أزمة بين المنطقة الحرة وهيئة حماية البيئة على الصلاحيات.. مدينة سكنية فوق محمية طبيعية

منذ خمس سنوات وعين «رباك» على مصب الوادي الكبير، تنتظر أن تمر الزوبعة المخيمة لتضع قدمها عليه.
قبل شهر حُسمت المسألة لصالحها، وبدأت الشركة بتأسيس بنيتها التحتية لتصبح بعد ست سنوات «مدينة «رباك» السكنية السياسية البيئية».
البيئية الأخيرة تلك لم تأت من فراغ. فحين قرر المستمثر أحمد باسويدان صاحب شركة «رباك» أن يبني مدينته قبل سنوات كان مصب الوادي الكبير يؤهل ليصبح محمية طبيعية. ففي عام 2006 صدر قرار لمجلس الوزراء برقم (304) باعلان انشاء ادارة المحميات الطبيعية للمناطق الرطبة في محافظة عدن. وكان الوادي الكبير إحدى تلك المحميات، ليبدأ بعدها صراع البيئة والاستثمار.
«بدأت قبل أن تُعلن محمية»، قال باسويدان مؤكداً أن الهيئة العامة لحماية البيئة قامت بعمل دراسة لتقيم الأثر البيئي لمشروعه ووافقت عليه.
الدراسة المذكورة تمت بالفعل من قبل فريق أوفدته الهيئة للمنطقة نهاية فبراير 2006، وجاء تقرير الفريق الميداني بالموافقة مع وضع عدد من الاشتراطات: بناء مرسى للصيادين، ووضع حرم للبحر بمساحة (300) متر وحرم الاشجار البهش وحرم للمنطقة الكهروحرارية وغيرها من الاشتراطات التي أكد المستثمر عبر «النداء» الالتزامه بها.
قبل عشرة أيام أبدى فرع الهيئة العامة لحماية البيئة بعدن في رسالة لرئيس المنطقة الحرة استغرابه موافقة المنطقة الحرة بإنشاء مشروع استثماري لمدينة سكنية في الوادي الكبير دون أخذ موافقته وكذا موافقة الهيئة الادارية للمحميات كونهما المسؤولتان عن محميات الأراضي الرطبة بعدن.
وبعد سرد عدد من القوانين والقرارات المعزِّزة وآخرها قرار مجلس الوزراء الثاني رقم (249) لعام 2008 والذي حدد منطقة الوادي الكبير محمية طبيعية، طلب الفرع من عبدالجليل الشعيبي رئيس المنطقة الحرة بعدن إيقاف أي أعمال استثمارية فيها وعدم تنفيذ أي أنشطة إلا بعد موافقة الهيئة الادارية لمحميات الأراضي الرطبة وهيئة حماية البيئة.
الهيئة الادارية للمحميات تم تحديد اختصاصها في المادة الرابعة عشر من القرار السابق، وتضم محافظ المحافظة رئيساً ومدير فرع هيئة حماية البيئة نائباً للرئيس، إضافة إلى ممثلين عن المنطقة الحرة، والهيئة العامة للأراضي والمساحة والتخطيط العمراني، وجمعية بيئية محلية، والمؤسسة الاقتصادية اليمنية، وقطاع الملح، ومكتب السياحة ومدير المحميات الطبيعية للمناطق الرطبة بعدن.
وبحسب مصدر مطلع فإن الهيئة الادارية لم تقم بأي نشاط أو تعقد اجتماعات منذ تشكيلها.
المنطقة الحرة بعدن هي المسؤولة الأولى عن أي تدهور قد يطال المحمية كونها صرفت الارض للمستثمر دون موافقة الجهات ذات الصلة، كذلك يرى المسؤولون في فرع هيئة حماية البيئة بعدن.
«النداء» لم تتمكن من أخذ رأي عبدالجليل الشعيبي رئيس المنطقة الحرة لأنه مسافر خارج اليمن. «أنا الآن في جدة والمكالمة تحسب عليا، برجع الخميس ونتكلم بالموضوع»، كان هذا رده.
أهمية الوادي وخطره
فيصل الثعلبي مدير فرع الهيئة أوضح لـ«النداء» الاهمية الحيوية والبيئية لمصب الوادي الكبير الذي يتميز بأشجار النخيل (البهش)، فضلاً على كونه موطن الطيور المهاجرة والأحياء البحرية.
مصب الوادي الكبير يحوي على كميات كبيرة من المياه الصالحة للشرب. يكفي حفر متر أومترين في المنطقة لتحصل على المياه مباشرة». قال الثعلبي مدللاً على ذلك. وزاد بأن المعسكرات البريطانية كانت تستمد مياه الشرب من الوادي الكبير لتوصله إلى كريتر والمكلا والتواهي.
الوادي الكبير جزء من الوادي الاعظم الواقع في لحج والذي يتفرع منه أيضاً الوادي الصغير. وتعتبر منطقة الحسوة هي المخرج النهائي للوادي الكبير.
