دور الإعلام والصحافة الرسمية في تعزيز التعددية ودعم الديمقراطية

دور الإعلام والصحافة الرسمية في تعزيز التعددية ودعم الديمقراطية

*نادرة عبدالقدوس
من أهم وأبرز الوثائق الرسمية التي صدرت عن القمة العربية العادية السادسة عشرة، والتي انعقدت في تونس في مايو عام 2004: وثيقة العهد، تحديث الميثاق العربي لحقوق الإنسان، مسيرة التطور والتحديث في الوطن العربي وإعلان تونس.
إنما كلما انعقدت أية قمة عربية أو أية اجتماعات طارئة أو غير طارئة، لوزراء الخارجة أو الإعلام العرب، فإننا ندرك تماماً ما ستخرج به كل هذه اللقاءات، التي تأخذ حقها في التغطيات الإعلامية، الرسمية وغير الرسمية العربية، ويتسابق ممثلو الحكومات والسلطات العرب أمام الكاميرات. ندرك نتائجها قبل إعلانها، ونعلم أن مفاهيم الديمقراطية وحرية الرأي والتعبير والإصلاح الديمقراطي وتعزيز حقوق الإنسان سيتم تحويرها بما يتناسب وسياسات الأنظمة السياسية العربية.
وهذا ما حدث في قمة تونس التي ذكرناها في البدء، إذ أُفرغت مفاهيم الإصلاح الديمقراطي والسياسي وحرية التعبير والرأي وحقوق الإنسان، بربطها بالمرتكزات الثقافية والدينية، والمصلحة العامة والوطنية، وتحوير حرية التعبير لتصبح العبارة "حرية التعبير المسؤولـ"، هكذا دائماً يكون الخطاب السياسي العربي.
 فلماذا –إذن- تُعقد القمم العربية والاجتماعات الدورية وغير الدورية لممثلي الحكومات والأنظمة السياسية العربية، طالما تفصِّل على مقاسات توجهاتها السياسية قراراتها الصادرة عن هذه اللقاءات أو الاجتماعات؟!
فإذا كانت القمة العربية الآنفة الذكر خرجت بمقاسات واحدة للساسة العرب، وأفسحت المجال للكثير من التجاوزات المبرَّرة للسلطة السياسية العربية ضد شعوبها، فماذا نتوقع أن يحدث فيما بعد في أي بلد عربي؟ إذ مهما تحدثنا عن الديمقراطية والإصلاح السياسي وحرية الرأي والتعبير، فإنه لزام علينا، نحن الإعلاميين، عدم تجاوز "الخطوط الحمراء"، كما يسميها الإعلام الرسمي والخطاب السياسي؛ لأن هناك حداً لحرية الرأي والتعبير لا يجوز تجاوزه، فهو يندرج تحت عبارة "المصلحة العامة والوطنية"، ويجب أن تكون الحرية مسؤولة وإلا سيقع من تطاول أو تجاوز هذه الخطوط أو الحدود تحت طائلة القانون، وما أدراك ما قانون وتبعات الأحكام القادمة! ولنتأمل ما حدث لعدد من أصحاب الرأي والفكر في بلادنا وفي عدد كبير من البلدان العربية الذين يقبعون في السجون والمعتقلات.
إن ما يجب تأكيده هو ضرورة توفير مناخ وطني عام تسوده روح الحوار الوطني بين فرقاء العمل السياسي الرسمي والوطني، ومناقشة كل القضايا العالقة ونقاط الخلاف والاختلاف، والإيمان بقضية واحدة لا تهاون فيها، وهي قضية الوطن اليمني الواحد الذي نسعى كلنا من أجل تحقيق مصلحته ومصلحة مواطنيه دون استثناء ودون أية امتيازات لعمرو أو زيد من الناس.
إن تقييد حرية التعبير بحجة الإضرار بسمعة البلد أو الإساءة إلى قيادتها السياسية، أو غير ذلك من الحجج والمبررات الواهية، لا يتوافق والمعايير الدولية المرسومة في الاتفاقيات والوثائق التي وقعت عليها وصدقتها بلادنا. وقبل هذه الوثائق الدولية فإن دستور الجمهورية اليمنية المستند إلى شريعتنا الإسلامية السمحة يمنح الحق للمواطن في التعبير عن رأيه دون قيد أو شرط، كما يعطي الحق للإعلاميين والصحفيين بالتقصي عن الحقائق والبحث عن المعلومات دون أي قيد ودون ذكر مصادر المعلومات.
