دعوة لساستنا.. للاستئناس بأفكار الأستاذ أنيس حسن يحيى

دعوة لساستنا.. للاستئناس بأفكار الأستاذ أنيس حسن يحيى

*نادرة عبدالقدوس
"اسم على مسمّى" يقولونها على كل من تتوافق سلوكياته وأخلاقياته مع اسمه، ولا أدري مدى صحة هذا القول، إلا أننا لا ننكر وجود كثير من أمثال هؤلاء المحظوظين.
وبين ظهرانينا رجل يحظى بحب الناس وباستئناس آرائه التي لو أخذ بها رجال السلطة بالأمس أو اليوم لكانت حياتنا أجمل، ولكانت بلادنا تنعم بالهدوء والاستقرار والأمن. إنه الرجل الطيب، رجل المواقف الصعبة، وصاحب الآراء الشجاعة ولو على حساب حياته، الأستاذ أنيس حسن يحيى.
فمن يعرف أبا باسل عن كثب يتمنى أن يوجد في البلاد عشرة فقط من أمثاله، لكانت الدنيا بخير.
ربما سيقول قائل إن في كلامي بعضاً من المغالاة، بيد أني والله أقول الحقيقة والحق في هذا الرجل الذي لم يُعرف قدره طوال العقود الماضية، سواءً في دولة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية، ومن ثم الديمقراطية الشعبية، أم في دولة الجمهورية اليمنية.. ولن أخوض كثيراً في مزايا الرجل؛ فهو يستحق أكثر مما نقول أو سنقول، ومن يعرفه عن كثب مؤكد سيعتب علينا التقصير في كثير من هذه المزايا التي حباه الله بها.
لم يُعرف عن الأستاذ أنيس حسن يحيى تواضعه الجم وحبه للناس والاهتمام بقضايا البسطاء منهم فحسب، بل إن القاصي والداني في بلادنا وعدداً كبيراً من ساسة العالم العربي والأجنبي الذين تعرفوا عليه في سنوات تقلده للكثير من المناصب السياسية والحكومية في بلادنا، يعرف جيداً عشق هذا الرجل لوطنه وانغماسه في همومه وقضاياه السياسية والاقتصادية والصعد الأخرى التي تؤرقه وتشغله عن رفاهيات الحياة وعن أسرته أحياناً، فانعكس ذلك على صحته منذ سنوات، وها هو جسده يشكو الوهن. فهل هناك من سياسي في مكانته الفكرية والسياسية في اليمن يعاني بصمت؟
كتب، وما زال السياسي المثقف أنيس حسن يحيى يكتب الكثير من الآراء التحليلية الرصينة المفعمة بالمنطقية العلمية التي بحاجة إلى الوقوف أمامها والتمعن فيها للخروج من أزمات الدولة السياسية والاقتصادية، وهي الأزمات التي تعيد الوطن خطوات إلى الوراء، وتجعلنا، شئنا أم أبينا، في مصاف البلدان المتخلفة وليست النامية فقط.
ومن خلال قراءاتنا لهذه المقالات القيّمة نجد أن جلها تدعو إلى جعل الحوار بين السلطة والمعارضة ضرورة ملحة، وجسراً متيناً للوصول إلى بر الأمان، والدعوة كذلك إلى إعمال العقل عند اتخاذ القرارات السياسية المصيرية، وأن يتم التفكير جلياً بإنسان هذا الوطن لأنه أعظم رأسمال وثروة بشرية لا يمكن استغناء اليمن عنه.
