التوافق على تأجيل الانتخابات ليس حلاً

التوافق على تأجيل الانتخابات ليس حلاً

من الطبيعي أن تحتل الانتخابات قائمة اهتمامات أطراف العملية في الحكم والمعارضة. وكما تعني للأول الشرعية، تعني للثاني إثبات أو تعزيز الوجود السياسي، والتغيير.
والوصول إلى قناعة بتأجيل الانتخابات البرلمانية بين الحاكم والمشترك اعتراف صريح بحجم المشكلة. فالحكم لا يمكنه الذهاب وحيداً للانتخابات مصحوباً بثلة الأحزاب «المجهرية» الموالية له تحت يافطة المعارضة، لأن مقاطعة المشترك تلقى هوى شعيباً. الانتخابات فقدت الثقة شعبياً كوسيلة تغيير، بسبب تردي الأوضاع العامة حيث تأتي في ذيل اهتمامات المواطن وربما لم يعد لها وجود في قائمة الاهتمامات، أي أن المقاطعة للانتخابات لا تحتاج إلى تحريض.
المواطن اليوم يشكو من الغلاء، الفقر، البطالة، سوء الاوضاع الاقتصادية، الأمن، الارهاب، غياب النظام والقانون، غياب القضاء المستقل... ولعل النظر في نتائج استبيان المركز اليمني لقياس الرأي العام المعلن قبل أسبوعين تغني عن محاولة الاجتهاد في الشرح، والاقناع، ويكفي أن التعليم والصحة والماء جاءت في ذيل اهتمامات المواطن اليمني وهو ما يكشف حدة البؤس والمعاناة العامة.
الانتخابات في ظل أي وضع أو اتفاق سياسي لا يضع أولويات المواطن في حسبانه ليس حلاً، لن تحقق رغبة الطرف هذا أو ذاك من ناحية، ولن تستطيع كسب الثقة الشعبية وإن نجح تنافس مراكز القوى والنفوذ في خلق تفاعل يستغل الأوضاع والحاجات بينما يكرس الفوضى كواقع معترف به ويضاعف الانقسامات الرأسية.التأجيل ليس حلاً سواءً توافق عليه الحكم والمعارضة أ لم يتم التوافق عليه، فالتأجيل هنا ما هو إلا ترحيل للأزمة والمشكلة،لا أكثر، فقط أن يكون مدخلاً للحل إذا تم الاعتراف بحجم المشكلة، بالأزمة، بالقضايا الوطنية عموماً الاعتراف بضرورة الاصلاحات الشاملة.
بشكل اكثر صراحة متى تم الاعتراف علناً بالحاجة إلى دولة تعتمد شروط مواطنه حقيقية.
الأمر ليس صعباً وإن كان يحتاج إلى ارادة استثنائية، والاعتراف بالفشل شجاعة كبيرة وحقيقية واستثنائية. والاعتراف لا يترتب عليه الاقصاء لأن الواقع وآفاق التغيير تتطلب جهود الجميع. وشجاعة المطالبة لا تقل عن شجاعة صاحب الارادة.
قد يجد البعض هذا الكلام مثالياً خاصة دهاقنة السياسة الذين يعتبرون الحقيقة دائماً أصعب من أن يتم ملامستها. وينظر رجال سلطة بالشك والريبة خاصة وأن العبء الاكبر يقع عليهم باعتبارهم مالكي الارادة والقرار وهم عادة ما يكونون محاطين بأوهام القوة والمنجزات ومهجوسين بالمؤامرات ما يجعل تقديرهم لمصالحهم ضد مصالح المواطن.
الاعتراف حل بسيط. وصعوبة البساطة ليست هينة، لكنها تهون طالما كانت بداية للبناء، للاصلاحات، والمعالجة، للتخلص من المرض فلا بد منها.
أذاً التأجيل بعيداً عمن يتحمل مسئوليته الحكم أوالمعارضة ما لم يكون مصحوباً برؤية شاملة للحل فلا معنى أو قيمة له.
لأنه في المحصلة لن يجنب البلاد عواقب وخيمة تؤكدها معطيات الواقع القائم، والتوافق على التأجيل ربما يعفي من المسؤولية الاخلاقية والحرج السياسي في الوقت الراهن لكنه لا يعفى من المسؤولية الوطنية لاحقاً.