محمد المقالح ل "النداء":

* الإفراج عني محاولة يائسة لتلافي تداعيات الأخطاء التي ارتكبت في حقي
* محاكمتي هي محاولة للتستر على جريمة إخفائي لكنهم كشفوا عن جريمة آخرى: التنصت    على المكالمات      
* لم يزرني الشيخ ياسر العواضي لكني أشكره على هدفه بتطمين أسرتي بأني حي
* كسرت أسرتي وأحبابي حاجز الخوف واعتصمت أمام الأمن القومي الذي يريد أن يعمل من نفسه بعبعاً ووحشاً يصعب الاقتراب منه
* السلام في صعدة لن يتحقق بدون الإفراج عن المعتقليين
قال الزميل الصحفي محمد محمد المقالح إن المحكمة لم تجد شيئاً كي تحاكمه عليه، وإنها كانت تنظر في ملف ملفق وخلو من أي تحقيقات أو بيانات. وأضاف: الجريمة التي ارتكبت في حقي كشفت أنهم يتجسسون على السياسيين وعلى مكالماتهم، ويفترض أن أول من يحتج مما حدث هو هذا النظام.
وأوضح أن الجهة التي اختطفته ظلت متحفظة على اسمها ومدعية أنها مجموعة قبلية إلى قبيل إحالته إلى معتقل الأمن السياسي. مشيراً إلى أن الخاطفين كانوا يقولون له بأنهم قبائل يتبعون الشيخ علي العكيمي.
وتحدث بإسهاب عن المحنة التي تجرعها خلال فترة إخفائه الممتدة 4 أشهر وعشراً، لينتقل إلى مرحلة المحنة الأخف التي في معتقل الأمن السياسي والمحكمة الجزائية المتخصصة.. وإلى نص الحوار.
* حوار هلال الجمرة
> نبدأ معك من عملية الاختطاف، حدثنا عنها.
- عملية الاختطاف، أنا قد شرحت في أول لقاء لي مع الصديق والزميل العزيز مروان دماج، وكذا في أول جلسة لي في المحاكمة. اختطفوني من شارع تعز، لاحظت فقط 3 سيارت وعدداً من المسلحين. أخذوني بالقوة في السيارة، ونقلوني إلى خارج صنعاء في نفس اليوم. أول ما واجهت في لحظة الاختطاف الموت، وكنت أصرخ للناس، وما كان فيش ناس، لأن الساعة كانت حوالي 11 ونصف، شرغت أثناء اختطافي والاعتداء عليّ بالضرب، ومش عارف إذا كانوا يعتقدون أنه في تمثيل في الشرغة، وكذا لأنهم ما اهتموش بإنقاذي، وقد أغمي عليّ جراء ذلك، وعندما وصلوا خارج صنعاء، نفخوا أنفي بالطريقة البدائية التي نتخلص فيها من الشرغة، واستعدت حياتي. في اليوم الأول احتجزوني في بيت ريفي، ونقلوني إلى بيت آخر، في اليوم الثاني، جلست فيه نحو 4 أشهر وأسبوعين أو 10 أيام، لست متأكداً، ثم نقلوني إلى الأمن السياسي، فإلى المحاكمة.
> هل تعرفت على الخاطفين وعلى عددهم؟
- لا. كانوا كلهم ملثمين، وكانوا كثيراً، وعددهم حوالي 9 أو 10. كانت مجموعة منهم داخل السيارات ومجموعة أخرى في الخارج.
حدثت مفارقة عجيبة؛ في الأمن السياسي كانوا يغطون على عيوني. بينما في المكان الآخر، الذي لا أستطيع أن أسمّيه كجهة رسمية، فكانوا الحراسة أو الخاطفون بالأصح ملثمين وجوههم، ولم يكشف عن وجه سوى واحد منهم، وكانوا ينادونه باسم غير حقيقي، وهذا هو الوجه الوحيد الذي تعرفت عليه طوال الفترة التي كان الخاطفون محيطين بي.
> أمضيت 4 أشهر في سجن سري في منطقة نائية، كيف قضيت كل هذه الفترة؟
- ليست منطقة نائية. وأعتقد أنها قرية في ضواحي صنعاء، لكني لست متأكداً من موقعها تحديداً.
