القضية الجنوبية.. والرهان الخاسر

القضية الجنوبية.. والرهان الخاسر - فضل مبارك

حتى آخر فعالية نظمتها هيئة الفعاليات السياسية للحراك السلمي الجنوبي بمديرية حبيل جبر بمحافظة لحج يوم 13 أكتوبر بمناسبة ذكرى انطلاق ثورة 14 أكتوبر المجيدة، لم ألمس طوال مسيرة هذا الحراك منذ انطلاق بذرته الاولى يوم 25 مارس 2006، بقيام مجموعة لا تتعدى 300 فرد- من ضباط وجنود القوات المسلحة المسرحين قسراً من الخدمة بالاعتصام أمام بوابة مبنى محافظة عدن، وكنت شاهداً على جلها أن لم تكن جميعها- لا مشاركاً فيها- بحكم عملي حتى لا يصطادني البعض في مياه عكرة.
لم ألمس قط النية أو توجهاً لدى هذه الفعاليات بالتخلي عن الخيار السلمي واللجؤ إلى العنف بحمل السلاح، وحتى مع تصاعد وتيرة هذه الفعاليات وبلوغها ذروتها كان خيار السلاح مستبعداً، صحيح أن هناك نوازع لدى البعض وفق «أن لكل قاعدة شواذ» لكن بالحديث عن السواد الأعظم فإن «سلمية» النضال هي المحرك والرهان باعتبار -وفق رؤيتهم- بأن قوتها جبارة وسوف تحقق أهدافها -وهو الأمر الذي يدفعهم للتمسك بها والضغط عليها بالنواجد وكبح جماح من يحاول الخروج، وهم قلة. ومع ما أقدمت عليه السلطات ولا تزال حتى آخر فعالية من إجراءات استفزازية ومواجهة العزل من السلاح بالرصاص الحي ومسيلات الدموع وخراطيم المياه، -كما حدث في شارع أمين ناشر بخور مكسر وفي ساحة الهاشمي بالشيخ عثمان وفي الضالع والحبيلين وأبين وغيرها -إلا أن الناس المشاركين في تلك الفعاليات كانوا عند مستوى ما آمنوا به وأرتضوه طريقا لنضالهم حتى لا يفتحوا ثغرة على أنفسهم، يستغلها النظام للبطش بهم. كيف لا.. وما تقوم به السلطات بشع ودون أن تلقى رداً، مع أنه بمقدور الطرف الآخر الرد بذات الطريقة.
لكن إيمانهم من خلال ما أسفرت عنه دورات السلاح بأنها لن توصل الرسالة كما ينبغي لها أن تصل وأن هدفهم يتحقق بأفضلية عن طريق النضال السلمي بدل المواجهات، حتى وإن كانوا يدفعون الثمن دماءً وأرواحاً، برصاص النظام.
وللحقيقة فإنه بعد ذاك القدر من الكبرياء والسمو فوق الألم والجراح الذي تحلى به أهالي وأقارب ومحبي شهداء وجرحى منصة ردفان الذين سقطوا وهم يستعدون للاحتفاء بعيد انطلاق ثورتهم ضد الاستعمار البريطاني التي يسعى النظام اليوم إلى تغييبها وطمس هويتها، حيث وقد آثر هؤلاء الرجال أنفسهم في سبيل هدف سام بأن فوتوا الفرصة، وبذلك فإنه بعد هذه «الكارثة»، فإن تحول خيار الحراك الجنوبي من «السلمية» إلى «السلاح» أمر مستبعد من رؤى وبرامج أصحابه، بالقدر الكافي الذي يحصن هذا الحراك من نجاح محاولات الاختراق من قبل النظام بمحاولات التأثير والإغواء والإغراء ودس عناصره في مسعى لتفتيت التماسك وزرع بذور الشقاق والتشكيك وخلق كيانات قيادية غير لتقديمها كأنها هي الاساس، والتي من خلالها يتم الإيعاز إلى هذه العناصر بطرح خيار المواجهة بالسلاح مع النظام، تحت ذريعة المعاملة بالمثل والعين بالعين والسن بالسن والبادئ أظلم، وبأن المسيرات والمهرجانات والبيانات لن تحقق هدف هذه الألوف وهو الهدف الذي يتباين بين هذه الجموع، إذ يلتقي في «حل القضية الجنوبية» ويفترق في كيفية وطبيعة وغاية هذا الحل.
واذا ما صدقت الانباء المتداولة بين الناس في ضمن أجندة النظام لعملية اختراق الحراك الجنوبي السلمي، بتجنيد كثير من عناصر الجماعات الاصولية والارهابية المتشددة وزرعها في كيان هذا الحراك لتحقيق مآربه بتفجير الموقف بالاستناد إلى عقلية وضحالة فكر كثير من تلك العناصر التي تنقاد لأتفه الاغراءات. ومع أن مراهنة كهذه يمكن أن تؤتي ثمارها لكنها بالتأكيد ليست بذات القدر الذي ستخلقه عواقبها، ولنا في تنظيم الجهاد، الذي شاركت عناصره في حرب صيف 1994، وتنظيم الشباب المؤمن، عبرة ودروس إن كان هناك من يستحضر العبر والدروس للاستفادة.
مع أن الرأي الارجح من خلال الوقوف على خلفيات مجمل هذه القضايا ودواعيها يوحي بضعف نجاح هذا الرهان سوا من خلال تماسك الحراك بالقدر المعقول وتمسكه بالخيار السلمي منهجاً ووسيلة وإدراكه لأبعاد وعواقب غيره من الخيارات هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى حالة العداء والضغينة التي تولدت ونمت لأكثر من عشر سنوات بين النظام وتلك الجماعات، والتي نشأت بسبب عدم إيفاء النظا بوعوده وعهوده لهذه العناصر، بل وقيامه في كثير من المرات إلى تنفيذ حملات عسكرية ضدهم وعمليات اغتيال لهم.
وبذلك فإن عمل النظام على حل «القضية الجنوبية» حلاً سلمياً وعادلاً بما يؤمن للجنوب وأهله حقهم غير المنقوص في الوطن والثروة والوظيفة هو الافضل، حتى لايجد النظام نفسه منبوذاً في مساحة واسع من الوطن ولدى قطاع واسع من الناس.