الإسلام بريء من زواج الصغيرات

الإسلام بريء من زواج الصغيرات

وردة العواضي*
يقول الله عز وجل: "فَأنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء" لاحظوا كلمة "النساء"، وليست الصغيرات.. كلمة النساء مستحيل أن تطلق على فتيات صغيرات، وإنما تطلق لمرحلة بعد البلوغ، وبالأخص بعد نضوج الفتاة سنيا وجسديا وعقلياً. والآية تحث على الزواج بالنساء وليس بالصغيرات. وعندما يقول علماؤنا ومفكرونا "الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعباً طيب الأعراق"... فهل يمكن لفتاةٍ صغيرة تلعب، جاهلة الحياة الزوجية، وغير قادرة على تحمل مسؤولياتها، أن تتزوج وتعد شعباً طيب الأعراق..؟ كيف ذلك وهي لم تُعد بعد لهذه المرحلة؟
أريد إجابة عقلانية بدون لف ودوران، واستخدام قصة رسول الله مع السيدة عائشة كجواب. العقل نعمة وكل سؤال له جواب.. فهل من جواب؟ سنتطرق لاحقاً إلى عمر زواج السيدة عائشة "أم المؤمنين" من سيد الخلق رسول الله (ص).
أعود إلى موضوعنا.. هل يمكن لفتاة في العمر ال8 أو ال9 أو فلنقل فتاة بلغت (جاءها المحيض) ولم يكتمل بعد نضجها الجسدي، أن يتحمل جسدها المعاشرة الجنسية؟ وأي رجل هذا يطمع في الزواج من صغيرة لم يكتمل نضجها بعد، ويريد أن يأخذ متعته بالحلال من جسد صغير لا يحمل معالم الأنوثة، ومن عقل لم يستوعب بعد معنى العلاقة الزوجية، بل تراه اغتصاباً، وهو بالفعل اغتصاب!
الآن، وقبل أن ينفعل أي قارئ ويذهب بموضوعي إلى وادٍ آخر، وهو يحشر رسول الله في هذا الموضوع، أقول له تمهل ودعونا نتحدث بما يقوله المنطق والعقل. الرسول تزوج بالسيدة خديجة رضي الله عنها، التي كانت تكبره ب15 سنة.. كذلك رسول الله تزوج ب9 نساء، فهل يعني هذا أن جميع الرجال لا بد أن يتزوجوا هذا العدد؟
أيضاً لم نسمع بمن يريد الزواج بامرأة تكبره مثلما فعل رسولنا الكريم، بينما نسمع الرغبة في الزواج بمن تكون صغيرة أسوةً برسول الله. فلماذا الأسوة تأتي حين الزواج بالصغيرة، ولا تأتي في الزواج بالكبيرة؟ هذا يدل على النفسيات والأهواء النابعة من النفس، وليس حباً في الخطو على خطوات رسول الله. ومع الأسف وصل الاستغلال حتى في الدين بقصة رسول الله حسب الأهواء والرغبات.. هذا من ناحية.. أما من الناحية الثانية والأهم، وهو الرواية المنقولة من كتاب البخاري التي يتذرع بها الكثير في إباحة الزواج بالصغيرات، والتي تقول بأن رسولنا سيد الخلق تزوج من عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بعمر التاسعة، فهل يستطيع أي أحد فينا أن يجزم بأن كل ما كتبه البخاري في صحيحه صحيح.. أو يشهد بأن البخاري عاٍلم مستحيل أن يخطئ في نقل كل رواياته عن حياة رسول الله وعن عمر زواج السيدة عائشة أم المؤمنين، خاصةً أن البخاري جاء بعد عصر رسول الله والصحابة بزمن طويل..!
