اقتصاديون يقيّمون لـ"النداء" برنامج الإصلاحات الاقتصادية:

اقتصاديون يقيّمون لـ"النداء" برنامج الإصلاحات الاقتصادية:

*بعد ما يقارب 15 عاماً لتفادي الكارثة.. المخاطر تتزايد
* استطلاع: أشرف الريفي
منذ العام 95 بدأت بلادنا بتنفيذ إصلاحات إقتصادية لإنقاذ الإقتصاد الوطني من الإنهيار وتفادي كارثة كانت وشيكة.
ومنذ ذلك الحين لا تزال بعض جزئيات البرنامج الاقتصادي لم تنفذ كاملة، ناهيك عن اختلالات ومشاكل رافقت عملية تنفيذ هذا البرنامج.
"النداء" ناقشت مع عدد من الاقتصاديين المتخصصين هذه التجربة بإيجابياتها وسلبياتها ومعوقات نجاحها.
وبعين الاقتصادي المتخصص نقدم لكم شرحا مفصلا ومفيدا لتجربة هامة من تجارب الاقتصاد الوطني، تم تناولها من قبل عدد من أساتذة الاقتصاد بمنظور تقييمي وفني بحت.. فإلى الحصيلة:
في البداية يقول الدكتور صلاح ياسين المقطري أستاذ الاقتصاد والتمويل المساعد بجامعة صنعاء، إن اليمن عانت في العام 94، العديد من الاختلالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ووصل الوضع الاقتصادي الى حد كارثي، وبرزت مؤشراته بتدهور مستمر في سعر الريال وانخفاض حاد للقوة الشرائية (معدلات مرتفعة للتضخم)، وعجز موازنة مزمن، وسعر ادخار سالب، ومعدل نمو سالب للناتج المحلي الإجمالي، ناهيك عن معدل بطالة مرتفع، وعجز كبير في ميزان المدفوعات، وانخفاض حاد وكارثي في احتياطي اليمن من العملات الصعبة، وأصبح يغطي فقط ما يساوي واردات 45 يوما، فيما الديون الخارجية وصلت الى ما يقارب ال10 مليارات دولار، وانعدام ثقة الدائنين في الاقتصاد اليمني.
وأكد المقطري أن هناك عوامل عديدة ومتشابكة ساهمت في ظهور تلك الاختلالات وتفاقمها، كان أهمها اندماج اقتصادين مختلفين أيديولوجياً، وما رافق ذلك من اختلالات وتشوهات بسبب عدم قيام الوحدة على أسس مدروسة وممنهجة، ولم تحدد الإجراءات والخطوات التنفيذية بشكل واضح، فكثير منها قامت على المحاصصة بين صانعي الوحدة، وتربص كل طرف بالآخر، مما أدى إلى نمو شعور بعدم الثقة بينهما. إضافة إلى موقف اليمن الداعم للعراق ونظامه في حرب الخليج الثانية وغزو الكويت، الأمر الذي أدى إلى عودة ما يقارب المليون مغترب من دول الخليج، ما أفقد اليمن تحويلاتهم المالية، وشكلت عودتهم عبئاً إضافياً على الاقتصادي اليمني، وعدم قدرته على استيعابهم. كما أدى ذلك إلى قطع وتخفيض حاد في المساعدات والمنح والقروض المقدمة لليمن من دول الخليج والدول الكبرى والمنظمات الدولية. ناهيك عن فاتورة الحرب بين فرقاء الوحدة، الأمر الذي زاد من ثقل الأعباء الاقتصادية والسياسية.
وقال المقطري إن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي كان خيارا وحيدا للخروج من العزلة السياسية ولوقف تدهور الاوضاع الاقتصادية وإزالة الاختلالات والتشوهات السعرية والهيكلية وزيادة الكفاءة الاقتصادية ودمج الاقتصاد المحلي في الاقتصاد الدولي وفقا لروئ وشروط صندوق النقد والبنك الدوليين رغبة في إعادة تدفق الدعم الخارجي سياسيا واقتصاديا.
ويرى أن برنامج الإصلاح حقق في مراحله الأولى "التثبيت الاقتصادي" من استمرار استقرار بعض المؤشرات الاقتصادية الكلية، مثل سعر الصرف، معدل التضخم، عجز الموازنة في حدود آمنة، وعدم تمويله تضخميا، ومعدل موجب للناتج المحلي الإجمالي، وفائض في ميزان المدفوعات لعدد من السنوات.. ويمثل ذلك الإيجابية الوحيدة من تطبيق البرنامج.
