يا دولة رئيس الوزراء الغوا المادة 9 من اللائحة ونفذوا القرار 231 لسنة 1992

يا دولة رئيس الوزراء الغوا المادة 9 من اللائحة ونفذوا القرار 231 لسنة 1992

مجزرة جديدة بحق من تبقى من الموظفين المنقولين من المحافظات
الجنوبية لمقتضيات تحقيق "الوحدة!" (2-2)
*ياسين علي
هؤلاء لم يعودوا ولا نستبعد أن يكون قد عاد معظمهم خلال ال11 عاماً الماضية (1997 – 2008). فكلما تذكروا أنهم بلا سكن ولا أرض، وأيضاً لن تتسع لهم بيوت أسرهم، إذا عادوا إليها، بعد أن صاروا أنفسهم أصحاب أسر /عوائل كونوها خلال 19 عاماً، يعدلون عن قرار العودة، علهم يمنحون أرضاً أو سكناً، أي لعل القرار 231 ينفذ، وكلما بدا لهم أمل في حل مشكلتهم ومأساتهم السكنية، أو يصور لهم على أنه كذلك، يظلون سنين منتظرين تحقق الأمل وما صور لهم، وفي كل مرة يكتشفون أن ما بدا لهم أو صور لهم، لم يكن سوى سراب ووهم وخديعة، فيقرروا مرة أخرى العودة، وهكذا دواليك، ولا زالوا حيث هم، منتظرين الذي لن يأتي (مع الاعتذار لجودو).. فأين يعيشون ويسكنون إذا عادوا؟! ومن أين لهم أن يدفعوا إيجارات سكن تفوق مداخيلهم إذا بقوا أو غادروا، ليسكنوا بالإيجار؟!
هكذا، إذن، وضعتهم أقدارهم (بالأصح والأدق، وضعتهم ضمائر المتسببين في مأساتهم وزملائهم) بين المطرقة والسندان، بين شقي رحى، بين خيارين كلاهما مر وعلقم وضياع عمر! ويخشون أن يغادروا الدنيا تاركين أسرهم وأطفالهم بدون سكن، والأكثر حزناً وبؤساً ومأساوية أن بعضهم دلف العقد الخامس من عمره أو مات كمداً أو ذهب تقاعداً وهو بدون سكن.
هؤلاء المساكين المغدورون والمقهورون، عندما تناهى إلى مسامعهم مطلع عام 2008، أن مجلس الوزراء بصدد وضع لائحة جديدة لبدل السكن للموظفين المنقولين، استبشروا خيراً وعاودهم الأمل مجدداً بعد أن تملكهم اليأس والإحباط والإحساس بالضياع، ليس لأن اللائحة، كما قيل لهم، سترفع قيم بدل السكن، بعد أن ظلت جامدة طيلة 18 عاماً، فرفعها غير مجدٍ طالما تحديد ورفع إيجارات المساكن يقرره ملاك العقارات وعلى كيفهم، فضلاً عن ذلك (وهو الأهم) أنهم ينتظرون إعطاءهم حقهم الأساسي (مساكن أو أرض) لا أن يظلوا يسكنون بالإيجار إلى ما لا نهاية، بل لاعتقادهم أن حقهم الأساسي سيجد له مكاناً في اللائحة، حتماً المجلس سيضمنها ما يقضي بتمكينهم وزملائهم (سواء الذين عادوا أو توفوا أو تقاعدوا) من حقهم هذا، وفي مدة محددة ومعلومة تمنوا ألا تطول، ذلك أن هذا الحق يفترض أن يكونوا قد حصلوا عليه في القرن الماضي، تحديداً خلال السنوات (1990 – 1992)، وفاتهم أن المجلس الحالي والمجالس السابقة، لو شاؤوا /أرادوا أن يمكنوهم منه لنفذوا القرار 231 لسنة 1992.