إذا كانت الإجابة ستكون أنه مستحيل أن يخطئ البخاري، فهذا يعني أن البخاري نبي وليس ببشر طبيعي، وأن كل ما كتبه وحي من السماء.. أما إذا كنا سنتفق بأن البخاري بشر اجتهد وجمع أحاديثه، ووقوع الخطأ في نقله لإحدى رواياته أمر طبيعي، لأنه لا أحد معصوم من الخطأ، فإننا بذلك أغلقنا باب المهاترات والدوران في حلقة مفرغة، وأعطينا لعقولنا حرية التفكير والنقاش بعقلانية لنصل إلى نقاط نتفق عليها، ولتصحيح الخطأ المتناقل كل تلك العصور. فطالما هناك بحث جديد أعاد حساب التواريخ وبمقياس يرضاه العقل والمنطق، فما الضير في مقارنته ببحث البخاري وقياس الاثنين لنصل إلى الحقيقة..؟
أيضاً علينا أن نعرف متى نقف أمام أي كتاب لعالِم ونقول إن فيه رواية ضعيفة.. هذا يكون عندما نجد الرواية يرفضها العقل والمنطق، والرواية ليست مدعومة بآية قرآنية، أو تتعارض مع مبدأ الإسلام الذي جاء ليرفع من شأن المرأة، ومع أخلاق وشخص النبي صلى الله عليه وسلم، الذي أوصى بالنساء خيراً، وقال "رفقاً بالقوارير"، وهو أبلغ وصف راقٍ في التعامل مع المرأة. فعندما نجد ما يتناقض مع تلك المبادئ، لا بد أن نقف جميعنا ونطالب علماءنا ومشائخنا بمراجعة ما كتبه علماء السلف طالما لم يعيشوا في فترة النبي (ص) وفي فترة الصحابة الأجلاء، حتى نزيل ما يتناقض مع مبدأ دين السلام ورسول الرحمة.
ونقطة مهمة أخرى، وهي أن الله يصف رسوله الكريم في كتابه "وإنك لعلى خلق عظيم"، كلمة الخلق وحدها تكفي لإسقاط راوية البخاري.. فطالما نحن نشعر بالاستنفار أن يتزوج رجل كبير فتاة صغيرة ويضاجعها، فرسولنا أولى أن يستنفر من ذلك. فهو الأخلاق بعينه، وأخلاقه أخلاق القرآن، وأسوة لنا، وهو صاحب كمال الأخلاق في الدنيا والآخرة، ولا أحد من قبله ولا بعده، فلا يعقل ما نقله البخاري أن يكون صحيحاً، ومحال وألف ألف مستحيل.
"صحيح البخاري" كتاب جيد حسب شهادة الكثير، ولكن لا يعني أنه خالٍ من زلة عالِم.. وهنا دور علمائنا المعاصرين أن يعيدوا الحسابات ويفتحوا هذا الملف. فكتاب البخاري ليس بالقرآن ولا بكتاب مقدس، وإعادة تصحيح بعض من رواياته ليس كفراً، ولا حراماً.
أظن أن ما فعله الدنمارك إشارة كافية لمراجعة كتب أحاديث علمائنا، وقياسها بمبدأ القرآن والدين والعقل، وبمبدأ أخلاق سيد الخلق (ص).. أظن أنه من هنا نبدأ بنصرة رسول الله وحبيبنا وسيد الخلق محمد خاتم الأنبياء والرسل... من هنا لا بد أن نصحح ذلك الخطأ ونقول إنه لا يعقل أن رجلاً عظيماً مثل رسولنا تكون فتاة في ال9 من عمرها زوجةً فعليةً له..
كلنا نعرف أن الزوجة الثانية لرسول الله بعد السيدة خديجة هي السيدة سودة بنت زعمة، وعائشة كانت الثالثة. وحسب بعض الروايات أنها كانت زوجة، ولكن ليست الزوجة الفعلية، وكانت تتعلم في بيت رسول الله، وكانت تتعلم على يدي السيدة سودة.. ومثلما جاء في البحث الجديد أنها أصبحت زوجة فعلية في العمر ال18 عاما، وهذا ما أرجحه. وأتمنى من علمائنا أن يأخذوا هذا البحث بعين الاعتبار، ويصححوا خطأ البخاري. أما إذا غض علماؤنا البصر في هذا الأمر الهام جداً والخطير، فهذا يعني أنهم راضون باستمرار تعذيب الصغيرات باسم الدين وبراوية مشكوك فيها وإلى حد كبيرة خاطئة... على حساب رجال مرضى يتلذذون في اغتصاب الصغيرات باسم الزواج الإجباري.
أيها العلماء؛ هل ستسكتون عن الحق..؟ هل ستتركون أولئك الرجال المرضى الذين يحبون اغتصاب الصغيرات باسم الزواج، أن يستمروا بجرمهم باسم الدين..؟ هل ستنهضون وتفتحون ملفاً لتصحيح كثير من الفتاوى الخاطئة التي جاءت ضد المرأة..؟ هل ستنصرون دين الله أم تتخلون عن واجبكم طالما رضيتم أن تحملوا الأمانة التي رفضت الجبال أن تحملها..؟
ومهما طال الظلام فلا بد أن يظهر النور..
* كاتبة صحفية مقيمة في أمريكا