بينما يشتد الاستقطاب في الجنوب بين السلطة والحراك الجنوبي ينغمس اللقاء المشترك في دور المعلق السياسي

بينما يشتد الاستقطاب في الجنوب بين السلطة والحراك الجنوبي ينغمس اللقاء المشترك في دور المعلق السياسي

                                                     المشترك الحائر!
 
> سامي غالب
منذ انفضاض اللقاء التشاوري الذي عقده عشية الذكرى ال19 للوحدة، التزم اللقاء المشترك دور المعلق السياسي على الأحداث الجارية في اليمن.
 قبل 3 أعوام فقط كان المشترك يتموضع داخل المعادلة السياسية اليمنية باعتباره البديل الموضوعي للحكم. ولئن خسر حينها الانتخابات الرئاسية فقد تمكن من أداء وظائفه السياسية كتحالف معارض ينشد تحسين البيئة السياسية في اليمن وتطويرنظامها السياسي. أكثر من ذلك فإن المشترك، مستفيداً من حيوية العملية الانتخابية وفاعلية مرشحه الرئاسي المهندس فيصل بن شملان، ولد توقعات إيجابية بشأن العملية الديمقراطية اليمنية لدى قطاعات شعبية واسعة في الداخل ومؤسسات دولية في الخارج.
 والآن فإن ذلك الزحم الشعبي الذي أحاط بالمشترك صار محض ذكرى. ذلك لأن التحالف المعارض قفز على تجربته الانتخابية الفريدة ودروسها، وارتد إلى سابق عهده في التعاطي مع رئيس الدولة بوصفه الأبوي لا الوظيفي. وهكذا تحول الرئيس صالح من مرشح منافس كسب السباق الانتخابي ويفترض أنه خاضع لرقابة الرأي العام إذ ينفذ برنامجه الانتخابي، إلى "ولي أمر" ترفع إلى بلاطه المطالب والمناشدات، و"مرجع" يختصم إليه الفرقاء، ويجهدون في استمالته واسترضائه وفق السنة المتبعة في عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات.
 بدءاً من 2007 عمد المشترك إلى التمييز بين الرئيس وحزبه، أملاً في تحييد الرئيس في الصراع المفترض مع أداته الحزبية. ومع تعالي الاحتجاجات في الجنوب تردد المشترك في حسم وجهته بتأثير تضارب أولويات أعضائه، وتفاوت درجات الحساسية فيما بينهم حيال القضية الجنوبية. وفي الخريف الماضي لاح المشترك "المحتار" طرفاً غير مسؤول وهو يستخدم القضية الجنوبية ودعوة الحوار الوطني كورقتي ضغط في مفاوضاته المتعثرة مع السلطة بشأن الانتخابات البرلمانية. ولئن توصل في فبراير الماضي إلى اتفاق مع المؤتمر، برعاية " الأب الرئيس" يقضي بتأجيل موعد الانتخابات عامين كاملين، فإنه فشل في تعويض وظيفته الانتخابية المعطلة، بما هو تحالف أحزاب سياسية شرعية، بوظائف أخرى تحول دون طرده من الساحات الساخنة في الجنوب والشمال. وبات الآن مجرد "معلق سياسي" يطل على الرأي العام من وقت لآخر لإبداء وجهة نظره حيال الأحداث التي لم يعد طرفاً فيها.
 منذ مايو الماضي لم يتقدم المشترك خطوة واحدة. وبعد أن خرجت صعدة من "السياسة" في 2004، هاهو الجنوب يتحول إلى ساحة مواجهة مفتوحة بين مكونات الحراك والسلطة. وقد تمكن الطرفان، ولكل دوافعة وحساباته، من تحديد إقامة أحزاب المشترك في العاصمة. ومن مقر إقامته بدأت تطلع إشارات تشي بوجود خلافات عائلية. لا غرابة، ذلك أن المشترك لاح مؤخراً وكأنه تجمع عصبوي عضوي أكثر منه تحالف حزبي، فحالت مقتضيات الرابطة العضوية دون استقلالية أعضائها وتفهم احتياجاتهم. ويتبدى هذا صريحاً في وضع الحزب الاشتراكي بمركزيته الجنوبية (فالاشتراكي بعيداً عن أحجام عضويته في المحافظات الشمالية والجنوبية ونسب تمثيلها داخل هيئاته العليا، وبرغم جذره ومساره الوحدويين، هو حزب جنوبي بامتياز) إذ يواجه الآن مأزقاً وجودياً جراء استهدافه من أطراف عديدة في الجنوب (انضم إليها مؤخراً أمينه العام الأسبق علي سالم البيض) في ظل جمود المشترك هناك، وعدم وجود هامش مرونة أمامه يتيح له تدارك الصدوع في بنيانه التنظيمي، والانحسار في قاعدته الشعبية. والثابت أن اللقاء المشترك عطل كفاءة الاشتراكي في الاستجابة للتحديات المتعاظمة في الجنوب، في المنبع الذي طلع منه، والتربة التي يراد اقتلاع جذوره منها. استطراداً فإن المشترك الذي قام أساساً لأداء وظيفة انتخابية، لم يطور صيغته التحالفية، ولم يحسن تقدير المخاطر الوجودية التي تتهدد أبرز أطرافه. وعندما كان الاشتراكي يتململ بسبب الحصار المفروض عليه في مسقط رأسه كما حدث في دورة لجنته المركزية في صيف 2007، واجهه حلفاؤه في المشترك بعلامات استفهام كبيرة. وعندما تحدث أمين عام الاشتراكي صراحة نهاية 2007 عن "قضية جنوبية"، مطالباً بأن يكون حلها مدخلاً للاصلاح السياسي والوطني، انتظر حلفاؤه عدة أشهر للاعتراف بشيء يُدعى "قضية جنوبية". وفي "الربيع الأخير" للمشترك ألمح الاشتراكي إلى إعادة صوغ دولة الوحدة على نحو فدرالي، بعد إخفاق الصيغتين الشطرية والاندماجية، فسارع بعض حلفائه إلى إطلاق تصريحات تستحسن صيغة الحكم المحلي وفق وحدات إدارية كبيرة، والتزم البعض الآخر الصمت في انتظار عودة عجلة الحوار مع الرئيس حول الانتخابات إلى الدوران!
 وعلى الجملة، فإن الاشتراكي المتململ لم يعد يطيق انتظاراً، فإما إيقاع " معلق سياسي" محدد الإقامة في العاصمة، وإما إيقاع حركة احتجاجية غير منتظم السرعة في الجنوب. إما انتظار المجهول في العاصمة وإما المقامرة بالذهاب إليه في الجنوب!  
samighalib