في ضوء العدوان السعودي على اليمن والأزمة المصرية الجزائرية

في ضوء العدوان السعودي على اليمن والأزمة المصرية الجزائرية

* عبدالملك المخلافي
يبدو أن الأنظمة العربية التي صادرت الأوطان وحولتها إلى ملكية خاصة، صادرت معها السيادة والكرامة الوطنية، وحولت مفاهيمها ومعانيها إلى مفاهيم ومعانٍ مرتبطة فقط بمصلحة النظام، بل بمزاج الحاكم.
وحالة العدوان السعودي السافر على الأراضي والسيادة اليمنية، كما حالة الأزمة المصرية الجزائرية.. مثالان سافران لذلك.
في الحالة الثانية، وفي الوقت الذي تنتهك سيادة وكرامة مصر من قبل العدو الصهيوني بشكل دائم، دون رد ولو لذر الرماد في العيون، أقام النظام المصري الدنيا ولم يقعدها للدفاع عما أسماه سيادة وكرامة مصر في أعقاب مباراة لكرة القدم بين الفريقين المصري والجزائري، وكان يمكن للحرب أن تندلع بين البلدين في حال وجود حدود مشتركة بينهما، ولكن الله ستر وجنبنا كارثة جديدة من كوارث الأنظمة.
وفي الحالة الأولى لم يحرك النظام اليمني ساكنا أو حتى ينبس ببنت شفة في مواجهة عدوان سعودي سافر على الأراضي والمياه اليمنية والمواطنين اليمنين والاتفاقات الموقعة بين البلدين من اتفاق الطائف 1934 حتى اتفاق جدة لترسيم الحدود الذي وقعه النظام الحالي ولم يرثه عن سابقيه.
وفي كلتا الحالتين، ربط النظامان اليمني والمصري السيادة والكرامة الوطنية بمصالحهما ومفاهيمهما الخاصة، وضربا عرض الحائط بالمفاهيم المعروفة والضاربة في القدم عن السيادة، بل ومفاهيم القوانين الدولية، إضافة للدساتير الوطنية.
النظام المصري الفاقد أية شعبية بسبب سياساته الداخلية والخارجية، ومنها تخاذله تجاه الانتهاك الصهيوني للسيادة والكرامة المصرية والعربية، وخاصة موقفه أثناء العدوان على غزة، وجد في ما حدث في أعقاب مباراة لكرة القدم مع فريق شقيق، فرصة سانحة للتعويض عن هزائمه أمام عدو حقيقي بافتعال عدو آخر، كما وجدها فرصة لإعادة تعويم نفسه وتعويم التوريث من خلال تعويم الأنجال جمال وعلا وإظهارهم كأبطال وطنيين مدافعين عن السيادة والكرامة.
وأينما كان الخطأ من الجزائريين الذي حدث في المباراة، وهو مرفوض في كل حال، فإنه لا يستوجب ما حدث، ناهيك عن خلق (وطنية كروية) بديلا للوطنية الحقيقية.
أما النظام اليمني الذي لم يحقق نتائج حقيقية في الحرب على الحوثيين، ويواجه أوضاعاً داخلية صعبة، فإنه رأى في تواطئه مع العدوان السعودي فرصة ربما تؤدي إلى تحقيق انتصار مفقود أو لمزيد من التمويل السعودي للحرب، ولو كان على حساب السيادة الوطنية والحقوق التاريخية، أو على حساب مواطنين يمنيين بمن فيهم المتمردون الحوثيون الذين هم في البداية والنهاية يمنيون.
في الحالة المصرية العبثية تبدو صورة الملهاة.
وفي الحالة اليمنية التفريطية تبدو صورة المأساة.
غير أن المأساة والملهاة معاً تتجسدان في هذا التواطؤ أو التماهي مع مصادرة الأنظمة للسيادة من قبل النخب المثقفة والإعلام، بل وحتى الأحزاب السياسية المعارضة، الذين تواطأوا وشاركوا النظامين في الترويج للمفاهيم الجديدة للسيادة، والذين تماهوا ووافقوا على إعطائهما توكيلا حصريا بها.
شارك الإعلام ونخب وكتاب وأحزاب مصرية في الترويج للوطنية الكروية، وفي التحريض ضد العدو الجديد؛ الشقيق الجزائري سابقاً.