ويقول المقطري إن ارتفاع أسعار كميات النفط واعتماد الحكومة عليه، أدى إلى عدم التقيد ببرنامج الإصلاح، وتقاعس ولامبالاة في التنفيذ الدقيق للكثير من سياساته، واعتقدت أن النفط سيغطي على العيوب والاختلالات التي رافقت تطبيق وتنفيذ البرنامج، الأمر الذي انعكس سلبا على الوضع الاقتصادي بشكل عام.
وأشار إلى أن ذلك أدى إلى ظهور اختلالات وتشوهات كبيرة بجانب الآثار الاجتماعية التي نجمت عن تطبيق البرنامج في مراحله الأولى حتى الآن، منها اعتماد الاقتصاد اليمني على العالم الخارجي لتلبية حاجياته، وبالتالي زيادة الواردات بشكل كبير، ولم تحقق الصادرات غير النفطية نموا مرتفعا كانعكاس لتخفيض وتحرير الريال.
ومن الاختلالات التي نجمت -حسب المقطري- استمرار مرحلة التثبيت الاقتصادي لفترة طويلة، وكذلك التصحيح والتكييف الهيكلي لم يتم الانتهاء منه، مما يعني استمرار معاناة شريحة كبيرة من فئات المجتمع، فلا يمكن جني ثمار برنامج الإصلاح إلا بعد الانتهاء من تنفيذ جميع سياساته كمنظومة متكاملة.
وقال إن زيادة معدلات البطالة، تعني أن البرنامج عجز عن تحقيق معدلات مرتفعة لنمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، قادرة على امتصاص العمالة وتوفير فرص جديدة. كما أن زيادة معدلات الفقر تعد من التشوهات الناتجة كون البرنامج أحدث في مراحله الاولى آثاراً اجتماعية شملت شريحة كبيرة بما فيها فئة ذوي الدخل المحدود، ولم تستطع الاجراءات الاخيرة بالتعاون مع صندوق النقد الدولي، التخفيف من الفقر، بالإضافة إلى أن الحكومة حرمت من دعم مباشر نتيجة عدم مصداقيتها في تنفيذ البرنامج بسبب الفساد المالي والإداري.
ويضيف المقطري أن الحكومة لم تستطع سد الثغرات في التشريعات القضائية والتجارية وتفعليها، الأمر الذي انعكس سلبا في تنفيذ كثير من أجندة برامج الإصلاح، وبالتالي أصبحت البيئة غير ملائمة أو جاذبة للاستثمار المحلي أو الأجنبي. مشيرا إلى أن الاختلالات الإدارية والمؤسسية استمرت، فاستراتيجية الأجور خُلقت مشوهة، والفساد الإداري والمالي تفاقم، والشفافية لم تظهر الى النور. وكذلك لم تستطع استراتيجية الأجور تحفيز التعليم، بل زادت من تشوهات الجهاز الإداري.
وقال إن البرنامج الاقتصادي ساهم في تصفية وتحويل وبيع وحدات من القطاع العام الى القطاع الخاص بأسعار بخسة كان يمكن لها أن تستمر إذا ما تم إعادة هيكلتها، كما أن ذلك لم يتم بناء على دراسات علمية تراعي الآثار الناجمة. كما أن تخفيض التعرفة الجمركية، لم يؤد إلى تحسين أو الاستفادة من مزايا الاندماج مع العالم الخارجي، بل أدى إلى فقدان موارد كبيرة كانت الدولة تجنيها، ولم يتم فرض شروط معينة تراعي إمكانيات البلد، وحتى الآن لم نستطع الانضمام الى منظمة التجارة العالمية للاستفادة من بعض الشروط التي تستفيد منها الدول الأقل نموا.
وفي الإجمال يقول الدكتور المقطري إن برنامج الإصلاح الاقتصادي حقق استقرارا في بعض مؤشرات أداء الاقتصاد الكلي (الإيجابية الوحيدة)، وهذا يعني نجاحاً نسبياً لمرحلة التثبيت الاقتصادي، ولم تستطع الحكومة تنفيذ برنامج التصحيح الهيكلي أو برنامج التخفيف من الفقر، وتطبيقه كمنظومة متكاملة.
