الخطف كسياسة رسمية

الخطف كسياسة رسمية

ضمير المقالح في مواجهة قوة الطغيان
 
>عبدالكريم الخيواني
أخي محمد؛ ها أنت تمضي أسبوعك السادس مختطفاً ومخفياً قسرا، لم تجد المحاولات للكشف عنك، الكل يعرف أن جريرتك الوحيدة أنك صاحب رأي، وأن موضوعيتك وضميرك الرافض للصمت على جرائم وانتهاكات الحرب، هما وراء اختطافك وإخفائك، ولا مستفيد من ذلك إلا السلطة وأجهزتها الأمنية.
تعرف يا عزيزي السلطة لا تحترمنا نحن مواطنيها، الرئيس إن لم يحرض فلا يذكر الصحفيين بخير، والأمن القومي يعتبر الصحافة الناقدة والصحفيين غير الموالين، الخطر المحدق بالوطن والسلطة والوحدة والمنجزات العملاقة، وغير العملاقة. والوزير اللوزي يعتبر كل صحفي خارج ديوان الوزارة، خارجاً عن القانون.
مشكلتهم يا محمد معك أخلاقية بالدرجة الأولى، ففي حين وجدوا أن الأغلب صار مهيأً لحرب سادسة في صعدة لا تبقي ولا تذر، أطلقوا عليها اسم الأرض المحروقة، بدوت وحدك، توقظ الضمائر، تحرجها، تكشف التواطؤ، تشير نحو الجرائم. كنت ضمير اليمن المفقود، فلم يتحملوك، ولم يطيقوا أن تكون شاهدا على ما يحدث، موقفك من جريمتي سوق الطلح والعادي، جعلهم يخافون من كشفك للجرائم المتتالية، التي لم تتوقف طيلة الحرب.
عندما قرأت رسالتك لرئيس الجمهورية في بداية الحرب السادسة، قلت لنفسي بكل ما حملته الرسالة من صدق هل ستفهم كذلك. نصحوك أو هددوك، فلم تسكت! ولم تمكنهم من نفسك، استعجلوا اختطافك ليلة عيد، أفسدوا على أولادك ومحبيك وإخوانك العيد، عقابا على إفسادك أوهام انتصاراتهم. معركة محسومة سلفا بين ضمير حي، في مواجهة قوة طغيان، وإذا بالخطف سياسة رسمية في مواجهة حرية التعبير والنشاط السلمي، والتعذيب وسيلة إخضاع وكسر إرادة.
اختطفوك، وكأن اختطافك يغطي على جريمتي سوق الطلح والعادي! تكهن البعض أنها لإشغال الرأي العام، ورسالة تهديد للصحفيين، حتى يفقهوا! وقال آخرون إنها رسالة تهديد للكل، فاعتقال المئات لا يشكل رسالة تهديد عامة، لكن اعتقالك رسالة عامة تخيف الكثير. وقال آخر إن الاختطاف هو الخطوة الثانية، بعد عفو رئيس الجمهورية، لمن يعود لمزاولة نشاطه السياسي والصحفي، وهذه استراتيجية أمنية، جربت مع آخرين قبلك، وهي أسباب معقولة، فردية أو مجتمعة، وكلها تخريجات وتكهنات لخطفك واعتقالك وإخفائك وإرهاقك والتنكيل بك وأهلك، ويبقى المؤكد أن ضميرك وفاعليتك وأداءك الصحفي والسياسي سبب الاعتقال.
الكل يعرف أن صحفياً وسياسياً بحجمك لا يمكن أن يختطف، هكذا، فاليمن أولا وأخيرا دولة عربية من دول العالم الثالث، حيث معروف كيف تدار الأمور! ومن المستحيل ألا تعرف الأجهزة مكانك كما تدعي، عدم علمها، من؟ وكيف؟ وأين؟ ولماذا؟ والنفي الأمني لا ينفي مسؤوليتهم قانونا عن اختطافك، ليس بحكم ما يفترض، أو التهديدات السابقة، بل لأنه بنفس الطريقة المتبعة مع الكثير قبلك وبعدك، حيث تتحول جريمة الاختطاف وسيلة مرهقة للمخطوف وأسرته، فيضيع الأثر القانوني، ويبقى الهدف الوحيد هو تحقيق الإفراج، بأي شكل، لا أكثر، ولا أقل، لهذا لا داعي للخوض في تسريبات الأجهزة، يبقى المسؤول الوحيد الذي نطالبه بحكم صلاحياته، وباعتبار أن الخطف ليس من وظائف السلطة، ولا سياسة رسمية، عرضت في برامج الترشيح أو نيل الثقة.