كانت هذه أصعب فترة في حياتي. كانت فترة صعبة جداً. كيف تتوقع حال شخص محبوس في مكان لا يعرف من هم خاطفوه. كنت أرى أمامي مجموعة أشباح. وكنت أتوقع أن يفرجوا عني، في أي لحظة، وبالمثل كنت أتوقع أن أموت، في أي لحظة. واجهتني صعوبة شديدة، لكني تصديت لها بقسوة، فامتنعت من الأكل ورفضت أكلّمهم، وكان الهدف منه التعبير عن الاحتجاج، وفي نفس الوقت أردت أن أكسر بذلك غرائزي، حتى لا يستلبوني من خلالها، لأن الإنسان عندما يكون صائماً تنكسر كثير من غرائزه بالجوع.
كان الجوع أحد أسلحتي الناجحة، حتى إنهم تأذوا منه، وكانوا يسترضوني أن آكل، لكن همي الأساسي كان أن يعرف أهلي بمكاني.
كانوا يقولون لي بأنهم قبائل، فقلت لهم: القبائل يخطفون الناس، ويسمحون للمخطوف بالاتصال بأهله، لكنكم، للأسف، أكثر انحطاطاً، فأنتم تعاقبون أسرتي وأصدقائي وكل من يحبني بطريقة جماعية.
الغريب أنهم كانوا حريصين كل الحرص على إخفاء مصيري، وكانت رسالة أساسية على ما أعتقد. لكنها رسالة خطيرة للمجتمع، بالدرجة الاولى وأصحاب الرأي الصحفيين وأصحاب الرأي المعارض، بالدرجة الثانية، لأن الإخفاء قد يغيّب مصيرهم. وبرغم ذلك لا يعرف هؤلاء أن ما يمارسونه من جريمة هو مصير خطير للبلد بالكامل. لذا فقد واجهتهم عندما اعترفوا، لأول مرة، بعد ال4 أشهر من الإصرار الغريب بأنهم قبائل وأنهم يتبعون الشيخ علي العكيمي -وأنا أعتذر لهذا الاسم اذا كان موجوداً في الواقع- ومن الإخفاء القسري، بأنهم يتبعون جهة أمنية، فحذّرتهم بأن البلد في خطر، وذكّرتهم: اذا كنتم أمن فأنا مصعوق أنكم تعترفون أنكم جهاز أمني، لبشاعة ما أقدمتم عليه من انتهاك لي كإنسان.
كان عندي إحساس داخلي، أن من قام بخطفي هو جهاز أمني، لأني لا أمتلك أي مشكلة مع أي قبيلي. وقلت لهم: اعتقدت أنكم ستخفونني وتخرجونني بنفس الطريقة دون أن تعترفوا بأنكم جهاز أمني. وقد خفت على بلدي وعلى زملائي، وخفت على مستقبل اليمن.
ذكّرتهم بحالة الجزائر وما حل بها من انتهاكات، وما تعرّض له عديد من المثقفين والصحفيين من اختطافات وقتل وإعدام وإخفاء قسري من جهات كثيرة غير أجهزة الأمن، وتساءلت: هل تريدون أن تصل اليمن إلى هذا الوضع؟ هل هذه رسالة تفيد اليمن أم تضرها؟ وهل أنتم تخدمون النظام أم تسيئون له؟ لكن للأسف، أنتم نظام يسيء لنفسه أكثر مما يسيء له الآخرون.
> يعني أنك بقيت خلال فترة إخفائك في المنزل القروي، تتعامل مع نفس الشخصيات، ولم يزرك أي شخص آخر؟
- إطلاقاً.
> كيف تقرأ أسباب إخفائك ومن ثم محاكمتك؟
- قضية المحاكمة لم يكن لديهم قضية حقيقية، وإلا لجرت المحاكمة في الأيام الاولى من اختطافي، لكن أن تُترك أشهراً بالكامل دون أن يسألوا عني أو يحققوا معي، فهم يريدون أن ينفذوا ضدي العقاب المبكر، العقاب المسبق ليس الغرض أن يكون ما يتوهمونه أو يعتقدونه صحيحاً أو لا، بل كان الهدف هو العقوبة وبطريقة قاسية كهذه. أما موضوع المحكمة فجاءت لاحقة، عندما اضطروا أن يعترفوا بوجودي لديهم، وأنا أعتقد أنهم لم يكونوا يفكرون بالاعتراف قبلها، لكن يبدو أن السبب كان في أن حرب صعدة طالت وبدأت الأصوات ترتفع فاضطروا أن يعترفوا، وربما تصوروا أن هذه أخف الأضرار، وكان لابد من إخراجها عن طريق المحكمة، لأنهم، للأسف، حولوا القضاء إلى مكان ليس لتحقيق العدالة الشرعية، بل لغسل الجريمة ولتصفية الحساب مع المعارضين. الذي يهين القضاء هو الذي يريد أن يحوله إلى أداة لقمع أصحاب الرأي، وأن يتدخل في شؤونه، وهم اكتشفوا بصراحة أنهم تدخلوا، وبطريقة بشعة، ضد القضاء، وأعتقد أن واحدة من المهام اليوم أن نناضل من أجل تصحيح وضع القضاء اليمني.
