين مرحلة من تاريخهم كانوا فيها أكثر ذلاً؟ من المستبعد جدا ذلك، ولا يمكنك الوصول لهذه النتيجة إذا لم تشعر بالقهر الخانق الذي يشعر به مغتربو اليمن في المملكة العربية السعودية، فهؤلاء، مثل الصيادين، يعيشون الخسارة الفادحة المترتبة على كونك مواطنا لدولة توقفت عن العمل.
على مدى الأشهر الثلاثة الماضية تنفذ السلطات السعودية حملة عقابية غير مبررة بحق الجالية اليمنية، تقوم خلالها بترحيل وطرد أعداد من اليمنيين المقيمين هناك بصورة شرعية.
تأشيرات خروج نهائي من المملكة وجدها عشرات من اليمنيين على جوازاتهم عند تقدمهم بطلبات تجديد الإقامة، مع أن بعض هؤلاء أمضى في السعودية أكثر من 30 عاما يعمل طبقا للقوانين ويساهم في بناء اقتصاد سعودي مبني على النكران.
تقول مناشدات المغتربين، التي نشرتها عدد من وسائل الإعلام، إن المهددين منهم بالطرد يصلون إلى الآلاف. وبالطبع لم تحرك هذه المناشدات وطنية أحد في صنعاء، إذ يصادف أن دار الرئاسة غير مأهول، وأن بقية مسؤولي اليمن يملؤون فراغ الدولة بنهب أراضي الحديدة.
بالفعل؛ لقد اشتقنا إلى أيام الرئيس علي عبدالله صالح؛ أيامه وهو متخفف من كل هذه الانشغالات غير ذات الصلة بشؤون الدولة، ومنهمك أكثر في تصريف شؤون مواطنيه.. نفتقد تلك الأيام بشدة رغم أنها لم تمر بسمائنا يوما ولم نجربها منذ 17 تموز 78.
Hide Mail