شيء من شيرين

شيء من شيرين

* منصور هائل
بمقدور المرء أن يتعلم من تجربة الإيرانية شيرين عبادي، الحاصلة على جائزة نوبل، أشياء كثيرة، وأولها عدم الانخداع بالهتافين لـ"الثورة" وأصحاب اللحى والعمائم أكانوا في إيران أو في اليمن.
والمعروف أنها قاضية مميزة، مبدعة، وعلى أرفع مستويات الاستقامة والذكاء، وقد استقطرت خبرة حياتها في مذكرات مكتوبة بشجن وبهجة وحزن وإشراق، وترجمت مذكراتها التي صدرت هذا العام إلى كافة لغات العالم الحية.
ورغم أنها كانت الأولى على دفعتها في كلية الحقوق بجامعة طهران، وقبل أن تقوم ثورة الملالي وآية الله، حيث كانت من ألمع القضاة، ورغم أن مناخات عهد حكم الشاه الفاسد هي التي هيأت لها فرصة دراسة الحقوق والتخرج كقاضية تزاول مهنة القضاء وهي سافرة الوجه ومكشوفة الرأس، إلا أنها انخدعت بنداء الثوار الطالعين من مغارات الأزمنة السحيقة، وثورة الإمام الخميني العائد من باريس بوجه عابس وحاجبين ثقيلين.
واعترفت شيرين أنها دفعت ثمناً غالياً بسبب ذلك الخطأ، وتعترف أن "الثورة" تمكنت من تنويمها مغناطيسياً، وجرفتها في تيارها العارم لتشارك بملء إرادتها وكامل حماستها في زوالها.
هكذا شاركت شيرين عبادي في زوال شيرين عبادي.
وتتذكر كيف أن أحد (رفاق) العنفوان والتمرد تعين كمشرف مؤقت على وزارة العدل.
وتستحضر أجواء ذلك اليوم الذي كانت ظهيرته مشمسة، منعشة، وكانت هي ضمن مجموعة من زملاء فتح بني صدر المشرف الجديد على الوزارة، وتوجهوا إلى مكتبه للمباركة والتهنئة.
وتقول: تدفقنا إلى الغرفة، وجرى تبادل الكثير من التحايا والتهاني الوردية، ثم وقعت عينا بني صدر عليَّ فظننت أنه سيشكرني وأن يعبر عن أهمية ما يعنيه التزام قاضية أنثى مثلي بالوقوف إلى جانب الثورة. لكنه قال بدلاً من ذلك: "ألا تعتقدين أنه انطلاقاً من الاحترام لقائدنا المحبوب الإمام الخميني الذي أنعم على إيران بعودته، من الأفضل أن تغطي شعرك؟".
وأحست شيرين بالرجفة والارتعاد. كيف يحدث هذا في وزارة العدل، بعد انتفاضة شعبية عظيمة استبدلت الملكية بالعودة إلى العصور القديمة تحت مسمى الجمهورية. ها هو المشرف الجديد على العدالة يتحدث عن الشعر.
وقالت: "لم أضع غطاء للرأس في حياتي قط، وسيكون من النفاق أن أبدأ ذلك الآن". قال وكأنه حل معضلتها ببساطة: "إذن لا تكوني منافقة وضعيه على رأسك في إيمان".
وتواصل شيرين أن المسألة لم تتوقف عند مستوى فرض الحجاب بالقوة، بل وصلت إلى خلعها من وظيفة قاضية، وتحريم هذه المهنة على النساء.
وجاء اليوم الذي تشكلت فيه لجان التطهير الثورية لجهاز القضاء، وكانت شيرين أول الضحايا، وانتشرت الأجواء المسرحية، وتدافعت الشائعات كالدوامات، ومن لحظتها كرست نفسها لاستعادة الإنسان الذي انسحق فيها، وتكرست من أجل حقوق الإنسان، وكان فوزها بجائزة نوبل ضمن سياقها، وقد وصل إليها أكثر من أن تذهب إليه، فهي محامية، كاتبة، ناشطة، معارضة، منافحة عن قضايا حرية التعبير والحريات بعامة، وقادرة على أن تمنح الأمل قوة وأجنحة وليست مجرد "عاصفة من ريش".
إنما.. تتذكر شيرين أنها انخدعت بوهم الثورة وجمهورية الإمام وعباءة آية الله، وذلك ما لا نحس الاهتداء إليه.
وتقول: عندما أفكر في تلك الأوقات لا يثير دهشتي سوى مقدار سذاجتي.. وتستنكر انسياقها مع التيار الذي جعل من الخبل رياضة وطنية.
وليس ثمة ما يحول دون استنكارنا لمن يكفرون عيد المرأة وعيد الأم، غير تلك الرياضة: الخبل.
* هامش: "إيران تستيقظ.. مذكرات الثورة والأملـ" هو كتاب شيرين عبادي.