ما جعلهم يعتقدون ذلك، حد اليقين، اعتبارات جمة، أخلاقية، إنسانية، وقانونية، افترضوا قيامها وتوفرها لدى الجهات المعنية، وهي ذات الاعتبارات التي افترضوا توفرها لديها طيلة ال18 عاماً المنصرمة، كلما عنَّ لهم وزملائهم مخاطبتها بشأن حقهم وأوضاعهم المأساوية؛ فمن غير المعقول أن مأساتهم وعذاباتهم وإهدار حقهم، طيلة تلك السنوات، لم توقظ ضمائرها أو تستفز فيها الوازع الديني والأخلاقي و(الوطني!) و(الوحدوي!). وإذا كانت الاعتبارات الأخلاقية والإنسانية و(الوحدوية!) و(الوطنية!) ترفاً بالنسبة لها، ولا تلزمها فعل ذلك، أي تمكين هؤلاء من حقهم، فالدستور والقانون وحقوق الإنسان والقرار 231 لسنة 1992، وشرف وواجب المسؤولية ومنطق مكافحة الفساد، يوجب عليها فعله، لكنهم كانوا، أيضاً، واهمين في ما اعتقدوه هذه المرة أيضاً. لم يدر بخلدهم أن المجلس الحالي سيفعل بهم أكثر وأفظع مما فعلته بهم وزملائهم مجالس الوزراء السابقة، فإذا كانت السابقة قد ظلت تتلهى بمأساتهم، وجعلتهم يترنحون بفعل الضربات التي وجهتها لهم، فالمجلس الحالي وبلائحة أسماها زوراً وبهتاناً "لاائحة استحقاق بدل السكن للموظفين المنقولين"، سيوجه لهم ضربة قاضية في الرأس أو تحت الحزام، تطيح بهم أرضاً، وتلغي تماماً إمكانية استمرار بقائهم، على ضآلتها، وتدفعهم إلى حافة الجنون ووهاد الشقاء والضياع، وليس إلى العودة للجنوب! سجلها تحت الرقم 9 من اللائحة.
أولاً وقبل أي شيء آخر، وبصرف النظر عما إذا كانت أحكام المادة 9 قانونية أو غير قانونية (وهي بالتأكيد غير قانونية)، فاللائحة أصلاً وأساساً، وبحكم القانون والمنطق والقرار 231 لسنة 1992، يفترض ألا تكون لها أية علاقة بالموظفين المنقولين لمقتضيات تحقيق الوحدة (المقصود بهم، بطبيعة الحال، من تبقى من المنقولين من الجنوب)، فاللائحة موضوعها تنظيم استحقاق بدل السكن للموظفين المنقولين، بينما هؤلاء -أي المنقولون لمقتضيات تحقيق الوحدة- وضعهم والتزام الدولة تجاههم في مجال السكن يختلف، تماماً، عن وضع المنقولين العاديين والتزام الدولة تجاههم في مجال السكن، فالأولين مصدر ومرجع تحديد وتناول وضعهم بشأن استحقاقهم بدل السكن والتزام الدولة تجاههم، القرار 231 لسنة 1992، ودواعي نقلهم وطابع القرارات التي عُينوا ونُقلوا بها تختلف عن دواعي نقل وقرارات تعيين ونقل الأخيرين، والتزام الدولة تجاه الأولين، هو إعطاؤهم مساكن أو أرضاً وبدل سكن، أيضاً، إلى أن يحصلوا على مساكن أو أرض، أما التزامها تجاه الأخيرين، هو إعطاؤهم بدل سكن، فقط. ومع ذلك، لا بأس أن تكون للائحة علاقة بهم، ومن زاوية محددة، وهي تأكيد حقهم في سريان قيم البدل الجديدة عليهم إلى أن يعطى لهم حقهم الأساسي، بعبارة أخرى؛ إلى أن ينفذ القرار 231 لسنة 1992، مادام موضوعها بدل السكن، وهم لم يحصلوا بعد علي حقهم الأساسي (وإن كان تأكيد أو عدم تأكيد ذلك، في حقيقة الأمر، لا يقدم ولا يؤخر، فاستحقاقهم البدل وزيادته، أساسه القرار وليس اللائحة)، وبالتالي لا يجوز لها أن تشملهم أو تتطرق لهم اللائحة إلا على هذا النحو، لكنها ضربت بكل هذه البديهيات والقواعد والمبادئ التشريعية القانونية، عرض الحائط، إذ مدت نفوذها إلى هؤلاء، لا لتؤكد على حقهم في سريان القيم الجديدة عليهم أو على حقهم الأساسي، بل لاقتلاعهم ولانتهاك وإهدار الحقين.
