كانت سبباً لاختطافه

كانت سبباً لاختطافه

>نبيل سبيع
لا تنشروا صور الأطفال والنساء والمسنين الذين نقتلهم بالقصف العشوائي في حرب صعدة السادسة، وإلا حولناكم إلى صور ضحايا مثلهم. هذا هو موجز الرسالة التي تلقاها الصحفيون اليمنيون مساء ال17 من سبتمبر الماضي من خلال حادثة اختطاف زميلهم محمد المقالح في قلب العاصمة صنعاء، على أيدي مجهولين لم تكشف عنهم السلطات بعد، وإخفاء مصيره حتى الآن. فعقب نشر موقع "الاشتراكي نت" تغطية بالصور لضحايا إحدى عمليات القصف العشوائي التي طالت، خلال الحرب الجارية، عشرات المدنيين، بينهم نساء وأطفال ومسنون، اختطف المقالح الذي يشغل موقع رئيس تحرير الموقع الإخباري التابع للحزب الاشتراكي اليمني، وأصبح مصيره مجهولا منذ تلك اللحظة.
الصور التي نشرها "الاشتراكي نت" تناقلتها وسائل الإعلام الإقليمية والدولية، وبثها عدد من الفضائيات، بينها قناة "الجزيرة"، في إطار تغطيتها لحادثة القصف المؤسفة والبشعة تلك. لكن الهجمة الضارية التي تتعرض لها منذ عدة شهور الصحافة اليمنية، وما تبقى من الهامش الديمقراطي، لا تستطيع أن تتجاوز حدود هذا البلد، ولذا طالت المقالح وحده. تتحمل الدولة اليمنية كامل المسؤولية عن حياة المقالح ومصيره باعتباره أحد مواطنيها أولا، وأحد قادة الرأي والسياسة في البلد ثانيا، فهل تصرفت مؤسساتها حيال هذه القضية بما يدل على أنها مؤسسات دولة؟
على مدى أكثر من شهرين، وصور المقالح تطوف العاصمة وبعض المدن اليمنية في اعتصامات سلمية من أجل الكشف عن مصيره وإطلاق سراحه وضبط ومساءلة الجناة. اسمه أيضا يطوف التقارير والمناشدات الدولية الموجهة لصنعاء والرئيس صالح شخصيا. وقضيته طرحت أكثر من مرة في البرلمان اليمني من قبل أعضاء ما يزال لديهم حس بالمسؤولية وحس إنساني وأخلاقي، وهم قلة طبعا. لكن السلطات التنفيذية في صنعاء لم تعبأ بكل هذه الاعتصامات والمناشدات المحلية والدولية التي طالبتها وما تزال بأداء واجباتها الدستورية والقانونية والوفاء بالتزاماتها الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان. بل إنها ذهبت أبعد من الصمم والتقاعس وصولا إلى حدود الاعتداء على أسرته في محاولة لإسكاتها وثنيها عن المطالبة بالكشف عن مصيره. إن حادثة اعتداء أفراد الأمن القومي على إحدى النساء المشاركات في الاعتصام السلمي الذي أقامته أسرة المقالح أمام مبنى الجهاز، الأربعاء قبل الماضي، إثر رفض الأسرة إزالة صوره من على زجاج سيارته، كشفت عن أمرين: هوية الخاطفين وهيمنة الصفر الأخلاقي على هذه المؤسسة الأمنية الواعدة.
أسرة المقالح تقول إنها تواصلت مع كافة الجهات الأمنية في البلد، بما في ذلك رئيس الجمهورية ووزير الداخلية والنائب العام ورئيسا جهازي الأمن القومي والسياسي، وإنها قوبلت بالاستخفاف. يعني هذا أن هوية الخاطفين والصفر الأخلاقي لا يهيمنان على جهاز الأمن "الناشئ" فقط، وإنما على منظومة السلطة اليمنية بشكل عام، وهذا مخيف ومروع جدا. فالاعتداء على النساء مثلا حين يصبح أمرا بطوليا في أروقة الحكم، ويمر وكأن شيئا لم يكن، لا يدل إلا على أن البلد بالكامل بات في مستنقع من الظلام والانحطاط.
اختطف المقالح عشية عيد الفطر الماضي. ويحل عيد الأضحى نهاية هذا الأسبوع. لقد افتقد أطفاله وزوجته وبقية أفراد أسرته وكل أصدقائه ابتسامته وحضوره الدافئ في العيد السابق وطيلة الأيام التي تلت. وفي صبيحة العيد الوشيك، حين يفكر الرئيس صالح وكل مسؤول آخر إعطاء أطفالهم ونسائهم وأقربائهم ابتسامة وعناقا دافئا، سيكون من المخجل أن يحرم أطفال المقالح من تلك الابتسامة وذلك الحنان الذي ينتظره كل طفل في مثل هذه المناسبات. لا أحد يتمنى لأطفاله أن يتحولوا إلى مناضلين يركضون يوما إثر يوم وشهرا بعد شهر، حاملين صورته ومناشدات ومخاوف شتى حول مصيره، وهم ما يزالون في التاسعة أو العاشرة، كما حدث مع الطفلة "سماء المقالح". المقالح لديه أسرة تنتظره، وهو أحد قادة الرأي والسياسة في البلد، ولن يختفي أبدا بصمت في الظلام والنسيان.
nabilsobeaMail