وأضاف: "يلوح حاليا في الأفق، عدم استقرار بعض مؤشرات الاقتصاد الكلي، وما نخاف منه، العودة إلى "المربع الأولـ"، أي إلى وضع ما قبل تنفيذ البرنامج، حيث ارتفع عجز الموازنة العامة للدولة، نتيجة انخفاض أسعار وكمية النفط، وهناك عجز في ميزان المدفوعات، ومعدل ضعيف للناتج المحلي الإجمالي الحقيقي، وارتفاع معدل التضخم، وتآكل الاحتياطيات من العملات الأجنبية، فأصبحت تغطي فقط ما يساوي 7 أشهر من الواردات، والذي انعكس بشكل انخفاض في قيمة الريال أمام الدولار، برغم ضخ البنك المركزي لعملة أجنبية على مدى العام الأخير ليصل أكثر من مليار دولار".. متسائلا: إلى متى يستمر هذا النزيف؟
وحول توجه الحكومة الى رفع جزئي للدعم الموجه للمشتقات النفطية من خلال رفع أسعارها مؤخرا.. اعتبر المقطري أن هذا التوجه يهدف لتبني سياسات تقشفية ربما تستمر لسنوات عديدة لمنع انهيار اقتصادي.
الدكتور مشعل الريفي أستاذ الاقتصاد بجامعة صنعاء، قال إن برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي استهدف إعادة الاستقرار الاقتصادي، نقل الاقتصاد إلى العمل وفقا لآلية السوق الحر.
ويرى مشعل أن هذا البرنامج نجح في تحقيق استقرار نسبي كان قصير الأجل بسبب تشخيص الأزمة التي بني على أساسها البرنامج وإجراءاته، مشيرا إلى أن تشخيص الأزمة الاقتصادية التي مرت بها اليمن خلال فترة التسعينيات بشكل حاد وفقا لصندوق النقد الدولي والجهات المانحة، هو فائض في الطلب الذي خلق عجوزات هيكلية حادة في الموازين الاقتصادية، وعلى رأسها ميزان المدفوعات والموازنة العامة للدولة، والذي زاد من مديونية البلد والدولة أمام العالم الخارجي، ودفع الدولة إلى الإصدار النقدي غير المغطى بناتج حقيقي، موضحا أن ذلك جعل الأسعار تتزايد بشكل متواتر وسريع هدد بانهيار الثقة بالعملة وبالنظام الاقتصادي السائد بشكل عام، والذي وصل في منتصف التسعينيات إلى مرحلة تنذر بانهيار اجتماعي وسياسي ترافقت مع أوضاع سياسية معقدة للغاية.
ويقول الريفي إن هذا التشخيص جعل البرنامج في إجراءاته يؤدي إلى تخفيض الطلب الكلي أو تخفيض نموه ليتواكب أو يلائم مستوى العرض الكلي ونموه.
ويضيف أن رفع الدعم عن أسعار السلع والخدمات الاساسية وتخفيض قيمة العملة المحلية وتعويمها وفقا لآلية السوق، وتخفيف الإنفاق الحكومي ساهم في تحقيق ذلك الهدف، مما أدى إلى استعادة نوع من الاستقرار، لكنه كان استقراراً قصير الأجل بسبب أن المشكلة في اقتصاد فقير لدولة كاليمن تتمثل في قصور في الناتج أو في العرض الكلي وليس فائض الطلب.
وأشار إلى أنه في فترة التسعينيات كانت نسبة من هم تحت خط الفقر من السكان تناهز النصف (50%)، ونسبة عالية أيضاً في محاذاة خط الفقر، وهناك أقلية من الميسورين والأثرياء، والطلب الكلي عموما في حدوده الدنيا ومقتصر على الأساسيات، والمشكلة هي في القصور الحادث في الإنتاج المحلي.
وأوضح مشعل أن إجراءات البرنامج التي أدت إلى تخفيض الطلب الكلي وكبح نموه في ظل هذا الوضع الاقتصادي، حمل آثاراً مدمرة على شريحة اجتماعية عريضة من محدودي الدخل من الموظفين والعمال والمزارعين في الأرياف، وغالبية الشعب تضررت بدرجات متفاوتة، وقطاع كبير من الأفراد والأسر تضرر بشكل حاد بعد أن تدهورت معيشتهم وكبلتهم أغلال الفقر وغلاء المعيشة.