فاللائحة جاءت خلواً من حقهم الأساسي، تجاهلته تماماً، لم تشر إليه، مطلقاً، ولا حتى على سبيل النفاق التشريعي أو (الوحدوي!) بل وجهلت به، أيضاً، وإمعاناً منها في التجهيل به جهلت بالقرار 231 لسنة 1992، ذاته، وهو ما سنبينه عن التطرق للمادة 9، حيث صورت حقهم وموضوع القرار والتزام الدولة تجاههم على أنه بدل سكن، فقط، الأمر الذي يطمس حقهم الأساسي (فوق ما هو مطموس ومهدر منذ 1992)، ويعفي الدولة من التزامها بشأنه (وهي، عملياً، أعفت نفسها منه وتنكرت له منذ 1992)، ويبقيهم في وضعهم الحالي، يسكنون بالإيجار، ولسنتين أخرى، وبدون حدود، في حين أن سكنهم بالإيجار وضع مؤقت، ويفترض أن يكون قد انتهى قبل 16 أو 17 أو 18 أو 19 عاماً، وأن يكون إنهاؤه عن طريقة إعطائهم مساكن أو أرضاً.
التجاهل والتجاهل هذا، ليس (لم يكن) لذاته، بطبيعة الحال، بل لتوفير أرضية لتنفيذ المجزرة. أليس سلاح المجزرة إيقاف البدل؟ فلو أشارت اللائحة /المادة، مجرد إشارة، إلى حقهم الأساسي، لن تكون هناك أية إمكانية لاستخدام البدل سلاحاً لتصفيتهم، إطلاقاً، سواء البعدين من الوظائف المعينين عليها عند قيام الوحدة، وحولوا إلى وظائف أخرى، أو الذين ما زالوا يشغلون الوظائف المعينين عليها عند قيام الوحدة، حتى لو أصبحوا غير شاغلين لها، فما الذي ستفعل بهم اللائحة، وهي تشير إلى حقهم الأساسي، ما بال أن تقضي بتمكينهم منه، وفي مدة محددة ومعلومة؟ لا شيء، ففي الحالتين سيكون لزاماً عليها أن تقول: لا يوقف عنهم بدل السكن إلا عند إعطائهم مساكن أو أرضاً، وهو ما يقضي به القرار 231 لسنة 1992، وهذا ما لا تريد قوله، فإذا قالت به يتعذر، تماماً، تدبيج الأحكام المسخ، التي جاءت بها المادة 9.
ماذا تقول المادة 9؟ تقول بالنص: "يستمر صرف بدل السكن الممنوح بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 231 لسنة 1992 للموظفين المنقولين من (صنعاء) و(عدن) وبقية المحافظات الأخرى، لمقتضيات تحقيق الوحدة، وفقاً لما يلي:
1 - يصرف البدل بالقيم المحددة في المادة 4 للموظفين المنقولين بالتعيين الذين لا زالوا يشغلون الوظائف المعينين عليها أو وظائف أعلى منها تنطبق عليها شروط استحقاق البدل بموجب أحكام هذا القرار (اللائحة).
3 - يوقف صرف البدل، نهائياً، عن الموظف الذي انتهت الصفة الوظيفية المنقول على أساسها، ولو استمر بقاؤه في المحافظة المنقول إليها عند قيام الوحدة" (انتهى).
أحكام المادة، وأن بدت للوهلة الأولى، لغير العارف أو المطلع، أحكام شروط عامة (مجردة!) وقانونية ومنطقية وبريئة، إلا أنها على عكس ذلك تماماً، ففي حقيقتها وجوهرها وموضوعياً، صُممت خصيصاً كأداة (قانونية /لائحية) لاستكمال مواصلة تصفية من تبقى من الموظفين الجنوبيين المنقولين لمقتضيات تحقيق الوحدة، ومما عرضناه، آنفاً، قبل السؤال (ماذا تقول المادة...) وما سنسجله في قادم السطور حول هذه الأحكام الشاذة والطاغوتية، يتبين جلياً أن معدي مشروع اللائحة والمجلس واللوبي التصفوي، من فرط حقدهم على هؤلاء ورغبتهم وحرصهم على طمس حقهم الأساسي وإبقائهم في وضعهم السكني والمعيشي المأسوي، ودفعهم إلى العودة من حيث جاؤوا، لم يتورعوا في سبيل تحقيق ذلك عن اللجوء إلى التضليل والفهلوة والمغالطة ومخالفة أسس ومبادئ التشريع وإضفاء الشرعية على أوضاع غير مشروعة (مثلاً، استمرار صرف بدل السكن للمنقولين من الشمال)، والتحايل والالتفاف والافتئات على القرار 23١_ كما سنرى بعد قليل، وتضمين اللائحة (نقول لائحة تجاوزاً) أحكاما (نقول أحكاماً تجاوزاً) يستحيل إطلاق صفة الأحكام القانونية –اللائحية عليها، وما يعنينا منها الآن أحكام المادة 9.
