صنعاء مدينة الجسوووور المغلّقة

شوارع صنعاء مصابة بعسر هضم، بعد تنبه الدولة فجأة إلى أن هناك اختراعا يصل بين المناطق
 داخل
المدن اسمه "الجسور"، رغم أنه اختراع قدييييييييم ومعروف في فنون البناء والهندسة المعمارية منذ نشوء الحضارات التي تميزت بالمعمار والتشييد، ومن عهد مدينة سميراميس المعلقة، إلى سقيفة بني ساعدة، وهي عبارة عن سقف لمعبر بين منزلين، كما هو الحال في وادي حضرموت المتصف بناؤه بالمعابر بين البيوت مكونة سقائف تستخدم -عدا عن العبور- لأغراض متعددة ليس بينها التفاوض والكولسة على السلطة، كما سقيفة بني ساعدة. غير أن دولتنا الظريفة التي طالما انتهجت الكوميديا في عملها وعلى قاعدة "ومن الفساد ما يضحك حد الشرقة (يكفيكم شرها)"... المهم الدولة لم يشف غليلها ما يحدث في شوارع صنعاء وأزقتها وزغاطيطها ومنافذ الوصل فيها، من عشوائية واختناق وانسداد للطرق والمنافذ بأكثر من وسيلة تقطع قلب المواطن وأنفاسه وجهده ووقته الذي يقضي جله محشورا وسط الزحام، كما تقطع انتظام  سيره وانسيابيته، فمن حواجز أمام مقرات الشرطة والنيابة والمحاكم وبيوت ذوي العظمة، إلى مواكب المتسلطين، ومن خيم الأعراس، إلى الاعتصامات، إلى المزاج الخاص للمتنفذين... وهكذا متوالية من الانفلات وعدم النظام أو التزام التخطيط، حتى في القرى والأرياف هناك أعراف وتقاليد تنظم سير الحمير والدواب... المهم الدولة على حين غرة اكتشفت أن الاكتظاظ والزحمة في شوارع صنعاء غدت لا تطاق، ففرّت وكرّت واستنفرت، ودونما تخطيط علمي أو استراتيجية تحتذى، اهتدت لحل بدا في نظرها (الأعمش) سحري، وفرصتها لمكاسب كثيرة ما ظهر منها مثل رأس جبل الجليد، ليفاجأ المواطن وقاطن العاصمة بانفجار بناء الجسور بصورة عشوائية أغلقت الطرق وسدت منافذ المدينة وعرقلت السير وضغطت حركة المرور وأطبقت على فضاء صنعاء وساكنيها. مضى على ذلك ما يزيد على السنتين، والصدمة مازالت في أولها، وقد ظهرت بوادرها بعد افتتاح أول جسر أنجز (الستين - مذبح) حيث تكشف عدم جدواه ولم يؤدِّ الغرض الذي أنشئ لأجله. والمفارقة الساخرة دلت لسانها: تكدس السير وازدحامه ازداد تحت الجسر، واللخبطة ياسااااااتر! الجسر أعلاه ينعم بالهدوء الشديد، لأن واضعي خطة البناء لم يدرسوا أسباب الزحمة وأي المناطق تشتد فيها الحركة ذهابا وإيابا. ووفقا لتلك المعطيات تكون الحاجة ملحة لبناء جسور الوصل تلك... ما سبق لا ينفي ضخامة المشروع وأهميته لرفد العاصمة بشرايين للحركة وانسيابيتها وازدهارها، تزامنا مع ازدياد عدد السكان وتوسع العمران فيها، ومواكبة مظاهر التمدن والحداثة التي سبقنا إليها العالم أجمع، آملين أن يمتد المشروع إلى مدن أخرى تحتاج إلى هكذا مشاريع، غير أنه بالمعطيات التي سلف ذكرها نتمنى من شغاف القلب أن يكفي المدن الأخرى شر الجسور، بل وأفضل منه العودة إلى عصر الدواب، ومازال مسلسل الجسور المغلّقة تتوالى حلقاته... ومازال حديثنا ممتدا.
hudaalattasMail