ومسؤولياته، وتبعية أجهزة الأمن له، بالكشف عن مصير المقالح، والإفراج عنه، ومعاقبة مختطفيه، وهذا حق دستوري وقانوني للمقالح كمواطن على الرئيس، وحق شرعي أيضا، ألم يقل الخليفة عمر (رض)، لو كانت بغلة في بغداد لسئلت عنها؟ هنا نسأل عن مواطنين بشر اختطفوا، اعتقلوا، أخفوا قسرا، وفي صنعاء، في اليمن، وإن لم يسأل فمن يسأل؟
اللافت للانتباه أنه رغم كثرة جرائم الاختطافات، إلا أن أي تحقيق رسمي لم يفتح فيها إطلاقا، مع أن ذلك يخدم مزاعم الترويج السياحي مثلا، ويطمئن الأجانب أن السلطات لا تشجع على الاختطافات، مثلا، وأن الخطف جريمة وغير مبررة، لا فرق بين اختطاف رسمي واختطاف قبلي، وإلا كيف نستنكر بني ظبيان إذا اختطفوا أحداً، ولا نستنكر جهازاً رسمياً يختطف، خطف أسود وخطف أبيض، ولا يمكن تحليل الخطف للمحلي، وتجريمه للأجنبي، الخطف يشجع على بعضه، حتى وإن كان الخطف المحلي لا يؤثر على السياحة، التي أنشئ لها وزارة ووزير، وخطط حكومية للترويج، و(مثلك يا صدق).
إنه ليس تصرف حكومة ولا وسيلة سلطة، القبائل تخطف وتقول فورا اختطفنا فلان من أجل كذا، ونريد كذا، وتكرم المختطف، عصابات المخدرات في كولومبيا، تختطف وتساوم، وتحدد هدفها، ولا تخفيه، لكن ما يحدث عندنا شيء آخر بعيد عن المنطق، والعقل تماما، ولكنه لا يعني أن الخلل في الاعتقاد، إن ثمة حدوداً للمنطق، للقانون، للعقل، للجنون، للحياء، لمقتضيات السياسة، في تصرفات السلطة، لا عيب أن نصر على دولة، وقانون، وحرية تعبير، وتداول سلمي للسلطة، وأن نتعامل على هذا الأساس، الخلل والعيب في من يرى عدم صوابية هذا الاعتقاد والتعامل، ويرفضه ويعاقب عليه.
قبلك، كانت الشورى المصادرة والمنهوبة، كانت يومية الأيام المعتدى عليها والموقوفة، بقوة السلاح، كان الزملاء فؤاد راشد والسقلدي، وإياد غانم، وحسين زيد بن يحيى، وفادي باعوم، والدكتور حسين العاقل، وبامعلم، وعسكر، ومعمر العبدلي، وصادق، وياسر، ووليد، وأصحاب بني حشيش،...، وكل المعتقلين، خوفا على الوحدة، أو على ذمة حرب صعدة، وأشهر تمر على الخطف والاعتقال والإخفاء، والضمير الجمعي مسترخ، لا يهزه الدم المباح في صعدة وسفيان، ولا القمع المخطط في المحافظات الجنوبية، 70 امرأة خضن معركة الإفراج عن ذويهن المعتقلين، لم يتوانين عن الاعتصام حتى صباح عيد، في حضور مدني خافت، وغياب اجتماعي سافر، كن ظاهرة تستحق التوقف والاحترام بقدر ما يستحق المتقاعسون الازدراء والشفقة.
في اليمن ثمة شيء مختلف، في كل شيء، في الخطف، في السلب، في النهب، في المحاكمات، في السياسة والإعلام، في طريقة التعامل مع المفردات، حتى في الكراهية والحب، والاعتصام، والاحتجاج والتضامن، خصوصية لا تنتمي للحكمة، قطعا.