لنبدأ بمطلع /مقدمة /مدخل /سنكيزيا المادة ومن ثم حكميها، فالجواب كما يقال يعرف من عنوانه، وطبيعة المقدمات تحديد طبيعة النتائج.
لاحظوا أولاً، أن إشارتها إلى المنقولين جاءت مطلقة، أي المنقولين من الشمال والمنقولين من الجنوب، ما يعني أن جميعهم معنيون بأحكامها، بينما المعنيون بها في حقيقة الأمر والواقع، كما هو الحال بالنسبة للقرار 231، المنقولون من الجنوب، فقط، كونهم يسكنون بالإيجار، أما المنقولون من الشمال غير معنيين بها لأنهم منحوا مساكن وأرضاً قبل 18 أو 19 عاماً من صدور اللائحة، أي أنهم لا يسكنون بالإيجار، الأمر الذي يقتضي بالضرورة وبحكم القانون ومنطق مكافحة الفساد، أن يشار إلى المنقولين من الجنوب، فقط.
هذا الخلط /الإطلاق، لم يحدث سهواً أو عفواً أو خطأ غير مقصود، بل حدث قصداً وعمداً وبوعي تام وتدبير مسبق، ولثلاثة أغراض وأهداف متطابقة، تصب في مجرى واحد، وهو التجهيل بالقرار 231 لسنة 1992 (اختصاراً، سيشار إليه في ما بعد بالقرار 231)، وبحق هؤلاء في الحصول على مساكن /أرض، والأغراض والأهداف الثلاثة هي ما يلي:
- الإيحاء بأن الأحكام تشمل الجميع، وبالتالي إبعاد شبهة أنها تستهدف المنقولين من الجنوب، وفات منظري اللائحة /المادة والمجلس أنها عملياً و(منطقياً!) لن تطبق إلا على هؤلاء لأنهم وحدهم المعنيون بها، أي يحصلون على بدل سكن.
- استمرار صرف بدل سكن للمنقولين من الشمال (ليس بالضرورة أن يستلموه بأنفسهم).
- الإيحاء بأن الجميع يسكنون بالإيجار وليس المنقولين الجنوبيين، فقط، فإذا أشير للأخيرين وحدهم، يعلم أصحاب ومنظرو اللائحة والمجلس، أن سؤالاً حارقاً خارقاً سيرمى في وجوههم: لماذا لازال هؤلاء، حتى الآن، يسكنون بالإيجار؟!
ولاحظوا ثانياً، أنها تشير للقرار، وهي المرة الوحيدة اليتيمة التي تشير فيها اللائحة للقرار 231. بحكم المنطق والقانون والقرار ذاته، فإن الإشارة للقرار لا تكون إلا لإعمال أو تأكيد ما يقضي به، بينما اللائحة في إشارتها إليه -كما هو واضح من السياق- ليس لهذه الغاية (وهي الغاية الوحيدة التي تبرر الإشارة إليه)، بل لغاية أخرى؛ للالتفاف والافتئات عليه، إذ لا علاقة إطلاقاً بينه وبين المادة حتى يشار إليه فيها، فموضوع القرار منح المنقولين لمقتضيات تحقيق الوحدة مساكن/ أرضاً، وموضوع المادة (استحقاق) وصرف بدل السكن لهم، وما يقضي به شيء وما تقضي به شيء آخر، تماماً، وبالتالي فإن إشارة اللائحة للقرار في هذه المادة، تحديداً، الإيحاء بأن موضوع القرار بدل سكن، فقط، وأن أحكام المادة لها أساس في القرار.