> يعني أنهم لم يحققوا معك خلال فترة إخفائك؟
- أبداً.
> بعد 4 أشهر، هل نُقلت إلى جهاز الأمن السياسي أم إلى جهاز الأمن القومي؟
- مباشرة إلى جهاز الأمن السياسي. وأنا تألمت أنهم أيضاً يستخدمون الأمن السياسي في مهام كهذه. في النهاية الأمن السياسي مؤسسة حكومية، وكان أول ما واجهتهم (الأمن السياسي): كيف تقبلون هذا الدور وأنتم تستلمونني الآن من مجموعة خاطفين؟ كيف تقبلون أنكم تحتجزونني من جهة غير شرعية، على الأقل مش معروفة؟ وهنا جعلونا نترحم على الأمن السياسي، لكن كلهم قابلون هذا الدور للأسف، وقد أوصلوا الناس إلى أن يقبلوا بأداء أي دور حتى لو كان على حساب سمعتهم ومكانتهم وظهورهم طالما وقد جاءت توجيهات من فوق تقبل الدور.
يعني تسقط كل الاعتبارات القيمة والأخلاقية.
> قيل إن مسؤولين في السلطة زاروك خلال إخفائك، ما مدى صحة ذلك؟
- هذا غير صحيح.
> لكن الشيخ ياسر العواضي قال إنه زارك إلى سجن الأمن القومي وإنه رآك وأنت تقرأ الصحف؟
- أنا أشكر الأخ ياسر العواضي، وأعتقد أن هدفه كان تطمين أسرتي أنني حي وموجود. لم يزرني أحدٌ، وموضوع الصحف، غير صحيح، فأنا كنت معزولاً عن العالم كله. أنا لم أقرأ أي صحيفة، وأول صحيفة اطلعت عليها كانت صحيفة رسمية في الأمن السياسي.
وبخصوص الأخ ياسر فربما بلغته معلومات من جهاز الأمن القومي أو من السلطات العليا، وتأكد له أنني موجود، فأراد أن يبلغ رسالة لأسرتي لأنه كان يقدّر خطورة أن تبقى الأسرة جاهلة بمصير ولي أمرها، وبالذات الأطفال (أبوهم). وأنا من هذه الناحية أقدر ما قام به ليشعرهم بأنه رآني، شكراً له.
> في المحكمة قلت إنك تعرضت للإعدام أو وضعت على مقصلة الإعدام وتعرضت للتعذيب.. كيف؟
- أنا لم أقل إني تعرضت لمقصلة الإعدام. عندما واجهوني أشعروني بأنني في تلك اللحظة ممكن أُعدم، فقد وضعوني في كرسي وسلطوا الأضواء عليّ، وخيّم الصمت لفترة طويلة.
أنا خفت من الموت، لكنني لحظتها لم أفكر قط في أن أغير رأيي. ما فيش عندي شيء أخفيه وهم يعرفونني جيداً، وواحد من أخطائهم الكبيرة أنهم كانوا يعرفون محمد المقالح جيداً، واختاروا هدفا أنا أقول إنه غير مناسب لأنه ما كانت تنطبق عليّ أي تهمة ممكن ينفذونها، كانوا مربكين.