وشارك أمثالهم في اليمن في تبرير العدوان السعودي تحت حجة حق الرد السعودي على الاعتداء الحوثي، دون أن يتساءلوا لماذا تجاوز الرد السعودي حدود الدفاع عن الأراضي السعودية إلى العدوان على الأراضي اليمنية وانتهاك السيادة في البر والبحر، وترتيب أوضاع على الحدود تنتهك كل الاتفاقات والقوانين الدولية، ناهيك عن معاني الأخوة والجوار، بما في ذلك سياسة التهجير للسكان من أراضيهم، وبناء جدار فصل عنصري وتمزيق المناطق والقبائل في الجانبين، وقطع ما وصلته السماء عبر آلاف السنين بين أبناء جزيرة العرب؟
ولماذا لم يقل النظام، ولو تبريراً، إن حصار الساحل اليمني والموانئ اليمنية، والتصريح السعودي بمطاردة الحوثيين بعمق عشرات الكيلومترات داخل الأراضي اليمنية، يتم بموافقته أو على الأقل بعلمه؟
أما الذين تماهوا مع المفاهيم الجديدة للسيادة من النخب والكتاب والصحفيين، ولو كانوا في موقع المعارضة، فهم الذين صمتوا أو اكتفوا بتحميل النظام مسؤولية ما يحدث أحيانا دون إدانة صريحة للمعتدي.
وهم بذلك، أدركوا أم لم يدركوا، أعطوا (توكيلا حصريا) للنظام في قضية هي وطنية تهم كل وطني وكل سيادي، ولا تهم النظام وحده.
حدث ذلك في الحالة المصرية وفي الحالة اليمنية.
حيث غابت -إلا في ما ندر- الأصوات التي تعطي لمعاني الوطنية والقومية والسيادة والكرامة أبعادها الحقيقية.
وفي الحالتين كشف ما حدث حجم التردي الذي تعيشه الأنظمة والنخب معا، كما التردي الذي تشهده العلاقات العربية العربية.
غير أنه في الحالة اليمنية، إضافة لذلك، كشف العدوان السعودي مدى الاختراق السعودي للنخبة اليمنية أفرادا وجماعات، في الصحافة وبين الكتاب وحتى الأحزاب.
كما كشف مدى الأضرار التي سببتها وتسببها الحرب العبثية في صعدة، التي يجب أن تتضافر الجهود الوطنية لإيقافها عبر حوار وطني شامل يصيغ عقداً اجتماعياً جديداً يرسخ قيم المواطنة والعدالة والمساواة والديمقراطية، ويجسد الالتزام بالدستور والقانون من قبل الجميع، وفي المقدمة الحكام.
ومع تحية واجبة لكل وطني رفع صوته في مواجهة العدوان السعودي وكشف أبعاده وأهدافه وممارساته ودوافعه، فإن الدعوة لازالت قائمة للوطنيين صحافيين وكتاباً وأحزاباً، للتخلي عن توكيلهم الحصري للنظام الذي تم دون إرادتهم، تأكيدا لوطنيتهم وعدم وقوعهم في (كشوف الصدقة السعودية) التي تخترق بها البلاد والنخب، من خلال تحديد موقف واضح من العدوان، وفضح تواطؤ النظام معه، والدعوة لإزالة ما يترتب عليه في الواقع.
ولمن يرى أن في دعوتنا هذه ما يحرض على توتير العلاقات مع جار وشقيق، نقول له إننا نحرص على العلاقات العربية العربية، ومع أشقائنا في جزيرة العرب خاصة، وإن موقفنا ينطلق أيضا من منطلق قومي، فالقومية تتنافى مع الاستعلاء والاستكبار، والعدوان الذي يمارسه آل سعود على أشقائهم اليمنيين، كما نتمنى عليه أن يتوجه إلى (الأشقاء السعوديين) ليوقفوا عدوانهم على اليمن، ويتخلوا عن سياسة الجار السيئ مصدر الشرور، وأن يحفظوا معنى الأخوة والجوار. وأذكرهم -مع عدم رغبتي في الإطالة- بأن النظام السعودي منذ قيامه ارتكب جرائم لا تحصى ضد الأمة العربية، كما أنه نظام توسعي على حساب جيرانه وأشقائه؛ قضم أراضي العراق والكويت وقطر والإمارات والأردن وعمان، ومساحات من أراضي اليمن تساوي شطراً من أشطاره قبل الوحدة المباركة، وأنه تماهى في نزعته التوسعية مع نموذج الكيان الصهيوني، ولم يتخلَّ عن أي أرض إلا تلك التي سلمها لمصر في مضايق تيران حتى لا يكون له حدود مع الكيان الصهيوني، هروبا من المواجهة الحقيقية مع عدو حقيقي.
أما ما ارتكبه النظام السعودي تجاه اليمن فلا يتسع المجال لذكره، فهو معروف، ومما لا تنساه الذاكرة اليمنية والعربية، يكفي أن نشير إلى محاربة الثورة، واغتيال الحمدي، وتمييع الجمهورية، ومحاربة الوحدة.. ونخشى أن يكون العدوان الجديد تمهيدا لما هو أعظم وأفدح.
ولعل الأيام القادمة تكشف من هو الوطني، ومن هم سياديو (الوطنية الكروية)، و(كشوفات الصدقة)، ومن هم السياديون الحقيقيون الذين يدافعون عن أوطانهم ولا يمنحون الأنظمة توكيلا حصريا للعبث بالسيادة ومصير الأوطان والشعوب.