إن إطلاق الحريات العامة وتعزيز الاتجاه نحو الشفافية أمران يحميان أمن اليمن، بل وبهما تجري عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية بوتيرة عالية، وستفتح الأبواب على مصاريعها للابتكارات العلمية، وسيتنفس الإنسان اليمني التواق للحرية والديمقراطية -كما عاشها الأجداد الذين بنوا الحضارة اليمنية التليدة- هواءً منعشاً يمكنه من التجديد والتطور والتقدم، وهو الهواء الذي يعيشه إنسان الغرب الذي تعلم من أمجاد العرب واكتشف سر تقدم العرب الأوائل وتقهقر عرب التاريخ الحديث والمعاصر، فاستحوذ عليه واستخدمه في حياته.
انطلاقاً من أهمية توفير المناخات الصحية للعيش الكريم في الوطن، والمساواة بين المواطنين -فكلنا من آدم وآدم من تراب- أمام القانون، فإن الكل يتحمل مسؤولية حماية الحريات، وعلى الأطراف السياسية الرسمية في الدولة ومؤسسات المجتمع المدني أن يضعوا على رأس قائمة أولويات العمل الوطني الواحد حماية الحريات، وخصوصاً حرية التعبير، باعتبارها مكسبا هاما يجب عدم التفريط به وحقا أصيلا من حقوق الإنسان التي شرّعتها الديانات السماوية قبل القوانين الوضعية.
ندرك جيداً مدى صعوبة الوضع السياسي في البلاد، وتداعيات سوء الفهم وسوء التقدير بين فرقاء العمل السياسي؛ إلا أننا ندرك أيضاً أن العمل السياسي يتطلب سعة الصدر والنفس الطويل والصبر، وفتح القنوات لإجراء الحوارات والنقاشات المستفيضة بين المعارضة والقيادة السياسية، والبحث عن السبل السليمة لاجتياز الأزمات، وعدم زج الوطن والمواطنين في مشاريع احترابية تصارعية غير مجدية، سوى أنها تؤدي إلى الخراب وانهيار المشروع الكبير، وهو الحفاظ على المنجز العظيم الذي سالت دماء الأحرار من أجله، وهو وحدة الوطن وتحسين معيشة الناس وتعزيز عوامل استقرار الأوضاع وكشف مثالب التجربة الوحدوية التي نعيشها، ولا ضير في ذلك من أجل الارتقاء بأهدافها.
إن الاختلاف في وجهات النظر وفي الآراء ضرورة حتمية لا بد منها للبناء والتغيير، وإلا لما خلق الله تعالى الخير والشر ولا النهار والليل ولا الشمس والقمر ولا الإنسان والجان ولا النبات والحيوان... إن الأضداد ضرورة في الحياة الدنيا إلى يوم الدين حتى يرث الله الأرض ومن وما عليها.
أمام وسائل الإعلام الرسمية مهمة شاقة جداً في ظل الوضعية الراهنة، فهي تمثل النظام السياسي القائم، لذلك فهي المترجم للخطاب السياسي الصادر عن هذا النظام، وعن الحزب الحاكم؛ لذا فإنه كما قلنا في البدء تتطلب معالجة صبورة من خلال فتح الأبواب أمام الرأي الآخر والبدء في حوار وطني ناضج، بعيداً عن التعصب ونزعة الإقصاء والتهميش أو التغييب، فالوطن للجميع، وألا تساهم في تأجيج نار الفتنة بين أبناء الوطن الواحد، بل عليها رأب الصدع، وأن تساعد في كشف الحقائق ونبش مكامن الفساد في مفاصل الدولة المختلفة نحو بناء اليمن الجديد، يمن التحديث.
إن ذلك هو الأرضية التي يقف عليها الجميع بثبات، وتتلاقى عليها الأطراف كافة. ولا بد من تدخل البرلمان في حل معضلات الوطن، وأن يعزز مكانته في الوطن، وألا يتعامل مع هذه المؤسسة التشريعية الهامة في البلاد كمخزن تمويني للاغتراف منه فقط. فالمواطن الذي يذهب في كل دورة انتخابية برلمانية يتوق إلى تحقيق السلام والأمن والعيش بكرامة في الوطن الواحد الذي أوجده الله في هذه البقعة من الكرة الأرضية لينعم عليه الإنسان لا ليهان فيه ويُذل. ويكفي ما يحمله هذا المواطن البسيط من أثقال تقصم ظهره! وليس بإمكانه البقاء طوال الحياة في شقاء وبؤس يفتعله الآخرون المتنعمون بخيرات الوطن دون غيرهم. وفوق هذا يُمنع هذا المُثقل بالأحمال من التعبير عن وجعه وألمه بالقلم الذي يُواجه –للأسف- بالسلاح.
nadra