ما الذي يجري للعرب!!

ما الذي يجري للعرب!! - عبدالباري طاهر

 الامة العربية من أمم عديدة تتوافر لها شروط الأمة حسب أهم المقومات الاساسية.
ومع ذلك فليس هناك أمة ممزقة (باختيار حكامها) كهذه الأمة. ترتد أقاليمها واقطارها إلى ماقبل الدولة.
الدولة القبيلة، العشيرة، الاسرة، حافظت على جذرها البدائي، ورغم كل التحولات في الكون. وفي بيئتها ومحيطها استطاعت الاحتفاظ بالحبل السري الذي يربطها بداحس والغبراء وطسم وجديس وعاد وثمود، وكل القبائل البائدة والسلالات المنقرضة.
يلاحظ مفكرون مهمون أنه في حين كانت المراكز الحضرية والتمدن في المغرب العربي: المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، ومراكز الدول في المشرق العربي: مصر، سوريا، العراق، اليمن، تناظل ضد الاستعمار القديم: بريطانيا، وفرنسا، وايطاليا، لنيل الاستقلال؛ كانت بعض الحركات في الجزيرة والخليج، ومدن الحجاز والاردن، تتحالف مع بريطانيا وفرنسا ضد تركيا ولتضع أقطارها تحت رحمة المستعمر الجديد والحقيقي.
بعد نيل بعض الاوطان العربية استقلالها عقب الحرب الكونية الثانية سواء عبر حركات تحرير وطنية: الجزائر، واليمن الديمقراطية، أم عبر انقلابات عسكرية: مصر، سوريا، العراق، وشمال اليمن؛ فإن هذه الانظمة الوطنية كانت في غالبيتها غير ديمقراطية، وغيبت الحريات السياسية والحياة الديمقراطية، وقمعت حرية الرأي والتعبير، وعسكرت الحياة، مما أدى إلى هزيمة 67.
حرب 76 اعتبرت انتصاراً وأي انتصار لاسرائيل وامريكا، وللاتجاهات الرجعية التقليدية والمحافظة، وهزيمة نكراء للاتجاهات القومية واليسارية.
وكانت اتفاقيات كامب ديفيد منعطفاً خطراً على مستقبل الصراع العربي الاسرائيلي وعلى الأمة العربية كلها.
تصدى صدام حسين لزعامة التصدي، ولكنه قاد الامة إلى تحويل الصراع من عربي - إسرائيلي إلى عربي- إيراني بالتواطؤ مع امريكا والانظمة التابعة، وانتهى الامر باحتلال الكويت وصولاً إلى احتلال العراق نفسه.
وربما لأول مرة في تاريخ الامم والشعوب يمول، المستعر (بفتح الميم) جيوش المستعمر (بالكسر) ويساعده على احتلال وتدمير جزء من أرضه ووطنه، وما حصل في عاصفة الصحراء، التي شاركت فيها جيوش مصر والسعودية وسوريا.
وتتكرر المأساة الفاجعة الآن في موافقة الحكومة العراقية، وربما البرلمان، على تنظيم الاحتلال العسكري الامريكي للعراق.
ففي حين يدعو الرئيس الامريكي الجديد إلى سحب قواته من العراق فإن الحكام العراقيين المحتل بلدهم يتواطؤون مع المستعمر بوش لبقاء الاحتلال، وإطالة أمده، وتحويله إلى قواعد عسكرية. أليست مفارقة راعبة أن يكون المستعمر داعياً للانسحاب بينما المستعمر (بالفتح) حريص على بقاء مدمر بلده وحضارته وآثاره وثرواته، ويصوت الشعب المستعمر (بالكسر) لصالح سحب قواته المحتلة بينما يقر حكام العراق بقاء القوات الغازية!!؟
 في بلد التَّسامح السودان، بلد السوداني الطيب، يدمر الحكم الوحدة الوطنية ويخرب دار فور، ويشرد أبناءها ويقتل الآلاف.
ويعلن رئيس السلطة المستعمرة في فلسطين (المحتلة) أنه مصدر القرار الاوحد، في حين أن سجين، وتتعرض الضفة والقدس للتهويد، وتحاصرها المستوطنات، والجدار العازل، بينما يصر محمود عباس مهندس اتفاقيتي أوسلو ومدريد وما تناسل منهما، محتفظاً بمعارضيه من حماس كرهائن واسرى حرب، بينما يسرح المستوطنون والجيش الاسرائيلي في الضفة يقتلون أبناءها ويستحيون نساءها، ويقلعون أشجار الزيتون، يخربون المزارع والقرى. وفي غزة يصر قادة حماس على الاستئثار بالسلطة الموهومة، ويشردون معارضيهم ويفرضون قبضة بوليسية وسلطة دينية شديدة التعصب والعمى.
وتقوم الدولة المصرية بحصار غزة المحاصرة، والمعرضة -حسب المنظمات الدولية- لكارثة محققة، ويقوم الاوروبيون ومعهم بعض اليهود برحلتين بحريتين لفك الحصار بصورة رمزية في حين تغط شعوب الأمة في سبات عميق بعد أن خرب إرادتها الاستبداد والطغيان الداخلي، الأخطر من الاستعمار الأجنبي، كقراءة المبصر أكثر من الرائين الشاعر عبدالله البردوني.
