.. وعلى دمك كل هذا الاحتراب.. كل هذا الضجيج

.. وعلى دمك كل هذا الاحتراب.. كل هذا الضجيج- خالد سلمان

لا نعرف أساساً لماذا يختصمون. هم موحدون متصالحون ضد شعوبهم. حرابهم موجهة إلى الداخل، فشحمة أبناء جبال صعدة وتهامة، وتباب تعز والعدين، وحواضر الجنوب ومدن عدن... أقرب إلى متناول رأس حربة الزعيم. وكما هو في اليمن قس في كل رقاع وبقاع هذا العالم العربي، المنكوب بقراطيس رئاسية كان يفترض أن ينبه لخطورة الاستخدام لمرة ثانية، ولكننا أمام استخدامات متكررة للمرة الثلاثين. ولو قدر لهم (الرؤساء) لجعلوها المرة الثلاثين بعد المائة.
على ماذا يتصالحون؟ ومتى احترب هؤلاء وأسالوا دماء بعضهم، حتى يأتلفوا مجدداً على طاولة بوس اللحى وتقبيل الرؤوس!؟
ليس في وارد هؤلاء الحكام، من اليمن المنكوب وفي كل اتجاه الخارطة، أن يخوضوا معاركهم ضد غياب الحرية والتنمية والعدل الاجتماعي. ليس بمقدور هؤلاء الحكام، من صنعاء إلى كل ماء العرب، أن يشهر أحدهم سلاحه في وجه غول القمع وتغول الفقر وانهيار الكرامة، كي يعلن حربه المقدسة ضد هذا الثالوث الكافر.
على ماذا يحتربون؟ وعلى أي خط سياسي أخلاقي عريض يتصالحون؟ فيوم أسال نظام صنعاء الدماء في جنوب اليمن، لم يحترب هؤلاء. وحين سفك دماء أبناء صعدة، لم يتنادَ هؤلاء. واليوم حين ينزل دبابته لحصار مدن الضالع وردفان، ويعلن سياسة الحصار والأرض المحروقة، لم يتصادم الحكام على مشروع قرار إدانة أو توصية أو حتى مجرد لوم أو عتاب، وهمس رقيق في أذن مكنة الذبح اليومي اليمني:
ايها المبجل! يا صاحب الفخامة! ارعوِ قليلا! خفف الوطء! امسح عن شدقي نظامك دماء أبناء شعبك! تمضمض بالصبر والحنكة وحسن التدبير...
لم يقل هؤلاء المختصمون اليوم في قممهم كلا للآخر: ارفع سيفك يا صاحب السمو عن عنق شعبك، ولا تخف من أي رأس سيأتي منافسا؛ فقد ذهب زمن "ارفع رأسك يا أخي"، فكل الرؤوس مطأطئة، وأنت وحدك الشامخ الراسخ، الثابت، المتماهي مع السموات السبع الطباق، مع الله وسدرة المنتهى.
هكذا ذهب كل منهم عميقا في دمنا، بعيدا في جراحنا المملحة، وكان بالمطلق التربيت على دبابات الرئيس هو عنوان مرحلة الإخاء والتضامن العربي، ضد الجياع عطشى الحقوق.
إذن لماذا يحتربون، يختلفون، يتصالحون...؟ قصرنا الرئاسي (عينة) متصالح مع أصحاب السمو والجلالات والجنرالات، وهم متصالحون مع سيوف النظام، متضامنون في تحمل تبعات جرائم بعضهم بعض، عازمون على توزيع دم شعوبنا بين قبائل الرئاسات، تقطيع أجسادنا على خرقة مربعة الأطراف، يحمل كل زعيم من لحمنا المتكوم من الخرقة طرفا.
إذن، على ماذا سيحتربون؟
لماذا يتصالحون؟ ثم متى احترب هؤلاء، وغرزوا حراب بنادقهم بعيدا خارج لحمنا؟ كم جندوا من أعداء، وأسقطوا من خصوم، وحرروا من أراضي؟ وكم اجترحوا من إنجاز وتنمية ومآثر؟
صفر لا يأتي بعده إلا أعداد قتلاهم منا.
نعم، لهم في عداد ومكنة إنجازاتهم خطوط فقر متتالية وقتلى بلا حساب، بلا ذنب، بلا حكم، بلا سبب...
هم متصالحون ضدنا، محتربون ربما على إحراز قصب السبق في ماراثون سفك دمنا. أيهم، أيا منهم، الأبشع؛ القائد الميداني الأفظع، الباطش القاتل الأوجع! أيهم يحمل على صدره أثقل كيلوجرامات أوسمة القتل! وأيهم أثقل بزة! أيهم أوسع لطخة؛ كي يحتل ريادة زعامة أوطان المسالخ وركائب الدماء الرخيصة.
تلك هي إشكالية اختصام زعاماتنا. أما من يكون الفائز الأعظم. فلا أشك للحظة أنهم جهابذة اليمن.
 إذن، لماذا يختصمون على دمنا؟! وعلى ماذا يتصالحون؟!!
[email protected]