عن مُشردي الحرب ومعتقليها

عن مُشردي الحرب ومعتقليها

*ماجد المذحجي
يرتب إنهاء الصراع المسلح عادة إحساساً بالاسترخاء والاطمئنان، كون استمرارها مرتبطاً بكلفة دموية مباشرة تثير التوتر وتجعل الجميع على تماس مع مناخ عام مُستنفر باستمرار، وهو شأن على أهميته يثير القلق في مستوى آخر: أن يرتب ذلك الاسترخاء تجاهلاً للكلف الإنسانية التي رتبها هذا الصراع وغض طرفاً عن التزاماتها الملحة.
ينسحب ذلك على الحرب السادسة في صعدة، حيث يُخشى من استغراق الجميع في "الأولويات" السياسية والميدانية لإنهاء الصراع المسلح، على أهميتها وضرورتها، على حساب "الأولويات" الإنسانية الهامة التي ترتبت عليه، والتي تبقى مفتوحة، ومؤلمة، بمعزل عن قرار إيقاف الحرب واستمرار العمليات العسكرية من عدمه.
على مدى 6 جوالات من الصراع المسلح في صعدة وحرف سفيان وأماكن أخرى، كانت الضريبة الإنسانية المباشرة هي أكثر من 250 ألف نازح، لم يتم إحصاء النازحين غير المرئيين الذين لم تستوعبهم المخيمات، وهو شأن إذا تم سيضاعف الرقم على أقل تقدير. وإضافة للالتزامات المباشرة الخاصة بهم من مأكل ومشرب وإيواء مؤقت واحتياجات صحية، يجب البدء بالتفكير، والعمل بالضرورة، في الاحتياجات البعيدة المدى الخاصة بهم: تعويضهم عن الخراب الذي لحق بمساكنهم ومزارعهم، وإعادة بناء شروط حياة جديدة ملائمة وكريمة تضررت بشدة بسبب الحرب. باعتبار أن غض الطرف عن ذلك سيفجر مشكلة خطيرة بالمعنى الإنساني والاجتماعي على المدى الطويل في اليمن.
لا يتعلق الأمر بالترف، أو بكون الأمر "فرغة" منظمات دولية أفصحت بشكل متكرر عن قلقها من الوضع الإنساني، وهي إن أبدت ترحيبها بوقف إطلاق النار أكدت بلهجة واضحة على مخاوفها من خطورة الظروف في المناطق المتأثرة بالحرب.
لقد أفصح الصليب الأحمر الدولي عن كون الكثير من المشردين بسبب المعارك يعتمدون كليا على المساعدات التي يقدمها، وأشار إلى كون تقديم المساعدات تعدى النازحين ليتم تقديمها أيضاً للكثير من السكان الذين يستضيفونهم، كل ذلك في ظل احتياجات ملحة تزداد كل يوم وتحتاج عملاً حقيقياً.
في مستوى آخر، يجب التعامل السريع مع ضريبة إنسانية أخرى لنزاع صعدة، هي المعتقلون. إن العمل على إغلاق هذا الملف الإنساني من طرف السلطات الحكومية، يشكل ضرورة ملحة لأكثر من سبب. أولاً لكون الأمر يشكل "فضيحة" بالمعنى الحقوقي، حيث تم إخفاء واعتقال المئات من طرف الأجهزة الأمنية بشكل غير قانوني، لفترات طويلة جداً، وهو ما يشكل جريمة تستوجب المساءلة والعقاب، لأسباب تتعلق بالانتماء المذهبي والعرقي، واشتباه ضعيف، وجماعي! بالتعاطف مع جماعة الحوثي. وثانياً للمساهمة في إضعاف جذور تعبئة اجتماعية مُعادية للدولة تتغذى على الخروق والانتهاكات الأمنية لحقوق الإنسان على ذمة الحرب. وهي انتهاكات تؤدي إلى الانتقاص من شرعية الدولة أمام مواطنيها وتفكك ولاءهم لها، خصوصاً حين يكون الإجراء الرسمي، الأمني الطابع، قائماً على أسس تمييزية بين أفراد المجتمع، يُشعر الناس بعدم العدالة بشكل مستمر، مما ينال من حياتهم وأمانهم، وتصبح الدولة تبعاً له خصماً فاجراً لا حكماً شريفاً.
maged