يغازل بيريز، قاتل أبناء قانا، العربية السعودية بالاعتراف الماكر بالمبادرة العربية. وتنشغل السعودية بحوار الاديان، في حين لا تقبل بالتحاور مع الشيعة أو الاسماعيلية أو الصوفية أو عشرات الفرق «غير الناجية» طبعاً.
نعرف أن المسلم ملزم كشرط للاسلام أن يؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر (إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده، واوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والاسباط وعيسى وايوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داوود زبورا) النساء 63.
إن الخلاف بين العرب واسرائيل أو بين العرب وامريكا وقبلها فرنسا وبريطانيا وايطاليا ليس اختلاف الدين، وانما السياسة والاستعمار. ما بين العرب واسرائيل هو احتلال فلسطين واحتلال الجولان، والعدوان المستمر ضد لبنان. وما بين العرب وامريكا ليس خلاف الدين وانما السياسة التي تجمع بينهم وبين حكامنا، وتفرق بين حكامنا وشعوبهم حتى القطيعة والقتال.
إثارة العداوة بين السن والشيعة مفتعل يخدم اسرائيل وامريكا، شأن خلاف حماس وفتح السنيتين. فالدين البري يوظف سياسياً ليبرر به الطغاة جرائم لا يمكن أن تبرر.
معرف أن حكام امريكا، جمهوريين وديمقراطيين، علمانيون لا يحكمون بالدين (اي دين)، ويحترمون المعتقدات لشعوبهم حقاً وصدقاً.
وحكام اسرائيل سواء حزب العمل أم الليكود أم كادي، علمانيون ولا علاقة لهم بالعهد القديم (التوراة)، ومؤسسو الدولة الاسرائيلية جلهم ملاحدة يعلنون عدم تدينهم، واقرؤوا إن شئتم سلسلة  قادة العدو «دار المسيرة». إن اللعب بورقة الدين والمذهبية والطائفية داء وبيل، وحكامنا أيضاً ليسوا بالزهاد العباد المهجوسين بالتوحيد السماوي في حين يمزقون بلادهم واهلهم وأرضهم والعراق وفلسطين والسودان واليمن وحتى الصومال الذين لم ينلهم من بحركات العروبة والاسلام غير التمزيق والتقاتل. أمثلة تدمي الضمير، وتؤرق الوجدان وتدمر العقل.
وفي اليمن مهد العروبة يحتدم الجدل حول «معركة الانتخابات». فالحكم يتوعد معارضته المرتبكة بأم معارك جديدة، ويتوعد بحسم المعركة بنتائج ضحاياها قضايا شعب أسير ومغلوب على أمره، فصعدة في الشمال ماتزال في حرب معومة، فالمنازل والقرى والمزارع المخربة تنتظر إعادة البناء. والاسرى «المعتقلون» بالمئات وربما بالآلاف لم يفك أسرهم. ولا يزال شبح الحرب يحوم ويتربص في صعدة وعمران وبعض مديريات من حول صنعاء.
وهناك سبع محافظات في الجنوب تطالب الحكم بحقها في المواطنة،  وبتضميد جراح حرب 94، وإعادة ما اغتصب. وهي تقود احتجاجات مدنية يمكن للانتخابات اذا لم تكن نزيهة أن تشعلها أكثر. أما حضرموت التي تعرضت قبل أسابيع لكارثة طبيعية فإن الحكم يباهي بدوره في مواجهة الكارثة قبل أن يفرغ الناس في حضرموت المنكوبة من دفن شهدائهم، ومعالجة آثار كارثة دمرت القرى والمنازل والزراعة، وذهب السيل أو أتى على ملكيات المئات والآلاف. وتقف المعارضة مرتبكة وخجولة في طرح قضايا المعتقلين والمخفيين قسرياً، وتبني مطالب المحتجين في الجنوب أو تشكيل فرق للنزول إلى حضرموت لمساعدة المنكوبين. ولا تقوم المعارضة بأي احتجاج على ضحايا الحرب في صعدة أو معتقليها أو غزة المحاصرة، والمنكوبة، وتبدو وكأنها تردد مع عبدالمطلب: «أنا رب إبلي وللكعبة رب يحميها».
فهي لا تتبنى بالقدر الكافي مطالب شعبها ومجتمعها، وتقف مطالبها عند تخوم العائد من انتخابات أشبه بمعارك يحذر منها المعهد الديمقراطي الامريكي والاتحاد الاوروبي ومنظمات دولية مهتمة بالشأن اليمني، ويرون أنها تعمق أزمة النظام، وتضيق الهامش الديمقراطي، وتقوي الفساد والاستبداد، ولا تخدم الحياة السياسية، ولا تلبي المطالب الوطنية الملحة. و«من المحيط إلى الخليج، من اليمين إلى الوسط، شاهدت مشنقة فقط»، كإبداع محمود درويش.