ولاحظوا ثالثاً، ورود لفظي "الممنوح" و"بموجبـ"، كما لو أن البدل يمنح لهم بموجب القرار 231، وهذه مغالطة وفهلوة أخرى، فالقرار ذاته لا يقول ذلك، لا صراحة ولا ضمناً، ولا يوجد فيه ما يُستشف مجرد استشفاف أن البدل يمنح لهم بموجبه، فالبدل أصلاً وأساساً وحقيقة وفي الواقع، أساس (منحه) لهم القرار 232 لسنة 1992، الذي سيصير في ما بعد القرار /اللائحة 355 لسنة 2008، وأساس (استحقاقهم) له القرار 231، أما ما يفترض أن يمنح لهم (بموجب) هذا القرار 232، هو مساكن أو أرض، إذ يقرر لهم حقين هما؛ في الحصول على مساكن /أرض وبدل سكن، إذا منحوا الأول يوقف عنهم الثاني نهائياً.
لنفترض (على سبيل الافتراض) أن البدل يمنح بموجب القرار 231، وأن أحكام المادة لها أساس فيه، لماذا لم يشر إليه في ديباجة اللائحة؟ فالديباجة -كما هو معلوم- أحد مكونات وعناصر الوثيقة القانونية (قانون، قرار، لائحة..!) لا يمكن أن تأتي خلواً منها، لأنها تحدد الأساس والمرجع والمسوغ الذي استندت إليه الوثيقة في تنظيمها الموضوع الذي تتناوله. لكن المجلس والخبراء (القانونيين!) تحاشوا عمداً، وبوعي تام، أن يشيروا للقرار في الديباجة، ليس لعلمهم أن لا أساس فيه لما تقضي به المادة فحسب، بل أيضاً (وهذا الأهم) لأن موضوع القرار هو حق هؤلاء في الحصول على مساكن /أرض، فالإشارة للقرار في الديباجة ستوجب عليهم، بالضرورة، تضمين اللائحة ما يقضي به وليس ما تقضي به أهواؤهم وأمزجتهم.
لاحظوا، رابعاً، ورود لفظ "يستمر"، وهذا اللفظ ورد أيضاً في القرار، وشتان بين دواعي ومبررات وغاية وروده في القرار عنه في المادة؛ فالقرار صدر بعد عامين ونصف من انتقالهم (مايو 1990 -ديسمبر1992)، وحتى لا يوقف عنهم بدل السكن قبل حصولهم على حقهم الأساسي (مساكن أو أرض)، كان من اللازم والضروري والبديهي، أن يقضي بأن "يستمر" صرف البدل إلى أن يمنحوا حقهم هذا، بينما المادة وبكل صلافة وبلطجة تقول "يستمر" صرف البدل، وفقاً لما تقضي به أحكام -شروط جاءت بها هي، ومتى؟ بعد 19 عاماً من انتقالهم، وليس وفقاً لما تقضي به أحكام -شروط القرار، وهي معلومة لديهم منذ انتقالهم وقبل أن يصدر القرار ذاته.
إذا كان كل هذه الفهلوة والأضاليل والكذب والمغالطات في سطرين ونصف من المادة (مقدمتها -صدرها)، فلك أن تتصور، عزيزي القارئ، ما الحال بالنسبة للأحكام ذاتها وما تنطوي عليه من فهلوة وأضاليل ومغالطات ومخالفات لقواعد ومبادئ التشريع، وعدد أسطرها 10، وهو ما نكشفه ونناقشه في قادم السطور.
هذه الأحكام /الفضيحة، بكل المقاييس والمعايير، قانونية أكانت أم تشريعية أم أخلاقية أم (وحدوية!) أو (وطنية!)، تتعارض تعارضاً فاضحاً مع الدستور والقانون والقرار 231 لسنة 1992، وقرارات تعيين ونقل هؤلاء (أي الموظفين المنقولين من الجنوب)، وتنتهك وتهدر حقوقهم وتميز ضدهم، وبالتالي فهي أحكام غير قانونية /مشروعة باطلة.
