الأمن ينتهك حرم الشرطة وينكّل بعامل بسيط - 25 نائباً يطالبون بمثول قائد الأمن المركزي أمام البرلمان

الأمن ينتهك حرم الشرطة وينكّل بعامل بسيط - 25 نائباً يطالبون بمثول قائد الأمن المركزي أمام البرلمان

«خطة انتشار  أمني» على جسدي الوجيه والسامعي

«النداء» - صنعاء
ظهيرة الثلاثاء 18 نوفمبر الماضي قدم الأمن المركزي عرضاً مروعاً للانتشار الأمني.
كان أحمد عبدالعليم الوجيه، 38 سنة، وهو عامل بسيط في أحد المطاعم بالعاصمة، قد غادر مركز شرطة الحصبة بعدما أدلى بشهادة لدى القسم بخصوص عراك بين عمال المطعم حدث أمامه في يوم سابق. وقف خارج القسم منتظراً تاكسي. بينما كان واقفاً تقدم أحد أفراد كتيبة الأمن المركزي المجاورة للقسم، وباشر الاعتداء عليه لأنه يمثَّل خطراً على الأمن القومي!
بعد ضرب الوجيه تم جرجرته من جندي الأمن المركزي وآخرين من أفراد الكتيبة وهناك تابع أفراد الأمن المركزي الاعتداء على العامل البسيط على مرأى من أفراد قسم الشرطة، الذين تدخلوا لانقاذه.
كان علي السامعي صاحب المطعم الذي يعمل فيه الوجيه، مايزال في القسم لمتابعة حل الإشكال بين العاملين. وقد لحق بالوجيه محاولاً انقاذه. وقد حاول أفراد الأمن المركزي اجبارهما على دخول حوش (معسكر) الكتيبة، لكنهما قاوما فأدخلوهما صالة مركز الشرطة، لمواصلة تنفيذ «الخطة الأمنية».
في صالة المركز انهال رجال الأمن على الوجيه والسامعي بالضرب، مستخدمين أحياناً ألواحاً خشبية. حاول رجال الشرطة إثناء رجال الأمن عن متابعة التنكيل بالضحيتين، لكن أفراد الأمن كانوا يفوقون المتواجدين في المركز من رجال الشرطة. وبعد مشقة تمكن رجال الشرطة من سحب الضحيتين من براثن الأمن، وأدخلوهما حمامات المركز، ثم شكلوا حاجزاً بشرياً لمنع أفراد الأمن المركزي من بلوغ الحمامات!
انتهى الفصل الأول من الاستعراض الأمني، إذ غادر رجال الأمن المركزي مركز الشرطة ساخطين.
بعد أن استتب الهدوء في معقل الشرطة، قام مدير المركز المقدم عبدالغني السنباني باستدعاء الضحيتين إلى مكتبه ليستوضح منهما أسباب ودوافع الاعتداء. وتم فتح محضر جمع استدلالات في مكتب المدير، لكن المعتدى عليهما لم يتمكنا من الإدلاء بأقوالهما، إذ اقتحم جندي الأمن المركزي (صالح الشبيبي) مكتب المدير، وشرع بضرب السامعي.
حسب مصادر موثوقة فإن الشبيبي كان يرتدي بدلة رياضية زرقاء اللون، وأخرج ماسورة حديدية وهوى بها على الجانب الايسر من راس السامعي. نزف السامعي بغزارة، ولاذ رجل الأمن بالفرار، وقرر مدير المركز إسعاف السامعي إلى مستشفى «الأمل». وتم إبلاغ إدارة أمن منطقة الثورة بواقعة الاعتداء على «المواطنين»، وانتهاك حرمة مركز الشرطة... الشرطة التي لم يمكنها أفراد معسكر الأمن المركزي من خدمة الشعب!
مدير مركز الشرطة قام أيضاً بإبلاغ صالح الحباري قائد المنطقة الثالثة- أمن مركزي، بواقعة الاعتداء، طالباً منه  تسليم المعتدين إلى المركز، وجاءه الرد بأن المعتدين موقوفون في المعسكر المجاور.
رجال الأمن المركزي في المنطقة الثالثة لا يتمتعون بسمعة حسنة في الجوار. كما أن لهم سوابق في تثقيف المواطنين بمفهوم «الانتشار الأمني»، أي الخطة التي بدأت وزارة الداخلية بتنفيذها العام الماضي لحماية المواطنين!
