المقالح ضحيتنا...

المقالح ضحيتنا...

* ماجد المذحجي
منذ أكثر من 3 أشهر أدخل محمد المقالح في "الغيبـ" الأمني، وفي هذه الفترة القاسية والممتدة كان على الجميع التحول لشهود صامتين ومذعورين أمام الرعب الذي تخلفه سهولة انتزاع حياة كاملة من قربهم وإلقائها في الصمت دون إجابات، في سابقة لم تحدث قبلاً في العهد اليمني الحديث، أي عقب الوحدة، حيث تتم حراسة "الإخفاء" لشخصية عامة بضراوة وحرص، وتفكيك التضامن من حولها وصده تماماً، بشكل يفتح الباب أمام المخيلة على احتمالات مؤلمة عن مصيره.
لم يُحدث كل هذا الزمن ردود فعل ولا اهتزازاً في الضمير، ويُمكن بسهولة مشاهدة أن المخفي مع المقالح هو التزام الناس وضميرهم وتعاطفهم وقدرتهم على التضامن والتصدي للاعتداء على الحياة. لم يستقل أعضاء من اللجنة المركزية للحزب الاشتراكي، رفاق المقالح، احتجاجاً على إخفائه، ولم يتخذ المكتب السياسي، أو الدكتور ياسين أمين عام الحزب، موقفاً يُحدث فرقاً في الأمر. هل لأنه "شمالي" مثلاً ويجب التعاطف الآن مع المعتقلين الجنوبيين فقط كي لا يتفكك الحزب أو لا تأخذ الشبهة قيادات الحزب من انحيازات مناطقية لها؟ لا يشكك هذا الكلام من عدالة قضايا معتقلي الجنوب، ولكن المقالح وضع استثنائي حيث مازال مخفياً منذ اختطافه، وحياته مهددة فعلياً. مازال الجميع، في الاشتراكي والمشترك، يتبادلون الابتسامات والأحاديث الهاتفية، ويبرمون الاتفاقات السياسية سراً وعلناً مع جلادي المقالح ومختطفيه بدون حتى أن يتذكروه.
هل فعل زملاؤه أيضاً ما يحدث فرقاً؟ هل استقال مجلس نقابة الصحفيين احتجاجاً على الأمر؟ أو هل اعتصموا بشكل متواصل في مكتب النائب العام لاختبار وعوده بالكشف عن مصير المقالح وإجباره على تنفيذها؟! لم يشاهد أحد نقيب الصحفيين، ياسين المسعودي؛ الموظف الرسمي الكبير في الصحيفة الرسمية الأولى التي تتحدث عن بلد مواطنة وحقوق وضمانات دستورية للحريات، يتحدث عن المقالح أو يدافع عنه، وعلى الصحفيين الاكتفاء من نقيبهم بكونه مهذباً وخجولاً وضعيفاً كما يبدو.
إن تجريد المقالح من التضامن والفعل الجاد، والاستمرار في إخفائه حتى الآن، هو عنوان عريض لسقوط أخلاقي ونقابي وسياسي نتشاركه جميعاً بدون استثناء.
علينا أن نفعل شيئاً، أي شيء يحدث فرقاً، فلا يمكن أن نستمر هكذا في التآكل تحت وطأة الذنب والفشل والإحساس المستمر بخذلانه وأسرته. ولا أريد الاحتفاء بالمقالح كبطل أو مناضل، كونه ضحية للأجهزة الأمنية والنظام القمعي، وفشل النقابة والحزب الاشتراكي واللقاء المشترك. أريده، كما أسرته، بالقرب منا، حياً وسليماً بخطاياه وانفعالاته وحيويته. ولا يجب الاكتفاء بتحوله إلى أيقونة أو إطار تضامني في زوايا الصحف، حيث يفقد معناه الإنساني مع الزمن، ويصبح إحدى قضايانا الفاشلة التي نرثيها باستمرار.
maged