حكمنا (قولنا) هذا لا نلقيه على عواهنه أو بغير دليل، فلدينا أكثر من 6 أدلة نعرض أدناه وبإيجاز شديد للغاية، 3 منها، الأول منها وحده يغني عن ذكر الأدلة الأخرى كلها:
أولاً: موضوعة وموجهة لمجموعة أو فريق أو طائفة (سمها ما شئت) بعينها من الموظفين (طبعاً الموظفين المنقولين لمقتضيات تحقيق الوحدة)، وهم المنقولون من الجنوب، فهي لن تطبق إلا على هؤلاء وحدهم، ولا يمكن أن تطبق على المنقولين من الشمال، مطلقاً، وهذا انتهاك لمبدأ المساواة في الحقوق والواجبات أمام القانون بين الموظفين المنقولين لمقتضيات تحقيق الوحدة، وتمييز ضد المنقولين منهم من الجنوب، فهؤلاء جميعاً؛ المنقولون من الشمال والجنوب، مركزهم القانوني واحد؛ فجميعهم موظفون ومنقولون، ومعينون ومنقولون بقرارات قوتها القانونية واحدة (قرارات سيادية)، والغرض والغاية التي عينوا ونقلوا من أجلها واحدة (لمقتضيات تحقيق الوحدة)، والوظائف التي يشغلونها ويتولون مسؤولياتها تتبع دولة /حكومة واحدة (دولة /حكومة الجمهورية اليمنية)، والقوانين المنظمة والحاكمة لتلك الوظائف ومسؤولياتها، واحدة (قانون الخدمة المدنية... الخ)، وحقهم الأساسي والتزام الدولة الأساسي، تجاههم، في مجال السكن، واحد (إعطاؤهم مساكن أو أرضاً)، الأمر الذي يقتضي بالضرورة أن يعاملوا، جميعاً، على قدم المساواة، فهناك قاعدة /مبدأ دستوري -قانوني، وفي علم وفقه الدستور والقانون وفي القانون الدولي لحقوق الإنسان، يقول: عندما يكون المركز القانوني لمجموعة من المواطنين أو الموظفين، واحداً، يجب أن يعاملوا ويمكنوا من حقوقهم أمام القانون وفوقه وتحته وخلفه، على قدم المساواة ودون أي تمييز بينهم، بينما الأحكام إياها، تقوض هذه القاعدة -المبدأ، وتعد أفظع وأبشع (...) صور ومظاهر التمييز ضد الموظفين الجنوبيين.
فهؤلاء وحدهم الذين سيوقف عنهم بدل السكن إذا لم يعودوا مستمرين في شغل الوظائف المعينين عليها عند قيام الوحدة، ووحدهم أيضاً الذين لا زالوا يسكنون بالإيجار.
أما المنقولون من الشمال، لا يسكنون بالإيجار، فجميعهم منحوا مساكن وأرضاً، وجميعهم لم يعودوا يشغلون الوظائف المعينين عليها عند قيام الوحدة، فما الذي سيوقف عنهم؟ هل -مثلاً- ستنزع منهم المساكن والأراضي؟ نحن لن نقبل ذلك حتى لو قضت به اللائحة، لعدم قانونيته، لأنه غير معلوم لديهم عند إعطائهم المساكن والأراضي، ولا توجد أسس ومعايير تعتبر بموجبها (الصفة الوظيفية!) منتهية!
إلى ذلك، لنفترض (على سبيل الافتراض) أن هؤلاء لا يزالون يشغلون وظائفهم تلك، وأصبحوا بعد بدء سريان اللائحة غير شاغلين لها، ولأي سبب كان، فالأحكام لا تعنيهم، فهم لا يحصلون على بدل، لأنهم يمتلكون مساكن، وحتى إذا كانوا يحصلون على بدل سكن (إذ يبدو واضحاً من الأحكام ذاتها أنهم يحصلون على بدل سكن)، فإيقاف البدل عنهم لن يؤثر عليهم، لأنهم يمتلكون مساكن.