مصادر موثوقة أكدت أن بعض هؤلاء تورط في محاولة تهريب أحد المحبوسين في مركز الشرطة مطلع الشهر الماضي. ليس هذا فحسب، بل إن رجال الأمن يحسنون استفزاز رجال الشرطة إذ لا يحلو لهم الترويج عن أنفسهم بالمرح والشرب إلا في حرم مركز الشرطة.. الشرطة التي تأمل أن يكف الجيران السيئون عن إفساد الخدمة الموكلة إليها.
أُسعف السامعي إلى مستشفى الأمل، وأُسعف الوجيه في وقت لاحق إلى مستشفى القاهرة. كانا مثالين صارخين على نجاح «خطة الانتشار الأمني» التي يتباهى بها المسؤولون في وزارة الداخلية وقيادة الأمن المركزي. ومساء أمس الأول الإثنين استمعت «النداء» للضحيتين.
كانا ما يزالان تحت تأثير الصعقة الأمنية رغم مرور أسبوعين على واقعة الاعتداء. وكان أكثر ما يثير حنقهما هو أن الاعتداء عليهما وقع على مرأى من رجال الشرطة، بل إن هؤلاء الأخيرين لم يسلموا من الضرب، حسبما ورد في مذكرة موقعة من 25 نائباً في البرلمان، تطلب حضور قائد الأمن المركزي إلى البرلمان لاستفساره حول الحادثة.
النواب (وهم من كتل المؤتمر وأحزاب المعارضة)، قالوا في مذكرتهم التي سلموها إلى رئيس مجلس النواب الثلاثاء 18 نوفمبر،  إن ضابط  شرطة لم يسلم من أذى الجيران. ولفتت المذكرة إلى أن الجناة لم يسلموا إلى العدالة لينالوا جزاء ما ارتكبوه ضد مواطنين كانوا متواجدين في «بيت الأمن».
 بعد أسبوعين بالتمام، تحدث أحمد الوجيه لـ«النداء» عن تفاصيل واقعة هدر كرامته في معقل الشرطة. كان متعباً، موجوعاً. وبصوت مبحوح شرح تفاصيل «خطة الانتشار الأمني»، مستعيناً بيديه لبيان مواضع الانتشار الأمني على خارطة جسده.
مر أسبوعان بالتمام، لكن المعتدين لم ينالوا جزاءهم بعد، ذلك لأن الأمن المركزي مؤسسة خارج نطاق الملاحقة القضائية. أبعد من ذلك، فإن رجالها «ينتشرون» بحماية الرئيس علي عبدالله صالح، حسبما أبلغ العقيد صالح الحباري قائد المنطقة الثالثة- أمن مركزي، حشود المواطنين ورجال الشرطة الذين شهدوا خطة «الانتشار الامني» في الحصبة. طبق مصادر موثوقة فإن العقيد الحباري قال بنبرة رجل مطئمن لسلامة موقفه القانوني إن لديه تعليمات من فخامة الرئيس بقتل أي شخص يقف أمام معسكر الأمن المركزي (مقر الكتيبة).
ماذا ستفعلان الآن؟ سألت «النداء» ضحيتي الأمن المركزي، فأجابا بأنهما عازمان على استرداد حقهما من «جناة» الأمن، وأنهما سيتوجهان الثلاثاء (أمس) إلى النائب العام بـ«نداء» يطلبان فيه إحالة الجناة إلى النيابة المختصة.
كانا مصعوقين. وكل ما يريدانه هو استرداد كرامتهما التي أهدرت في حرم الشرطة. وقد اضطر شاب كان ينتظرهما في مكتب الصحيفة، إلى إبلاغ محرر «النداء» بأن هناك أشياء أخرى مطلوب استردادها من رجال الأمن المركزي. فإلى هدر الكرامة، استولى الجناة على جهاز موبايل العامل البسيط، وساعة يد «صاحب المطعم».
الشرطة لا تحمي الشعب في معقلها. وإزاء جيران أشرار، فإن للشرطة ربَّا يحميها، فبلاغاتها إلى كبار المسؤولين الامنيين في الداخلية والأمن المركزي تذهب أدراج الرياح. وقائد الأمن المركزي مدعو إلى البرلمان لتقديم روايته عن دوافع السلوك المشين لبعض منتسبيه، والنائب العام مطالب من عامل بسيط وصاحب مطعم بإعمال سلطته الدستورية، حتى لا يقال إن «لا صوت يعلو فوق صوت الأمن».