> خلال اعتقالك في الأمن السياسي، هل تم الاعتداء عليك؟
- تم الاعتداء عليّ، لكن في تقديري لم يكن ممنهجاً. حصل اعتداءان، وأنا أعلنت احتجاجي في الاعتداء بالضرب بالمرة الأولى إلى مدير السجن في الأمن السياسي. كنت حريصاً أن يكون اللواء غالب القمش في صورة محاسبة للمعتدي، فما يهمني هو محاسبة المعتدين، أن يعترفوا بالخطأ، أن يعتذروا عن الخطأ، لأن الذي يعتذر عن الخطأ لن يكرر ذلك مرة أخرى، وهو لن ينتقص من نفسه، بالعكس، هذا سيكون أفضل. عندنا عقدة واعتقاد خاطئ بأن الاعتذار هو انتقاص من الذات، وهذا يجب أن يشعر الإنسان حياله بالذنب وبالتأنيب الشديد، وليس يشعر بالتأنيب أنه اعتذر، لأن هذا يصفي ضميره. لذا ما يهمني الآن ألا يتكرر ما حصل لي مع أي زميل آخر. لكن هذا لن يتم إلا إذا أكدت أن هناك جريمة ارتكبت وهناك اعترافاً بهذه الجريمة وتحقيقاً حولها. إذا استمرأ الناس ما حصل لي، إذا قبلوا به، وإذا اعتقد المجرم أنه لن ينال العقاب، فسيتكرر الخطأ مجدداً، والمخطئ نفسه ممكن يحصل له الخطأ أو يحصل عليه الاعتداء، وبالتالي أنا أقول من خلال "النداء"، إنه لابد أن نتابع مسألة مسؤولية الاعتداء بالاختطاف والإخفاء، ويتحمل الطرف الذي ارتكب هذه الجريمة المسؤولية كاملة. وأعتقد أن هذه الجريمة ما زالت قائمة، وعلى الصحفيين أن يتابعوها. ما انتهتش قضيتي.
> ما قصة أن الأمن اقتنى لك بدلة رسمية وربطة عنق؟
- أي أمن؟! تقصد الخاطفين (ضاحكاً). أُسيء إلى الدولة إذا قلت إن هؤلاء جزء من الدولة. هذه جريمة بكل ما تعنيه الكلمة، جريمة بشعة، جريمة قاسية، لكنني مستعد أن أدفع هذا الثمن بشرط ألا يتكرر ما حدث لي مع أي من زملائي أو أي شخص آخر.
أنا بقيت طوال فترة الاختطاف وأنا في ثوب واحد، وبقيت طوال 4 أشهر وهذا الثوب ملطخ بالدماء بسبب الاعتداء. الثوب كله كان مغموراً بآثار الجريمة، ولذلك هم يظنون أنهم صادروا آثار الجريمة عندما قرّر الأمن السياسي مصادرة الثوب.
الشيء الوحيد الذي صادروه من ممتلكاتي الخاصة هو هذا الثوب، عندما عرفوا أني شديد الحرص عليه. وأنا أعتقد أن المصادرة تمّت بتوجيهات، مش عارفين أن آثار الجريمة ليست في الثوب، الذي اعتدي عليه ما زال حياً، ويعرف الناس أنه يقول الحقيقة ويتحدى المجرمين أن يدحضوها. إذا أرادوا أن يكذبوا ما حصل، وأعتقد أنهم ليسوا بمستوى أنهم يكذبون ما حصل، لأنهم يعرفون ما حصل، وإذا كان عندهم أي شعور إنساني أعتقد أنهم يشعرون بالذنب، لكن أنا أطلب منهم أن يعترفوا بهذا الذنب لأن هذا يطهرهم، قبل أن يعتذروا لي، سمعتهم في الحضيض الآن، والذين ارتكبوا الجريمة في حقي هم كشفوا أشياء لم تكن تحدث لولا ارتكابهم الجريمة ضدي، ومن خلال ارتكابهم جريمة الاختطاف والإخفاء هم كشفوا أن هناك ممارسات خارج القانون، هناك عصابات للاختطاف ومخصصة لممارسة الاعتداء. النظام هو من يتحمل في النهاية المسؤولية. الجريمة التي ارتكبت في حقي كشفت أنهم يتجسسون على السياسيين وعلى مكالماتهم، ويفترض أن أول من يحتج على ما حدث هو هذا النظام إذا هو يريد أن يبقى، لأنهم لم يسيئوا لي، هم أساؤوا إلى نفسهم، ويجب أن يعترفوا بأن هناك سجوناً سرية، ويجب أن يقوموا بكشفها وإلغائها، ثم لابد أن يحقق مع المختطفين. وأما جريمة التجسس على المكالمات ففضيحة في حد ذاتها، هم أرادوا أن يخفوا جريمة الإخفاء بالمحاكمة، فتورطوا في كشف جريمة أخرى. وأعتقد أن الإفراج عني هو محاولة بائسة لتلافي تداعيات الأخطاء التي ارتكبت في حقي.