ثانياً: تشترط لاستحقاقهم (طبعاً المنقولين من الجنوب، أو بالأحرى من تبقى منهم) بدل السكن واستمرار صرفه لهم، أن يكونوا مستمرين في شغل الوظائف المعينين عليها، وهذا الشرط لا أساس له مطلقاً، في القرار 231 لسنة 1992، وحتى في قرارات تعيينهم ونقلهم، فالقرار وضع شرطاً واحداً محدداً، واضحاً، لاستحقاقهم البدل واستمرار صرفه لهم وإيقافه عنهم، كذلك، وهو أن هؤلاء يستحقون البدل كونهم موظفين منقولين ويشغلون وظائف، وبصرف النظر عن الوظائف التي يشغلونها، ويستمر صرفه لهم كونهم موظفين منقولين ويشغلون وظائف ولم تعط لهم بعد مساكن /أرض، ولا يوقف البدل عن أي منهم إلا عند استلامه مسكناً أو أرضاً، حتى لو لم يعد يشغل وظيفة، وبالتالي لا يجوز للمجلس أو اللائحة أو أي كان أن يرهن استحقاق البدل واستمرار صرفه باستمرار شغل هؤلاء الوظائف المعينين عليها عند قيام الوحدة، ليس لأن هذا القرار وقرارات تعيينهم ونقلهم هي المرجع الأساسي والمصدر المباشر اللذين يجب أن يتم بموجبها تحديد وتناول وضع هؤلاء الموظفين في علاقته ببدل السكن فحسب، بل إن هناك قاعدة ومبدأ في علم وفقه القانون والتشريع يقول: الخاص يقيد العام، وهنا الخاص (القرار وقرارات تعيينهم ونقلهم) والعام (اللائحة).
ثالثاً: ما حكاية هذه البدعة غير الحميدة المسماة (الصفة الوظيفية) التي طلع بها علينا المجلس ووزيرا الخدمة والمالية وخبراؤهم (القانونيون!)، وخصوا بها من انتقلوا من الجنوب، لتقول........ الأحكام "... يوقف صرف البدل عن الموظف الذي انتهت الصفة الوظيفية المنقول على أساسها..."، كما لو أن هؤلاء والوظائف المعينين عليها عند قيام الوحدة خُلقوا لبعض، كل واحد منهم يدور مع الآخر وجوداً وعدماً، مع أنهم موظفون كالموظفين الآخرين، يحكمهم قانون واحد، والوظائف تلك كالوظائف الأخرى، تتبع الجهاز الحكومي والتنفيذي والإداري للدولة، يحكمها جميعاً قانون واحد، ويسري عليها ما يسري على الأخرى، يمكن شطبها أو إلغاؤها أو دمجها بعضها ببعض، أو كما لو أنهم مواد غذائية أو أدوية أو خلافه؛ مدة استخدامها محددة، إذا انتهت مدتها تصبح منتهية الصلاحية (expire date)، وبالتالي تكون غير صالحة للاستخدام البشري والحيواني، أيضاً في بعض الحالات!
ومع ذلك، أليس لكل شرط -أي شرط- أساس وضابط يحكم تطبيقه؟ فإيقاف البدل كي يكون إيقافاً قانونياً ومشروعاً، لابد أن يكون أولاً، إنهاء أو انتهاء (الصفة الوظيفية!) قانونياً، فإذا انتهت أو أنهيت بصورة غير قانوني، فمن المسلم به، قانوناً وأخلاقاً، أن إيقاف البدل في هذه الحالة يكون غير قانوني، أي بلطجة! فأين هي، إذن، الضوابط والأسس التي في ضوئها تعتبر (الصفة الوظيفية!) منتهية قانونا؟
حسناً. كل واحد من هؤلاء (الصفة الوظيفية!) التي نقل على أساسها، أو قل الوظيفة المعين عليها عند قيام الوحدة، محددة في قرار تعيينه -نقله (مدير كذا.. رئيس كذا... الخ)، ولا يوجد في القرارات أو اتفاقية الوحدة أو محاضر لجانها أو في القرار 231 أو قانون الخدمة المدنية أو أي قانون آخر، لا صراحة أو ما يمكن أن يُستشف منه مجرد استشفاف، أن هؤلاء (ملطشة) يجوز إبعادهم /إقصاؤهم بسبب أو بغير سبب، من وظائفهم تلك، وإيقاف بدل السكن عنهم بدون مسوغ قانوني، وممنوع تحويلهم إلى وظائف أخرى، وإذا حولوا إلى وظائف أخرى يوقف البدل عنهم، أيضاً، أو يجيز لمجلس الوزراء أو غيره، وفي أي وقت شاء، حتى بعد 19 عاماً من انتقالهم، أن يصدر قراراً /لائحة، ترهن استمرار استحقاقهم بدل السكن باستمرار شغلهم الوظائف المعينين عليها عند قيام الوحدة.
