القناعة كنس لا يفنى

القناعة كنس لا يفنى - نبيل قاسم

«أيها الفقر! سأحاصرك، سأقضم أظافرك»
بابلو نيرودا
الفقر يفرض على الإنسان كثيراً من السلوكيات. الفقر أشد شراسة من السلطة في البحث عن شرعية استمرارية. وكثير من المحاولات للتخلص من الفقر تؤدي بالنهاية إلى فقر أشد.
الفقير حين يذهب إلى الصيدلية، يجعله الصيدلي أمام اختيارين: أن يشتري الدواء الجيد وهو غالي الثمن. أو يشتري الدواء الرخيص فيزداد مرضاً! وبالطبع تجده يأخذ الدواء الرخيص الذي قد يقوده إلى حافة الموت أو يوقفه عند حده مريضاً أبدياً، ما لم تتدخل عوامل أخرى. الفقير يشتري حذاء رخيصاً وملابس رخيصة تهترئ سريعاً  فتجده دائم الحاجة إلى مثل هذه الاشياء أو أنه يلجأ إلى الاسكافي أكثر من مرة، حتى حين تسقط الامطار يأخذ حذاءه بيديه كي لا يتمزق، مضحياً بقدمية الاجهزة المنزلية أيضاً تعطب بسرعة، مما يجعله يفتش عن مهندسين لا يطلبون ثمناً مرتفعاً. وتجده يخسر ويخسر محاولاً البقاء واقفاً كل يوم يفاجأ هذا الفقير بموضوع يتطلب ميزانية معنية وكل مرة تجده يضطر لأن يكذب، مهدئاً صحاب البقالة ومهدئاً مؤجر البيت وتجده مشغولاً يحاول أن يعيش يوماً هادئاً. وحين تسأله عن أحواله في الصباح تجده هادئاً. أما إذا سألته عن أحواله في المساء فستجد أنه قد تكهرب أكثر من مرة في اليوم. هكذا تجده يهرب باتجاه الاحلام التي تنقذه للحظة، ثم يهرب باتجاه الشتائم التي تريحه قليلاً، ويهرب باتجاه الصلاة التي تهدئ من روعه، ويهرب باتجاه القناعة مجبراً، ويهرب باتجاه حسن الاخلاق. فالفقر لا يتناسب مع الاخلاق السيئة أحياناً!
الفقر يجبرك على اختيار أصدقائك الذين لا تحس قربهم بأنك فقير. ويجبرك على اختيار الاكل الذي لا يجعلك تحس بأنك فقير، وبإمكانك اتقاء أعين الناس. لكن لا يمكنك الهروب من نظرة عينيك لوجهك الذي يتشكل عاكساً فقرا يحدق منك حاقداً عليك، فتضطر أن تبتسم. الفقر رديف للرداءة، فما الذي يجعل الرداءة مرادفة لك؟ أهو اختيارك؟ ولا يجب أن يفترض الفقراء أنهم بمنأى عن الازمة المالية العالمية فهم أول من سيتضرر منها.