> كيف جرت عملية نقلك من الأمن السياسي إلى المحاكمة؟
- في أول جلسة أخذني ضباط، بدوا لي لطفاء. وكان الحديث بيننا ودياً، وأخذوني في سيارتين مدنيتين الأولى صالون كنت داخلها، والثانية برادو رافقتنا، وبقينا في القاعة وحدنا، وجابوا لي صبوح، ثم حضر القاضي محسن علوان، والقاضي سعيد العاقل، وكان أول طلب لي بأن يتنحى القاضي عن كرسيه عن المسؤولية، واحترم نفسه وتنحى، أنا طلبت هذا الطلب قبل أي حديث لأنه لا يليق به أن يتولى مسؤولية محاكمتي وهو يعرف أن بيننا، أنا وهو، خصومة شخصية. وقال لي إنه قد نسي هذه الخصومة، فقلت له: لا، أنا لم أنسها، الظالم ممكن ينسى، لكن المظلوم مش ممكن ينسى.
> طلبت من الحاضرين في الجلسة السادسة إبلاغ العالم أن القاضي أمر بتعذيبك، كيف؟
- أنا وضحت وقلت له ووضحت له أن الضابط الذي اعتدى عليّ طلب من القاضي أن يفك القيد مني، فالقاضي رفض، وربما يكون الضابط فهم أنه توجيه بممارسة التعذيب لأنه اعتدى عليّ مباشرة وأنا خارج لتوي من المحكمة، مع أن القاضي قال إنه سيحقق في الواقعة، ويمكن هذا أول طلب يوافق لي عليه، أنا كان عندي طلبات كثيرة لم تلبَّ.
> ماذا كانت تلك الطلبات؟
- أول طلب كان أن يحققوا في حادثة الاختطاف، العدالة -إن وجدت - تقتضي أولاً الرد على السؤال: هل فعلاً اختُطف محمد المقالح؟ هل أخفي لمدة 4 أشهر؟ هل كان هذا الإجراء خارج القانون؟
ثانياً: هل الملف الذي أمامهم صحيح مكتمل؟ هل هو ملفق لأنه كان خلواً من أي أوليات أو تحقيقات؟ أنا كنت أطالب بالحد الأدنى من العدالة، فأنا لست ضد القضاء.
> في اليوم السابق لخروجك تسربت أنباء بأن حواراً دار بينك وبين الرئيس علي عبدالله صالح، ماذا دار بينكما؟
- لم يحصل أي اتصال أو حوار بيننا.
> كيف تمت عملية الإفراج عنك؟
- سمعت أنها لأسباب صحية، إذا كان هذا السبب. وأعتقد أن الاعتراف بالخطأ شيء جميل. أنا، بالعكس، أريد منهم العودة عن الخطأ. هدفي ليس انتقامياً، ولا أريد أن أحقد. كما أعتقد أن الحاقد ينتقص من إنسانيته. أريد أن أكون إنساناً طبيعياً.
قلت لهم: في لحظة الخطر هل تريدون أن تحولوا الناس إلى ناس موتورين همهم الثأر والانتقام؟ أنا محمد المقالح أريد أن أكون إنساناً طبيعياً، يعني لا أريد أن أحقد ولا أثأر، ممكن أعارضكم بقوة وبقسوة، لكن لا أحقد عليكم. وعندما كلمتهم في المحكمة كنت صادقاً جداً. عندما وقفت الحرب في صعدة، شعرت بسعادة، وقلت لهم: هذا بالنسبة لي اختبار هل أثّر في إنسانيتي أو طبيعتي، برغم ما مورس ضدي من انتهاك، لم يؤثر سلباً، وعندما شعرت قلت الحمد لله أنا إنسان ليس حاقداً وليس لدي مشاعر الثأر حتى أقول تبقى الحرب أو أقول اقتلوا بعضهم البعض، كان غرضي وهمي أن توقف هذه الحرب، والحمد لله وقفت.
من خلال هذا اللقاء أوجه نصيحتي: من يريد السلام في صعدة عليه أن يهتم بإنسان صعدة. الإنسان يجب أن يكون قبل الحجر، قبل جبل الثأر وجبل جديد وجبل الأحمر. الناس الموجودون في السجن يجب أن يفرج عنهم. هذا الإنسان من دم ولحم يجب الاهتمام به، النازحون يجب الاهتمام بهم، الأولوية مئات المعتقلين في الامن السياسي، بعضهم لهم منذ السنوات الاولى للحرب. وأستغرب: هل يستمتعون ببقاء المساجين؟ هل فعلاً بقاؤهم في السجن كان يمنع اندلاع الحرب؟ اندلعت حروب وهم في السجن، وأعتقد أن الاهتمام بالانسان لا يوجد لدى طرفي الحرب وإلا لكان الأسرى من الطرفين يجب أن يكونوا النقطة الأولى وليس الأخيرة، لماذا يتم تحويل الانسان إلى نقطة ابتزاز لتحقيق أغراض؟ العكس عندما كرست الدولة كافة جهودها لأربعة أسرى سعوديين واشتغلت بكل جهودها للإفراج عنهم. أتمنى الاهتمام باليمني أيضاً، العمال اليمنيين الموجودين في السجون السعودية، بالنازحين بسبب الطائرات السعودية التي دمرت منازلهم. أنا أريد الإفراج عن المساجين، لأنه سيكون رسالة سلام حقيقية، بقاء المساجين تحت أي عنوان، المحكومين، القضايا هي تعطي رسالة سلبية أن الحرب لازالت كامنة. إطلاق المساجين والأسرى هو السلام الحقيقي وأكثر من رسالة.