الثعلبي أشار إلى حساسية تلك المنطقة من الناحية البيئية، خاصة أنه في الثمانينات والتسعينيات حصلت سيول كبيرة قطعت الطريق بسبب السيول مما اضطر الناس لنقل الأشياء الضرورية بالهيلوكبتر.
وأفاد بأن الموقع عبارة عن الفيض النهائي لمصب السيول وهو ما قد ينذر بكارثة إذا حدثت سيول عارمة. وذكَّر بأن «مخطط عدن التوجيهي للفترة 2000- 2025 حدد أن هذه المنطقة حساسة بيئياً لوقوعها في مصب نهاية الوادي الكبير».
وعلمت «النداء» أن الحكومة اليمنية أرادت بناء ملعب يستضاف فيه خليجي عشرين في المنطقة لكن بعد شرح خطورة المكان للجنة التي يرأسها أحمد علي عبدالله صالح تم العدول عن الفكرة.
الحكومة اليمنية سمحت بإقامة مشاريع استثمارية أخرى رغم تحذيرات المختصين الذين يعزون سلوك الحكومة إلى الصرف العشوائي للأراضي دون التنسيق بين الجهات المختصة ودون موافقة الهيئة العامة لحماية البيئة.
مصب الوادي الكبير يعتبر أحد محميات الاراضي الرطبة بعدن اضافة إلى بحيرات البجع، والمملاح، ومحمية الحسوة، وبئر أحمد. وتبلغ مساحة محمية الوادي نحو 173 هكتار يحدها شمالاً ش90 المؤدي إلى عدن الصغرى ومن الجنوب ساحل خليج عدن ومن الشرق محمية الحسوة ومن الغرب المحطة البخارية.
عبدالغني مساعد، منسق اتفاقية رامسار الدولية للأراضي الرطبة قال إن اليمن تحاول إضافة تلك المحميات إلى اتفاقية رامسار بعد أن تم تسجيل موقع تطواح بسقطرى كموقع وطني أول بعد موافقة اليمن على الانضمام لتلك الاتفاقية في 2006.
إذا كانت المحميات الطبيعية للأراضي الرطبة، ومنها مصب الوادي الكبير، بتلك الأهمية التي أوردتها معلومات وتقارير الهيئة فلماذا وافقت أصلاً من خلال دراسة تقييم الأثر البيئي على إنشاء مدينة «رباك» مادامت تمثل خطراً على المحمية؟
واذا كان المشروع لا يهدِّد الوادي الكبير فلماذا اعترضت الهيئة على صرف المنطقة الحرة لتلك الأرضية أم أن المسألة مجرد غضب لتجاوزها وتهميش دورها؟!
 
***
 
قراءة لمختص بيئي في قرار المحميات الطبيعية لمحافظة عدن
 
 من يتصفح قرار مجلس الوزراء رقم (249) لسنة 2008 بشأن اعلان إنشاء محميات عدن يجد الكثير من الثغرات والمقالب.
 هناك قرار سابق صدر عن مجلس الوزراء في اغسطس 2006 بشأن إعلان إنشاء إدارة المحميات الطبيعية للمناطق الرطبة في محافظة عدن. والمنطق يقتضي أن يتم إيراد نص في القرار الجديد بخصوص إلغاء القرار السابق، لكن ذلك لم يتم ما يعني أن القرارين نافذان، وهذا شيء عجيب.
وبما أن الهيئة العامة لحماية البيئة لا تحب أن يزاحمها أحدُ في مجال البيئة، فإن المشرع الذي أعد القرار حاول أن يفرض سيطرة الهيئة على محميات الاراضي الرطبة على حساب شريكتها محافظة عدن. فقد نصت المادة (6) من القرار بكل وضوح على الأتي: «تخضع المحميات الطبيعية للمناطق الرطبة في محافظة عدن لإشراف الهيئة»، مع أن محافظة عدن بسلطتها المحلية في واقع الأمر من المفترض أن تكون شريكة في الاشراف.
 المشروع الذي صاغ القرار جعل الفصل الثامن يختص بتنظيم علاقة الهيئة العامة لحماية البيئة بإدارة المحميات، بينما جعل الفصل الذي يليه وهو الفصل التاسع يختص بتشكيل إدارة المحميات الطبيعية للمناطق الرطبة. وكان من المفترض بحسب المنطق والقانون ان يتم أولاً النص على تشكيل وتحديد إدارة المحميات الطبيعية للمناطق الرطبة، ثم يليه تحديد علاقتها بأية جهة أخرى.
لإشراف هيئة حماية البيئة في صنعاء تمادى المشرع في فرض سيطرة الهيئة في المادة (13) من القرار والتي نصت على أن تشرف الهيئة العامة لحماية البيئة على أعمال الهيئة الادارية للمحميات الطبيعية للمناطق الرطبة في محافظة عدن. والغريب وفق هذه المادة أن يخضع محافظ محافظة عدن لإشراف هيئة حماية البيئة في صنعاء، وذلك لان محافظ محافظة عدن بموجب المادة (14) من نفس القرار هو رئيس الهيئة الادارية للمحميات الطبيعية، ومعلوم أن المحافظين لا يخضعون في اعمالهم ونشاطاتهم لإشراف أية هيئة مركزية.