فلا حرج عندما لا تهتز ضمائر بعض الأحزاب والنقابات والمنظمات والصحف، للضحايا واللاجئين والمشردين، لخطف أو اعتقال، أو أخفاء، أو قتل طبيب في مشفاه، صارت كلها أمرا عاديا، تطبعنا عليه، ولا نستنكره كما يفترض، ونرفضه ونجرمه، ونخجل منه، وتجد نفسها النخبة معفية حتى من الحرج، والبعض لا يهتم ولا يبالي، وهناك من لا يتفاعل إلا مع ما يهمه، وحقي أولا، البعض لا يتحرك إلا إذا وصلت النار لطرف ثوبه، والبعض خائف، أو مجامل أو منافق، والمنظمات ليس مع بعضها برامج تمويل للاختطاف، وبعضها مخالف لك في الانتماء، ويبقى صوت البعض فقط يذكر بك، في ظل اكتساح مشاعر اللامبالاة لحياتنا، وطغيان التبلد على عقولنا، وسيادة البلطجة على تفاصيل حياتنا.
الاعتصام أحيانا يتحول إلى زفة، واستعراض، و(من مع إلى معي)، وتجد أنه غالبا "ما يسلم على غير الضيف" كما يقول المثل الشعبي، وحتى القبائل لا أدري ما الذي سلبهم حميتهم، والمجتمع عموما ضاع منه إحساسه النبيل، النخوة، ونزعة الخير، والروح الإنسانية، والقيم والمثل، بل القول إن مبدأ التضامن الذي عرفته الجاهلية في حلف الفضول، هو الغائب الأبرز اليوم عن حياتنا اليمنية، وهذه هي المصيبة، لأن ما نحتاج إليه اليوم، هو مبادئ ذلك الحلف لنصرة المظلوم والأخذ على يد الظالم، الذي كان في الجاهلية، وأشاد به النبي الأكرم (ص). والغريب أن علماءنا اليوم مشغولون بفتاوى الحرب والقمع، وما يريد السلطان، وفضيلة زواج الصغيرات، ولم يتوقفوا أمام "أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف".
المقالح يعرف الكثير من المسؤولين والنواب وأصحاب النفوذ والجاه، والبعض لا يخفي مودته له، لكن لا أعلم سبب صمتهم وعدم استنكارهم لجريمة خطفه وإخفائه؟ عدا شخص واحد، وبدبلوماسية، وكأن الخطف مقدس، ليس أمن واستقرار المواطن هو المقدس.
محنتك يا صديقي جعلتني أدرك الآن معاناة زملائي حينما كنت مكانك، فالتضامن قد يكون عزاء أيضا، بما ينتج عنه، غالبا، من إشادة، ورثاء، ولا يترتب عليه فاعليه، ولا ينبثق عنه عمل، ولا يتبلور إلى آليات.
أعذرني يا محمد، كلما فكرت بالأخت الفاضلة أم بلال، التي استشهد شقيقها الجندي بنصف رمضان، في حرب صعدة، ولم تفق بعد فإذا بها تواجه محنة زوج مخطوف، وكان اختطافك وساماً لأسرة شهيد!
أنا طافش، ومحبط، لم أجد سواك لأعبر له عن قرفي وسخطي، ربما لإحساسي أنك لن تقرأه في هذا الظرف، أو ربما هو اعتذار عن العجز، قرف من اسطوانة الشعب الصابر، والحرب والغلاء والفساد، من الحوار الممهد للحوار، وحكمة المشترك، من خطابات الرئيس عن كل شيء، وفي كل شيء، ومن (ضبح) الرئيس الذي علينا أن نخشاه ونراعيه، ونتقبل كل الأخطاء، في سبيل اتقاء عواقبه. طافش من النقابة، التي قايضت الحريات والحقوق، بالجدران، من كلام راصع عن المنظمات الدولية، الإنسانية، بدلا عن إنفلونزا الخنازير، وما يهرف به حمود عباد عن صعدة وكأنه يشرح الاستعدادات لخليجي 20، من وزير العدل وتصريحه بعدم وجود معتقل سياسي في اليمن، واستهانته بحياة وحرية الآلاف، من إسقاط الواجب بحضور ساعة اعتصام، من أخبار القتل اليومي، من غياب صحف وصحفيين عن تغطية ما يتعرض له الصحفيون والصحافة، والتعامل مع الرقابة المسبقة كقدر، من تحلل النظام، والتحالف الرسمي مع الجهاد والسلفيين.
قد يستغرب البعض كلامي هذا، حيث يفترض أني أكثر اعتدادا، وربما يرى البعض هذا الكلام إحباطاً، غير أني واقعي، أشكو مما يشكو منه الآخرون بدون ادعاءات، وأرى أن نقد ما تطبعنا عليه من فساد، هو أولويات تغيير واقع الاستبداد المسيطر.
AKarim khMail