بضاعتكم ردت اليكم!

بضاعتكم ردت اليكم!

* عبدالباري طاهر
خلال العام المنصرم تابعنا باهتمام ودقة ما نشر في الصحف.
ما ينشر في الصحف هو بمثابة بلاغ للنائب العام الذي عليه التحقيق في النشر، فإن كان النشر صحيحاً حوكم المسؤول، وإن كان البلاغ كاذباً فمسؤولية الصحفي.
ونعرف جميعاً أن ما تنشره الصحف لا يلقى الآذان الصاغية ولا يُنظر فيه، بل لا يُنظر في وقائع فساد ينشرها النواب والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة الذي تتكدس فيه مئات الملفات الحبلى بالفساد، ولا من يهتم.
تلقى الرأي العام تشكيل لجنة عليا لمكافحة الفساد، فهل استطاعت اللجنة عمل شيء؟! الإجابة معروفة! فالفساد المتغول أكبر من المكافحة وعصي على المساءلة. فهو قوة حقيقية ونافذة.
خطران يتهددان اليمن مجتمعاً وكياناً: الفساد والإرهاب. والثاني ابن شرعي للفساد، فالفساد بالمعنى العام للكلمة أساس خراب التمدن والحضارات والدول والأمم والشعوب، ومن رحمه المشؤوم تتناسل الكوارث وتتوالد الحروب، وينمو ويقوى الإرهاب. لا ينتشر الإرهاب إلا في ظل الفساد وحماية الاستبداد، وإنه ليستحيل مقارعة وحش الإرهاب بدون التصدي للفساد. والفاسدون أعجز من أن يقووا على مواجهة وحش الإرهاب الذي يصنع في بيئة التعليم المدخول بالمتذهب والطائفية، والمليء بالتخوين والتكفير والتفسيق والتأثيم، وكلها تنشر ميكروب التطرف والإرهاب. كما يستحيل مواجهة وحش الإرهاب بالسلاح وحده، فالسلاح وحده على مشروعيته هنا لا يقدر على القضاء على هذا الوباء الفاشي والمنتشر كالسرطان في جسد مصاب بعلل الفساد والاستبداد والغبن الاجتماعي. سلاح الكلمة الحرة والمستقلة هو الأمضى في المواجهة مع الفساد: البيئة الصالحة للإرهاب.
ولكن هذه الكلمة -السلاح- مثخنة بالجراح، فهناك صحفيون مختطفون ومغيبون قسرياً، آخرهم محمد المقالح الذي كُشف عنه مؤخراً، ويحاكمه مختطفوه وهو من يحق له محاكمتهم.
وهناك صحفيون معتقلون بعد إخفائهم لأسابيع وشهور ضداً على الدستور والقوانين الوطنية والدولية والإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين والإعلانات العالمية: فؤاد راشد، صلاح السلقدي، وأحمد الربيزي.
وهناك صحف موقوفة بدون أحكام قضائية وضداً على الدستور والقانون: "الأيام"، و"المصدر".
وهناك موقع "نيوزيمن" للصحفي القدير نبيل الصوفي، الذي تعرض للتخريب، وخسر الصحفي الملايين.
وهناك عودة للرقابة المسبقة، وتجري محاكمات الصحفيين: أابو بكر باذيب، أيمن ناصر، ميفع عبدالرحمن، فتحي أبو النصر، وجمال عامر.
بدون "الحريات الصحفية" والكف عن إغلاق الصحف وسجن الصحفيين، يستحيل اقصد يستحيل مكافحة الفساد أو محاربة الإرهاب. فالفساد الأب الشرعي للإرهاب، وهما لا يعيشان إلا في ظل الكبت ومصادرة الحريات العامة والديمقراطية، تحديداً حرية الرأي والتعبير، والحريات الصحفية.
حقيقة الأمر دولتنا تغرق في الفساد الذي تدعي مكافحته، وما يحصل للصحف والصحفيين والحريات العامة والديمقراطية شاهد أنها تحميه وتحميه بقوة الاختطاف والاعتقالات الكيفية، والسلاح؟
قبل أسابيع حُكم على الكاتب الصحفي حسين زيد بن يحيى بالسجن 10 أعوام، على مقالات منشورة في الصحف، وهي مقالات ناقدة. كما سجنت الصحفية الأديبة والكاتبة الشجاعة أنيسة عثمان بالسجن سنة لمقالاتها الناقدة للفساد والاستبداد.
وفي أجواء القمع والإرهاب تعلن الحرب ضد منزل الناشرين هشام وتمام باشراحيل، ويدمر الطابق الأعلى من المسكن، ويؤخذ هشام وهاني ومحمد باشراحيل كأسرى حرب. وتقوم أجهزة الحكم بمصادرة جهاز بث مكتب قناة الجزيرة، وتعتدي على مكتب قناة الجزيرة، ويتعرض مراسلو "الجزيرة" للتهديد المستمر منذ أشهر.
كما تستدعي نيابة ومحكمة الصحافة العديد من الصحفيين والناشرين، وتمنع صحيفة "القدس العربي" من الدخول، ليتكامل المشهد.
تتعهد الدولة أمام المجتمع الدولي بمكافحة الإرهاب، ولكنها بدلاً من ذلك تفتح أبواب الاختطاف، والإخفاء القسري، والاعتقالات الكيفية، والمحاكمات التعسفية، وإعاقة الصحف من الصدور، وصولاً إلى الحرب كما حصل لمبنى "الأيام" في عدن.
ومعروف أن الحرب ضد الصحافة والصحفيين تصب الماء في طاحونة الفساد والإرهاب، فالإرهاب (الفساد) لا يزدهر وينتشر إلا في ظل المصادرة والكبت، وقمع الحريات الصحفية. فالحريات الصحفية هي إحدى أهم وسائل فضح الإرهاب (الفساد)، فالدولة بقمع الحريات الصحافية إنما تحمي الفساد والإرهاب، وتتستر عليه وتبزيه.