ومن الامور الغريبة في القرار، إن المادة (14) التي بموجبها تم تشكيل هيئة ادارية لادارة المحميات الطبيعية وتحديد كيفية تسمية اعضاء الهيئة من ممثلي الجهات الحكومية، أغلفت إيراد طريقة تعيين مدير المحميات الطبيعية، وبدلاً عن ذلك تم إيراد طريقة تعيين مدير المحميات الطبيعية بشكل مخفي في المادة (18) التي اختصت بتحديد مهام واختصاصات مدير المحميات الطبيعية، وإذا عرفنا طريقة تعيين مدير المحميات الطبيعية وفقاً للمادة (18) فإننا سنعرف سر الإخفاء. حيث تعطي تلك المادة مدير عام فرع الهيئة العامة لحماية البيئة بعدن حق ترشيح الشخص الذي يراه مناسباً لتوليه لمنصب مدير المحميات الطبيعية، بحيث يرفع مقترح الترشيح إلى الوزير الذي يصدر قرار التعيين. الثابت أن من صاغ القرار يجهل ابسط الأمور القانونية، فبالرغم من أن مدير عام الهيئة العامة لحماية البيئة- فرع عدن يخضع إدارياً لسلطة كل من محافظ محافظة عدن ورئيس الهيئة العامة لحماية البيئة، إلا أن المشرع أعطى مدير عام فرع الهيئة العامة لحماية البيئة الحق في تجاوزهما والتعامل مباشرة مع الوزير فيما يتعلق بترشيح مدير المحميات الطبيعية. والبديهي هو منح محافظ محافظة عدن حق ترشيح أو تعيين مدير المحميات الطبيعية لكونه هو رئيس الهيئة الادارية للمحميات الطبيعية.
ومن مثالب القرار التناقض بين مواده وفقراته. فعلى سبيل المثال التناقض بين المادة (3) الفقرة (5) التي تنص على أن من أهداف القرار هو التوسع من إكثار الغطاء النباتي للمحميات الطبيعية، والمادة(10) فقرة (أ-5) والتي تحظر إدخال البذور أو الشتلات في المحميات الطبيعية، ويوجد هناك تناقض آخر في المادة (7)، التي تنص في مطلعها على أن كل محمية طبيعية للمناطق الرطبة تنقسم إلى ثلاثة أقسام: منطقة المركز الرئيسي، المنطقة العازلة، منطقة الاستخدام العام، الأمر الذي يعني بأن حدود المحمية تشتمل على المناطق الثلاثة تلك. إلا أن الفقرة (1-أ) من نفس المادة تنص على منطقة المركز الرئيسي هي فقط حدود المحمية الطبيعية.
 ومن الملاحظ بصفة عامة أن المشرِّع في هذا القرار يتناول المحمية على أساس إنها تشتمل المناطق الثلاث، وفي و على أساس إنها تشتمل على منطقة المركز الرئيس فقط، في مادةٍ واحدة، وهذا مثلب خطير يكشف عن خفة واستهتار.
وبحسب المادة (10) من القرار والتي اختصت بتحديد الاعمال والانشطة المحظورة، والمادة (11) والتي اختصت بتحديد الاعمال والانشطة المرخص لها، نجد أن هناك تمييز في التعامل بين منطقة المركز الرئيسي والمنطقتين الأخريين (المنطقة العازلة- منطقة الاستخدام العام)، حيث يتم الاشتراط بالنسبة للمنطقتين الاخيرتين بضرورة إجراء دراسات تقييم الأثر البيئي، وبالعكس من ذلك فإن المادة (23) التي جاءت في الفصل الأخير المعنون بأحكام عامة وختامية لم تميز في التعامل بين المناطق الثلاث، حيث نصت على ضرورة الالتزام بدراسة تقييم الأثر البيئي قبل القيام بممارسة أي نشاط في إطار المحميات الطبيعية. ولعل هذا التناقض ناتج عن عدم التحديد الدقيق لحدود المحمية: هل تشمل المناطق الثلاث، أم أنها تنحصر في منطقة المركز الرئيسي. كما أن المادة (12) تنص على أن تضع الهيئة الادارية للمحمية نظاماً خاصاً للتراخيص تصدر لممارسة الانشطة المسموح بها داخل المحميات الطبيعية، وذلك دون تمييز بين المناطق الثلاث، ومع أن هناك جهات حكومية أخرى تختص بإعطاء التراخيص مثلاً بالنسبة لمنطقة الاستخدام العام. وذلك يعني أن على المستثمر في تلك المنطقة استصدار أكثر من ترخيص.