وأكد أن ذلك أدى إلى آثار اجتماعية سيئة وخطيرة؛ منها التفكك الأسري والأمراض النفسية والإحباط وفقدان الثقة وانتشار الجريمة وحوادث العنف. مشيرا إلى أن العناصر التخفيفية في البرنامج كشبكة الضمان الاجتماعي لم تجدِ في محاصرة الآثار السلبية لتطبيق البرنامج وإصلاحاته السعرية على وجه الخصوص، نظراً لمعدل الفقر العالي في المجتمع، قبل وأثناء وبعد تطبيق البرنامج.
وقال إن المشكلة الاقتصادية في اليمن تتمثل في قطاع الإنتاج (جانب العرض) وليس الطلب، وإن تدعيم ركائز الاقتصاد وقدرته على مواجهة الصدمات لن يتحقق إلا بمعالجة أوجه الاختلال في قطاع الإنتاج (جانب العرض الكلي).
واعتبر أن تلخيص المشكلة في جانب العرض تتمثل في قصور الناتج الكلي وضعف معدلات نموه، وهذا مرتبط بعدد من أوجه الخلل المتمثلة بضعف وتخلف بيئة الاستثمار والأمن والبنية التحتية، وغياب التنوع في القاعدة الإنتاجية، وندرة رأس المال البشري المؤهل لاحتياجات سوق العمل والتطور التكنولوجي.
ولم يستغرب مشعل من استمرار المخاوف من تدهور قيمة العملة المحلية وعودة التضخم الجامح من جديد. مستدلا بارتفاع أسعار السلع والخدمات المفاجئ أو العام الذي حدث بعد إعلان نتائج الانتخابات الرئاسية 2006 بيومين، معتبرا ذلك يوضح استمرار الخلل في البنية الاقتصادية وسيادة الاحتكار في السوق وغياب المنافسة التي هي أساس آلية السوق الحر التي هدف البرنامج لوضع الاقتصاد اليمني في ركابها.
وقال مشعل إن المطلوب اليوم ليس مزيداً من الجرعات والإصلاحات السعرية، لأنها لم تكن سوى معالجات إسعافية أولية، بينما العلاج الحقيقي سيأتي من خلال برامج إنمائية جادة وإصلاحات إدارية وقانونية وقضائية تعمل على تحسين بيئة الاستثمار، ورفع كفاءة الموارد البشرية وعنصر العمل وزيادة إنتاجيته.
ورأى أن أي إجراء غير ذلك لن يجدي نفعا، والتسويف والتأجيل ينذر باستفحال المشكلة، وعلى الشعب حكومة ومعارضة ومجتمعاً مدنياً وعلماء ومثقفين، الاستفادة من تجارب الآخرين، والحرص على عدم إهدار موارد الدعم الخارجي، وعلى استغلالها في البرامج الإنمائية الحقيقية.
ودعا إلى الاستفادة مما يحدث اليوم في اليونان (الدولة العضو في الاتحاد الأوروبي) التي عرضت عليها شقيقاتها في الاتحاد الأوروبي لإنقاذها من أزمتها المالية والاقتصادية بيع بعض جزرها وأراضيها مقابل الدعم. مشددا على ضرورة الاستفادة من هذه الواقعة ومحاربة أي تبديد للموارد أو الدعم الأجنبي المقدم قبل أن يأتي اليوم الذي يطلب منا أن نبيع جزرنا وسواحلنا وأراضينا لإنقاذنا من أزماتنا أو إفلاسنا.
من جهته، لا يرى الدكتور عبدالرحمن بني غازي أستاذ الاقتصاد، جدوى من أي إصلاح اقتصادي في ظل الفساد المستفحل اليوم. بينما يرى أن الأزمة الاقتصادية بوضعها الراهن نتاج طبيعي للأزمة السياسية، ومن الصعب إجراء إصلاح اقتصادي حقيقي دون إصلاح سياسي.
وقال بني غازي إنه في ظل نظام سياسي هزيل وفاسد ومستبد لا يمكن إصلاح المسار الاقتصادي، كون النظام الحالي لا يخضع للرقابة أو المساءلة، ويقدم أهل الولاء والطاعة، ويستبعد أهل الكفاءة والخبرة. معتبرا أن أجهزة الرقابة مشلولة وصورية وتابعة بسبب اختزال الوطن في السلطة. واستبعد نجاح الإصلاحات الاقتصادية في ظل الفساد والاستبداد، كون الفساد لا ينتج إلا مزيدا من الفساد، ولا يمكن تحقيق التنمية بلا حرية.
