أميرة

أميرة - سكينة حسن زيد

السنة الأولى للحضانة كل شيء جديد بالنسبة لك.
السبب أن ابنك أو ابنتك لأول مرة يصبح لهما عالمهما الخاص ويعرفان أشخاصاً لا تعرفهم: أصدقاء، مدرسين...
وإن كنت مشغولاً أصلاً ولا تجد الوقت لزيارتهما في الحضانة والتعرف إلى عالمهما الجديد، فقد يحصل لك ما حصل معي.
في كل يوم تعود ابنتي كانت لا تتحدث إلا الشيء القليل عن المعلمة والدروس واللعب، وأكثر حديثها كان عن: الأميرة!!
هذه "الأميرة" سببت لي إرباكاً في نظام حياتي: ابنتي تريد حذاءً جميلاً "بكعبـ" مثل حذاء الأميرة. تبكي كل يوم لأنها تريد أن ترتدي فستانها "المنفوش" مثل فستان الأميرة، تطلب دائماً المزيد من الأكل والمزيد من الحلوى والعصير، حتى تتقاسم ما تأخذه مع "الأميرة"، وإن لم أفعل فقد تعود وهي نصف جائعة!!
ما هذه الأميرة؟! حتى الألوان والأقلام وزينة الشعر... كل شيء تستولي عليه!
لماذا لا يحاسبها أحد؟! أين المعلمة والمديرة؟!
تقول ابنتي إن أباها لن يسمح لأحد أن "يزعلها"!!
بنت من هذه إن شاء الله!؟
حتى في الحضانة هناك وساطات!
آه! فقط لو أجد الوقت الكافي للذهاب إلى هناك! ولكني سأرتب نفسي وأذهب في أقرب فرصة.
وفعلاً ذهبت.
عندما دخلت فصل ابنتي تفحصت جميع الأطفال وأنا أتكلم بتهذيب مع المعلمة وأسألها:
- أين يا ترى هي الاميرة؟
- من الاميرة؟ لا توجد طفلة هنا بهذا الاسم.
- ربما في فصل آخر؟
- لا أعتقد، ولكن اسألي.
في كل فصول الحضانة لا توجد طفلة بسم "أميرة".
أصررت على أن أعرف من هي هذه الشخصية المسيطرة على ابنتي.
فكرت: هل هذه الطفلة من نسج خيال ابنتي؟! من يدري!؟
أخذتها من الفصل وقلت لها:
- ماما، حبيبتي، أريد أن تعرفيني على "أميرة"، أنا متشوقة جداً أن أرى فستانها الجميل وشعرها الطويل وخاتمها الكبير الذي يلمع.
- أيوة.. أيوة... يا ماما تعالي حتى أريك إياها.
سحبتني من يدي بكل حماس وخرجت إلى حديقة الحضانة ومشت بي في اتجاه معين نحو غرفة في نهاية الحديقة.
وبسهولة فتحت باب الغرفة، تبادلت الابتسامة مع طفلة صغيرة كانت تجلس لوحدها في تلك الغرفة:
هذه هي أميرة!
بنت حارس الحضانة، الطفلة يتيمة الأم، التي أحضرها من القرية لتؤنس وحدته لأسابيع.
كم كانت جميلة فعلاً!!
وفستانها الكبير، الذي يبدو أنها لم تغيره منذ أسابيع، كان فعلاً يبدو كفستان أميرة!! صحيح أنه متسخ وواسع ولا يناسب الزمان ولا المكان، ولكن شيئاً ما جعله يبدو رائعاً عليها.
لن أنسى هذه الأميرة ما حييت! كانت أجمل أميرة رأيتها، ومن يومها بدأت أعد (للأميرة) فطوراً مع ابنتي، أرسلت لها ألواناً وأقلاماً أيضاً، وحزنت جداً مثل ابنتي عندما رحلت أميرة وعادت إلى قريتها، وتمنيت من الله أن تكمل تعليمها وأن تحافظ على بهائها وجمالها، وأن تجد من يحبها هناك كما أحببتها أنا وابنتي عندما كانت "أميرتنا"!