> لكن أعتقد أن الرئيس وجه أو وعد بالإفراج عن المعتقلين على ذمة الحرب في صعدة وأيضاً على ذمة الحراك الجنوبي، وقيل إنه بدأ بك وهشام باشراحيل؟
- أنا أتمنى أن يكون هذا صحيحاً. لكن لماذا التقصير؟ إذا كانت هناك نية لدى الرئيس، ونية من هذا النوع لا يؤخرها شيء، لأن الساعة بالنسبة للسجين شيء كبير، تختلف الساعة داخل السجن عن الساعة خارج السجن، كلما بكر بهذا القرار سيكون أفضل، لا يعتقد النية الطيبة اذا توفرت، أنا أريد أن تعبر عنها، أريد أن يصدر قرار عفو عن حرب صعدة لأنها هذه رسالة سلام حقيقية.
> أسرتك بذلت جهداً جباراً في سبيل الكشف عن مصيرك.
- سجل عني لا أستطيع أن أعبر عن هذا السؤال، وعن سعادتي وفخري بما عملته أسرتي من أجلي. كان عملهم أكبر مما كنت أعتقده، زوجتي وأطفالي وأخي وجيراني وأصدقائي أعرف أنهم لن يخذلوني، لكن لم أكن أتوقع أن يكون دورهم بهذا الحجم، لقد قاموا بدور أنا لم أستطع القيام به. هل تصدق أن الاعتصام في التحرير كان حلماً أتمنى يوماً تقف المعارضة في التحرير؟ لقد اعتصمت هالة وهاجر وسميرة وزوجتي والجيران في التحرير وأمام الأمن القومي، هذا الذي يراد أن يكون بعبعاً يراد أن يكون وحشاً مخوفاً للناس، لا يراد الاقتراب منه.
لابد من كسر هذا الحاجز، هذا الخوف، لأن كسر هذا هو لصالح الناس في اليمن، لأنه سيكون أفضل لو التزم بالقانون. ستكون سمعته أفضل من البلطجة والإخفاء كما حصل لي، لو مارس التزاماً بالقانون سيكون سمعته أفضل، كما كتبت في عدة مقالات قبل اعتقالي.
> الآن بعد إطلاق سراحك، هل انتصر محمد المقالح السياسي المعارض أم الصحفي؟
- والله أنا لن أتغير. ولا كنت أبحث عن انتصار. كل ما يهمني أن تكون حقوقي مصانة؟ إذا كان هناك انتصار فهو للكلمة، انتصار للزملاء، انتصار لكل جهد حقيقي بُذل من المنظمات، من الأحزاب، من الزملاء في نقابة الصحفيين، صحيفة "النداء" التي قامت بدور كبير، وهو انتصار لليمن. وأعتقد أن نظام الرئيس علي عبدالله صالح سمعته بعد إطلاق سراحي أفضل من قبل إطلاق سراحي. هو للناس كلهم مثل هذه القضايا الانتصارات هي وسيلة سياسية، يعني أي انتصار نحققه كيمنيين في مجال الحريات، يجب أن نحتفل به جميعاً، ويجب ألا يتمترس الآخرون، ونحولها إلى تجاذب سياسي نضيع فيها الإنجازات التي نحققها، المناضل ينتصر، وأنا أتمنى أن يكون الانتصار لنا كلنا.
> كلمة أخيرة..
- شكراً لك جداً جداً. وأشكر صحيفة "النداء" ورئيس تحريرها سامي غالب. كل المحبة من خلال "النداء" على الصحف المستقلة والأهلية والحزبية والقنوات الفضائية والصحف والقنوات الرسمية، لأنها وقفت محايدة، ولم تنجر وراء ممارسة البلطجة والخطف.