تاريخ مشرِّف في العناية المركزة

في 14 مارس 1995، قدم فيصل بن شملان استقالته من موقع وزير النفط احتجاجا على فساد يصب من فوقه ويعوق إدارته ومسؤوليته في موقعه الحكومي. يومها، ترك السيارة التي في عهدته في فناء الوزارة واستقل سيارة تاكسي عائدا إلى البيت. في الطريق، ربما استرجع سجلا متفوقا ونظيفا من قيادة المواقع الوزارية والاقتصادية في حكومات ودولة الجنوب منذ الاستقلال حتى الوحدة مع الشمال.
وفي 2001، قدم فيصل بن شملان استقالته من البرلمان احتجاجا على تمديد الدورة البرلمانية عامين آخرين فوق عمرها الدستوري المحدد. يومها، قال إن ناخبي دائرته الذين صوتوا لصالحه أعطوه الحق في تمثيلهم 4 أعوام فقط ولا يحق له أن يأخذ من يد فوق أيديهم شيئا لم يمنحوه له.
ثم، في 2006، قدم فيصل بن شملان موقفا ختاميا يليق بتفوق ونظافة سجله. خاض بشعر أبيض ولغة الأرقام، معركة انتخابية على الرئاسة دخلها على أنها معركة نظيفة في مضمار بظروف وشروط طبيعية. تحدث الرجل المسنّ إلى الشعب بشكل نظيف وعملي ونزيه حول المشاكل والحلول. وحين خرج من هذه المعركة مهزوما بظروف وشروط غير طبيعية، عاد إلى البيت بنظافة وأسدل الستار على نشاطه.
وبهذا، اختتم فيصل بن شملان تاريخه بثلاثة مواقف شخصية ووطنية لم يسبقه إلى الجمع بينها أحد في التاريخ اليمني المعاصر. ولم تكن هذه المواقف التي اتخذها في ثلاثة مواقع منفصلة تدرجت مسؤوليته عليها -كوزير وبرلماني ومرشح رئاسي محترم- إلا ثمرة سجل شخصي ومهني مشرِّف لرجل تخرج في بداية مشواره قبل عقود من المدرسة الوسطى المرموقة في "غيل باوزير" كطالب متفوق.. ومحترم.
الآن، هذا الرجل والمشرِّف في الخامسة والسبعين، وفي الهند، وتحديدا، في غرفة للعناية المركزة بأحد مستشفيات "نيودلهي"، يصارع مرضا خطيرا وظروف علاج قاسية. قد يعود إلى اليمن غدا الخميس على قيد الحياة كما يأمل من لم ينسوه بعد 2006. وقد يرحل مخلفا وراءه سجله النظيف والمشرِّف جوار ملكية أرضيتين منهوبتين في عدن والمكلا.
فهل سيحظى اليمن واليمنيون بفرصة أخيرة، وإن قصيرة، لمبادلة فيصل بن شملان وما يمثله ولو نزرا يسيرا من الاحترام الذي لطالما أكَنَّهُ وسلكه حيالهم.
nabilsobeaMail