هذه المحاور الثلاثة هي أساس كتابات الأستاذ أنيس، وهي شغله الشاغل. ورغم وهن عظامه وشعوره بثقل القلم في يده، إلا أن ذلك لا ولن يثنيه عن الكتابة والتسابق مع الزمن ليتم وصيته على القائمين على شؤون البلاد والعباد، ولكن هل من راعٍ واعٍ؟ وهل من مستجيب لهذه الدعوات؟ وهل من محب للوطن وإنسانه أكثر من حبه لنفسه ولملذات السلطة؟ هنا مربط الفرس.. وليمتلك أحدهم الشجاعة ويجيب على هذه التساؤلات.. وأضف: لماذا يُترك أمثال هذا السياسي المحنك الذي سبر أغوار الحياة السياسية وشرب مرارتها كثيراً، ولم يرفع الراية البيضاء استسلاماً وخنوعاً لمغرياتها التي تدير الرؤوس، ولم يذق حلاوة كؤوس أخرى وضعت أمامه مراراً، دون استشارته والأخذ بآرائه؟ إنه رجل المبادئ التي لا يحيد عنها قيد أنملة، صديق البسطاء من الناس، ونصير المستضعفين، والمسكون بحب الوطن. أليس هو من وقف إلى جانب أبناء المنصورة بمدينة عدن، في بداية التسعينيات، أثناء مطالبتهم بمساحة أرض صغيرة لإقامة ملعب لهم ولأطفالهم؟ أليس هو من دفع ثمن هذا الموقف رصاصات صدرت من فوهة رشاش مستهتر ظالم كاد يودي بحياته لولا ستر الله وحفظه ودعاء المحبين له؟
والمعروف عن الأستاذ أنيس أنه في كل أزمات الوطن السياسية التي يمر بها الوطن نجده يدفع ثمناً باهظاً دون أن يكون له ضلع فيها سوى أنه كان ينشد السلام وعدم اللجوء إلى إزهاق الأرواح، وهذا ما لم يحبذه متعطشو الحروب واختلاق الأزمات. ففي عام 1978 كانت له آراء ومواقف مشهود لها في قضية الرئيس الأسبق سالم ربيع علي، وكان ضد تلك الطريقة غير الإنسانية في اتخاذ قرار إعدامه دون محاكمة عادلة، وكذلك في حرب 1986، في جنوب اليمن، حيث كان وسيطاً سلمياً يدعو إلى الحوار بين الإخوة الأعداء وإماطة اللثام عن نقاط الاختلاف بينهم وعدم اللجوء إلى العنف، وهي من مبادئ الحزب الاشتراكي اليمني الذي أسسه مع رفاق آخرين كانوا مثله زعماء لأحزابهم التي ذابت في بوتقته. ولكن هيهات، ووقعت الواقعة التي أنهكت البلد النامي، الذي كان محلقاً نحو أفق التغيير، وابتلعت تلك الحرب الملعونة آلاف البشر من الكوادر الشابة والخيّرة في مجالات العمل المختلفة، وفي مختلف التخصصات العلمية والثقافية والأدبية والفكرية، أما هو فدفع الثمن أن نُفي إلى وجهة بعيدة لسنوات عدة. ثم جاءت الطامة الكبرى في حرب عام 1994، بعد التئام شطري الوطن، وكان أيضاً وسيطاً للخير وداعياً إلى الرشد وعدم اللجوء إلى العنف، وإلى المضي نحو تحقيق أهداف الوحدة بين النظامين السياسيين على أرض الواقع، لينعم الشعب اليمني بحصادها دون نقصان وبالتساوي، إلا أن جهوده باءت بالفشل وحدث ما حدث، وغاب عن الوطن للمرة الثانية سنوات ليعود إلينا مجدَّداً ومجدِّداً، ولكن لا حياة لمن تنادي.
لقد تناول عدد من الكتاب حياة هذا الرجل العظيم بمواقفه والمجدد لأفكاره والثابت بمبادئه والصامد عند الخطوب، ولكن رغم كل ما قيل أو يقال فهو أقل بكثير عن حقيقته.. هو باختصار اسم على مسمّى.. وبإيجاز أكثر أقول إنه من الغباء ألا تستأنس القيادة السياسية في الدولة أو في الحزب الاشتراكي اليمني، الذي ينتمي إليه أستاذنا ومعلمنا أنيس حسن يحيى، والأحزاب السياسية الأخرى، بآرائه الصائبة وبأفكاره القيّمة لإنقاذ الوطن من شرنقة النزاعات المسلحة التي تثيرها أيادٍ ليست بالخفية، وتختلقها نفوس مريضة لا تحب إلا ذاتها، أما الوطن فليذهب إلى الجحيم.
تعلمنا من أستاذنا أنيس، منذ عقود من الزمن، أن الإيمان بالحق قوة، وأن الجهاد في سبيل الوطن يتطلب نكران الذات وقول الحق وقوة العزيمة والإرادة والتفاؤل بغد أفضل وألا نستكين أو نخضع لليأس.
لك كل الحب والاحترام أستاذنا الكبير أنيس حسن يحيى، وكل سنة وأنت طيب وبيننا ننعم بأفكارك وننهل منها زاداً في مشوار حياتنا وحياة الأجيال القادمة، ومبارك عليك ذكرى ميلادك الخامسة والسبعون.. أطال الله في عمرك أيها الأنيس الطيب.
nadra