تقيد ولاداتهم ضد مجهول وينسبون إلى أمهاتهم في وثائق بيعهم.. عبيد في بيوت من نواب المؤتمر بمحافظة حجة

تقيد ولاداتهم ضد مجهول وينسبون إلى أمهاتهم في وثائق بيعهم.. عبيد في بيوت من نواب المؤتمر بمحافظة حجة - وضاح المقطري

يدعى قناف... هكذا فقط، وعندما احتاج الأمر إلى ثتبيت اسمه في وثيقة رسمية لحق اسم أمه «سيار» به، مشفوعا بلقب الجارية، وذلك لأنه لا يُعرف له أب.
في ال12 يونيو الفائت كان قناف يعامل كسلعة في محكمة كعيدنة الابتدائية بمحافظة حجة. وبارك رئيس المحكمة، القاضي هادي أبو عساج، صفقة النخاسة، فعمد وثيقة البيع التي بموجبها اشترى الشيخ عبدالرحمن أحمد سهيل علي من الشيخ حمدي محمد صغير جبران، وكلاهما من مديرية كعيدنة، إنسانا كامل الأهلية والتصرف، هو قناف الذي لا يعرف له أب، ويدعى بـ«ابن الجارية» التي تدعى «سيار».
عملية البيع والشراء التي كشف عنها المرصد اليمني لحقوق الإنسان، تمت بقبول الطرفين ورضاهما، وبمبلغ قدره نصف مليون ريال لا غير (ألفين وخمسمائة دولار)، وجاء في الوثيقة التي أصبحت رسمية ومعترفاً بها من قبل السطات القضائية في البلد بموجب تعميدها من قبل محكمة كعيدنة الابتدائية ما نصه أن البيع «صحيح شرعي نافذ بإيجاب وقبول من المشتري بماله لنفسه، بمبلغ وقدره خمسمائة ألف ريال، النصف من ذلك مائتين وخمسين ألف ريال، ومعمدة من أمين المحل محمد علي علون، والشهود يحيى علي شيبة، وأحمد محمد ثابت».
كان الجميع يعرفون قناف كـ«عبد»، ويتعاملون معه وفق هذا المنطق العبودي العتيق. وبرغم أن المجتمع هناك محافظ جداً، ووصي على أنساب الناس، إلا أن كون قناف بلا أب لا يعنيهم كثيراً، فثمة انتقاص كبير لآدميته، لأنه لا يملك حريته، وحتى عندما امتلك حريته وكرامته، كان ذلك عبر عملية شراء بلغت قيمتها نصف مليون ريال فقط، اشتراه بها الشيخ سهيل من الشيخ جبران.
يبلغ عمر قناف حاليا (26 عاما)، وهو متزوج من امرأتين، لكن زيجتيه تمتا بعد شرائه وإعتاقه من قبل الشيخ عبد الرحمن سهيل، ومنذ ذلك الحين وهو يتسلل بين الحين والآخر إلى داخل أراضي المملكة العربية السعودية بطريقة غير شرعية للعمل هناك بمختلف الأعمال التي يكسب من خلالها رزقه.
قبل ذلك كان قناف يتسلل ويعمل ليعود بما يكسبه من مال ويسلمه للشيخ حمدي جبران الذي كان يمتلك قناف وحريته وعقله بصفة غير شرعية أو إنسانية، لكنه كان يعمل في خدمة الشيخ وأفراد أسرته ورعي مواشيهم والعمل في فلاحة أراضيهم الزراعية.
صار قناف حرا منذ “أعتقه” مشتريه، وبموجب ذلك (العتق) بدأ الالتفات إلى نفسه، والعيش وفق رغباته، لكنه لم يكن وحده من يباع ويشترى أو تُمتلك حريته وإرادته، ويخضع بكامل جسده وعقله وكيانه لمن يدعون امتلاكه.
فسوى ذلك أيضا توجد مناطق أخرى يدعي مشائخها وأعيانها امتلاك بشرا يسمونهم عبيدا، ويسترقّونهم، ويتاجرون بهم كأي سلعة أخرى. فبحسب المرصد اليمني لحقوق الإنسان توجد حالات رق كثيرة في المنطقة، ومناطق أخرى من محافظتي حجة والحديدة.
يملك النافذون والمشائخ في تلك المناطق أناساً وفق وثائق تسمى “قاعدة فصل” بموجبها يتوارثون من يسمونهم «عبيد»، وتوثق تلك الوثائق عملية الوراثة والتقاسم، بل وتسمي البشر (العبيد) بأسمائهم، وأن ملكيتهم تعود لفلان ضمن أشياء أخرى يتم توارثها كالأراضي والمواشي.
يعلم أهالي مديرية كعيدنة بواقعة بيع قناف، ويعتبرونها عادية وطبيعية، ويفيدون أنها كانت من أجل “العتق” المقر في الدين الإسلامي حيث كان المشتري قتل شخصين عن طريق الخطأ في حادثة سيارة، ويؤكدون أن قناف يعيش حراً منذ إعتاقه.