وأضاف: "لا نقصد بالفساد في هذا المجال الرشوة والهبة والتهرب الضريبي، فهذا النوع من الفساد منتشر في معظم دول العالم إن لم يكن في كلها، وهو ما يعرف أو يسمى الفساد الصغير أو الأصغر. بل نقصد الفساد الكبير والأكبر الذي يخلع على الدولة والنظام صفة الدولة الفاسدة. فالفساد الأكبر مرتبط بالصفقات الكبرى في المقاولات وتجارة السلاح والحصول على التوكيلات التجارية للشركات الكبرى المتعددة الجنسيات، ويحدث على المستويين السياسي والبيروقراطي، ويوجد بينهما قدر كبير من التداخل والتشابك. ويرتبط الفساد السياسي عادة بـ"تفصيل القوانين" و"التسويق السياسي".
واعتبر الدكتور بني غازي ما وصفها بـ"رأسمالية المقربين"، الوجه الآخر للفساد، إذ تنطوي بشكل دائم على فساد واسع الانتشار، يوسع من نطاق الفساد في الجهاز المصرفي، ووشائج القربى والمصاهرة وعلاقات الأعمال بين أولئك الذين يسيطرون على مفاتيح العمل الاقتصادي في مرتبة يظللها الفساد، وأولئك الذين يتقلدون السلطة في جهاز الدولة.. الأمر الذي يؤكد العلاقة الوثيقة بين السلطة والثروة.
وقال إن الزحف الإداري من قبل ما يسمى بالبرجوازية البيروقراطية أو ما يعرف بعلم الاقتصاد السياسي "طبقة الدولة" للعمل في المراكز العليا للشركات الخاصة سواء كانت محلية أو أجنبية، ليس بهدف إنتاجي، بل هدف الاحتماء بنفوذ كبار المسؤولين.
وأضاف أن المناصب الشكلية تصنع لهم اصطناعاً. ويعد القطاع العام "المحل الهندسي" للنهب والبرجوازية البيروقراطية كهدف أصيل في الفساد مع رأسمالية القطاع الخاص من ناحية ومع الشركات الأجنبية من ناحية أخرى. مشيرا إلى أن الفساد يمثل ظاهرة هيكلية يخترق فيها الفساد السياسي نسيج العلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية فتصبح جزءاً منها وليس عرضاً عليها، ولهذا تسعى السلطة جاهدة لاختراق المجتمع المدني حتى لو استظل بالجامع الكبير حسب قوله.
وأكد د. بني غازي أن الفساد أدى إلى تشوهات واختلالات اقتصادية في هيكل الجهاز الاقتصادي، تؤدي إلى مزيد من التضخم والبطالة وسوء توزيع الدخل بين الفئات والشرائح الأجتماعية.
الخبير الاقتصادي علي الوافي رأى أن الإصلاحات اقتصرت على جوانب معينة في إطار رفع الدعم التدريجي عن المشتقات النفطية، إلى جانب إصلاحات نقدية حققت قدراً من النجاحات في هذا الجانب، بسبب زيادة العائدات النفطية التي مكنت الحكومة من المحافظة على الاستقرار المالي والنقدي بصورة معقولة خلال الفترة الماضية.
وأضاف الوافي أن الإصلاحات الاقتصادية المرتقبة لم تتم، وأن الاختلالات الحاصلة اليوم أشد من العام 95، حتى في الجوانب التي تحقق على مستواها نوع من النجاحات، خصوصا على المستوى النقدي، التي هي مهددة للعودة إلى ما قبل 95، معتبرا أن تذبذب سعر الريال أو اتجاهه نحو الهبوط مؤشر أساسي على هذا الأمر، خاصة في حالة تراجع العائدات النفطية الذي يهدد الاستدامة المالية للحكومة، ويهدد بحصول عجز كبير بالموازين الاقتصادية الكلية لليمن، سواء ميزان المدفوعات أو الميزان التجاري أو الحساب الجاري، وبالتالي الميزان الكلي.
وقال إن الإصلاحات لابد أن تكون شاملة باعتبارها منظومة متكاملة وليست انتقائية، فالإصلاحات الشاملة لم تتم بسبب عدم وجود إرادة سياسية لإمضاء هذه الإصلاحات، ناهيك عن أن الإصلاحات الاقتصادية التي تمت، أُنجزت على يد آليات غير كفؤة وفاسدة كانت سبباً رئيسياً من أسباب هذه الاختلالات.
واعتبر الوافي أننا اليوم بحاجة لمصفوفة إصلاحات أوسع وأشمل.