فعلى ماذا استند المجلس، إذن، في فعلته /فضيحته هذه؟ لا شيء، المهم قلع هؤلاء، ومن قرح يقرح!
يؤسفني أنني من بداية المقال أتكلم حول /في بديهيات ومبادئ ومسلمات قانونية - تشريعية أوليه، يتلقاها طالب سنة أولى حقوق... أين حمرة..؟!
هذه الأحكام كان يمكن أن تكون قانونية ومشروعة، فيما لو وضعت ويعملون بها عند تعيينهم ونقلهم قبل 19 عاماً (1990 - 1992)، وتشمل الجميع، وكان علمهم بها عن طريق وثيقة قانونية (قرار، قانون... الخ)، صدرت آنذاك، ومعمول بها حتى الآن، وبدون تعديل، وتتضمن أسساً وضوابط قانونية تضمن شرعية وقانونية تطبيق الأحكام، وتحول دون استخدامها لتصفية حسابات شخصية أو سياسية أو نحوها. أما أن توضع -تصدر اليوم، بعد 19 عاماً على انتقالهم، حتى لو شملت الجميع، وجاءت خلواً تماماً مما تشير إليه أولاً وثانياً وثالثاً، وكل الأدلة، فهذا عمل وإجراء غير قانوني ومنقوع بالبطلان، لأنها تسري بأثر رجعي، فما بال أن تأتي منطوية على كل ما تشير إليه الأدلة الستة.
وإلا ما رأي مجلسنا الصنديد ومعالي الوزراء والمستشارين القانونيين النحارير واللجنة التي راجعت المشروع؟! أين حمرة..؟! أين شرف..؟!
هل كان يجرؤ المجلس أو رئيسه أو أي وزير أو مستشار أو خبير من هؤلاء أن يفكر مجرد تفكير في ارتكاب شيء من هذه الفعلة –الفضيحة، وليس كلها، فيما لو كان هؤلاء من المحافظات الشمالية؟! حتماً لا.. مستحيل يفعل ذلك، سيقتلع من كرسي الوظيفة والمنصب الذي يتسنمه، وربما من الحياة أيضاً!
وبعد...
يا دولة رئيس الوزراء... لا نستبعد أن (اللوبي) التصفوي، فعل فعلته، رتب لهذه المجزرة /الفضيحة في غفلة عنكم، لكنكم الآن على علم بها بعد اطلاعكم على المقال هذا، الأمر الذي يوجب عليكم أن تتخذوا ما يمليه عليكم ضميركم وشرف المسؤولية وواجباتها.
أوقفوا هذه المجزرة، وعالجوا آثار المجازر الست. نفذوا ما يقضي به القرار 231 لسنة 1992، وخلال مدة محددة قصيرة ومعلومة.. مكنوا هؤلاء وزملاءهم من حقهم، وهو أن يمنح كل واحد منه مسكناً /بيتاً /شقة بمساحة ومستوى شقة في "مشروع الوحدة السكني"، و"مشروع 400 شقة"، وبنظام التقسيط، أو يمنح قطعة أرض مخططة وبمساحة كافية مع قرض شخصي لبناء مسكن، وفي الحالتين يكون المسكن والأرض في المحافظة التي نُقل إليها وليس في أية محافظة.
مكنوهم من حقوقهم /مطالبهم الأخرى، المذكورة في مطلع المقال (التعويض... الخ).
الغوا المادة 9، وأطلقوا فوراً بدل السكن بالقيم الجديدة المحددة في المادة 4، على أن يحصل عليها، أيضاً، المبعدون والمقصيون من الوظائف المعينين عليها عند قيام الوحدة، وحولوا إلى وظائف أخرى ولا زالوا يشغلونها، وكذا الذين لم يحولوا إلى وظائف، أي الذين لازالوا بدون وظائف، فهؤلاء ليس ذنبهم أنهم ليسوا بلا وظائف.
وإلا أمامهم القضاء المحلي والدولي أيضاً.
< عدن 1 يناير 2010