لم ينفِ القاضي هادي أبو عساج رئيس محكمة كعيدنة الابتدائية واقعة البيع، بل إنه أكدها لأن ختمه كرئيس للمحكمة على وثيقة البيع جعلها رسمية ومعترفا بها من قبل القضاء، وواجه أسئلة “نيوز يمن” حول القضية بالحديث عن أناس وجهات همهم تشويه صورة القضاء، وبرر تصرفه بأن المشتري كان يسعى إلى سداد كفارة عن قتل شخصين في حادث مروري، وهو ما يعني إقراراً وشرعنة منه للعبودية، فبيع إنسان وشراؤه، وتثبيت ذلك في صكوك رسمية لا يبرره إنسانية المقصد، لأن ذلك يعني التأكيد على شرعية الاسترقاق، بل ويؤكد على إمكانية تكرارها مستقبلاً، وما دام الأمر مباحا ومشروعا، فإن الغرض الإنساني -إن تم التسليم بوجود الإنسانية أصلاً- لن يكون حاضرا على الدوام، بيد أن الأمر يخلو تماماً من الإنسانية، حتى المشتري هنا لم يكن همه حرية وكرامة قناف، بل كان همه فقط أن يكفر عن قتل شخصين، وفعل ذلك بإقرار عبودية شخص ثالث.
فداحة الأمر لا تتوقف عند هذا وحسب، فأن يقر قاض بحالة رق، ويعمدها ويبرر ذلك، يشير إلى العقلية التي يتمتع بها كثير من القضاة الذين تتعلق مصائر البشر بهم، وعلى مدى مهنيتهم ومعرفتهم.
وإذ يفترض أن يكون القضاة هم أكثر الفئات العاملة على القانون دراية وخبرة بحقوق الإنسان والمعاهدات والمواثيق الدولية التي تلتزم بها البلد؛ فإن ما حدث في محكمة كعيدنة يؤكد أن القضاء اليمني تعتوره الكثير من الاختلالات، وتعوز منتسبيه المعرفة الحقيقة بمعنى وقيمة الإنسان.
المركز العربي الاوروبي لحقوق الإنسان اعتبر أن ما كشف عنه المرصد اليمني لحقوق الإنسان في حجة من حالة رق معمدة بشكل رسمي في محكمة ابتدائية فعل مجرم ومخالف لكل القوانين والاتفاقيات الدولية الملتزمة بها الجمهورية اليمنية في دستور البلاد حيث تنص المادة 6 من الدستور “تؤكد الدولة العمل بميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان وميثاق جامعة الدول العربية وقواعد القانون الدولي المعترف بها بصورة عامة”.
وتأسف المركز لحدوث تلك الجريمة في القرن الواحد والعشرين وفي بلد مصادق على اتفاقيات ومعاهدات دولية تحمي الحقوق والحريات منها الإعلان العالمي لحقوق الانسان والمصادقة عليه اليمن والذي ينص في مادته الرابعة على أنه “لا يجوز استرقاق أو استعباد أي شخص, ويحضر الاسترقاق وتجارة الرقيق بكافة أوضاعهما”، مكررا مطالبة السلطات اليمنية الالتزام بالمعاهدات والقوانين الدولية، ومحاسبة كل من شارك في تلك الجريمة المشتري والشاهدين ومحرر الوثيقة ضمانا لعدم تكرارها.
بعد أربعة أيام فقط من كشف واقعة البيع أقر مجلس القضاء الأعلى إيقاف رئيس محكمة كعيدنة القاضي هادي أبو عساج على خلفية تعميده لوثيقة بيع قناف، وكان التفتيش القضائي بوزارة العدل حقق الأحد الماضي مع أبو عساج الذي أقر بالواقعة، وفي اليوم التالي قرر المجلس إيقافه، فهل يتم الاكتفاء بذلك؟
في بيان ثان له حول الواقعة يوم أمس طالب المرصد اليمني لحقوق الإنسان النائب العام عبد الله العلفي البدء باتخاذ إجراءات سريعة وحازمة ضد كل من شارك في عملية البيع الموثقة والشهادة عليها وكتابتها، ومحاسبتهم باعتبار ما قاموا به جريمة ضد الانسانية ويجرمها الدستور والقانون اليمني والمواثيق الدولية التي صادقت عليها اليمن، والتزمت بالعمل بها، ومن ذلك الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية الذين يحرمان ويجرمان الرق والعبودية، ويحظران استرقاق البشر.
وأكد المرصد أنه يتحقق من قضايا مماثلة في كل من محافظتي حجة والحديدة والتي تشير بشكل شبه مؤكد وبحسب المعلومات والبيانات المتوفرة لديه إلى وجود حالات استرقاق كثيرة لدى مشايخ ومسؤولي المجالس المحلية وأعضاء برلمانيين ومشائخ نافذين في المحافظتين المذكورتين.