خيام مهمشة على ضفاف سائلة الحصبة.. تداخل صور الرئيس وخيل المؤتمر مع أصوات الجياع والذباب

خيام مهمشة على ضفاف سائلة الحصبة.. تداخل صور الرئيس وخيل المؤتمر مع أصوات الجياع والذباب - بشرى العنسي

 
تمتلك «زهرة» ابنتين إحداهما أليمة في أحد المحاوي والثانية مُعاقة وتحملها دائماً بين ذراعيها.
«دُنيا» ذات السبع سنوات اختزل اسمها الكبير داخل محوى، وتقوقع جسدها الصغير مع الإعاقة فأصبحت لا تملك من الدنيا سوى الاسم.
حمى شوكية هاجمتها وهي في شهرها الرابع ومن حينها وهي حليفة المرض وقرينة ذراعي أمها.
هي كانت قد خضعت لعملية في مخها ومن المفترض أن تجرى لها عملية أخرى في الظهر بعد شهرين من الآن.
أمها الأرملة والمعُيلة لستة أطفال لم يدخل الطحين خيمتها منذ زمن، فلا عجب أن تتسأل من أين ستأتي بتكاليف العملية.
«زهرة» ودنياها وبقية أطفالها ما هي إلا أسرة واحدة من بين 450 أسرة تتآزر خيامها على حافة سائلة الحصبة.
حسن الشرماني وعلي أحمد سعد عُقال حوى المهمشين بالمناصفة، هم لا يعرفون عدد الاشخاص بالضبط، لكنهم يجزمون بأن الأسر 450 أسرة، ويعرفون أيضاً أن الأسرة الواحدة تحتوي من خمسة إلى خمسة عشر فرداً.
عُين عاقل المحوى مندوباً عن كل خمسين شخصاً، وعن عمل أولئك المندوبين يقول علي إبراهيم الحكمي -أحد المندوبين: «مهمتي ضبط المجموعة التي تحت يدي من عدم مقاومة الدولة، وعدم الفوضى إضافة للمطالبة بحقوقهم».
أولئك المهمشون وبرغم الفاقة والمذلة يصرون على عدم مقاومة الدولة، ولا يزالون يحملون أملاً ويعلقونه على الرئيس والمؤتمر.
في كل لقطة كانوا يحرصون على رفع صورة الرئيس وعلم المؤتمر ظناً منهم أن هذا قد يحرك المشاعر الإنسانية في رئيسهم وحزبهم (المؤتمر) الذي ينتمون إليه.
ففي حين ترفرف أعلام المؤتمر فوق الخيام المنصوبة على السائلة منذ ثمانية أشهر وفي حين تقبع صور الرئيس داخلها، أيضاً تُسمع صرخات الأطفال الجياع المتطايرة مع الذباب والبعوض.
الرئيس المنشغل بدمل نتائج حرب صعدة وتكوين هيئة تحمي الفضيلة، ربما لن يستطيع الالتفات ليرى صوره المرفوعة، ولن يسعفه الوقت لسماع خفقات علم المؤتمر والمناشدة التي حملني إياها أولئك الناس لإيصالها إليه.
 
ضحايا خطبة جامع
قبل ثمانية أشهر لم يكن لتلك الخيام أثر، لكن خطبة على لسان خطيب جامع الهداية بالحصبة كانت سبباً لنصبها.
علي أحمد سعد -عاقل المحوى، يقول إن الخطيب أطلق عبارات عنصرية ضدهم ووصفهم بالنجسين، مما دفع أصحاب البيوت لرفع الإيجار الذي صعب على المهمشين دفعه فانتقلوا للخيام.
الإيجار المرتفع جعل كثيرين يتركون منازلهم وينضموا لمحوى السائلة بالحصبة كون أغلبهم بلا عمل.
الاتحاد الوطني للفقراء والذي لجأ إليه أولئك المهمشون، طلب منهم إخلاء المنطقة ووعدهم بعد شهرين من إخلائهم أن يوفر لهم سكناً، لكن المهمشين يتسألون: أين نذهب خلال ذينك الشهرين.
قبل شهر هاجم «شيولان» ومجموعة من العساكر، المحوى لإجبارهم على تركه. تدمير عشرين خيمة وإصابة امرأة ورجلين كان نتيجة ذلك الاعتداء حد قولهم إضافة إلى تهديدات يطلقها نائب الاتحاد الوطني للفقراء بحرقهم إذا لم يخلوا المكان.
 
وقبائل أيضاً
المحوى المحسوب على المهمشين يضم قبائل أيضاً دفعت بهم الحاجة لنصب خيامهم هناك؛ «فاطمة أحمد قاسم» أم لخمسة أطفال قدمت من حجة إلى صنعاء قبل 14 سنة مع زوجها المجنون حالياً، اعتادت أن تقاتل من أجل الحصول على إيجار منز لها مرة ساعدها الكحلاني أمين العاصمة الأسبق، في دفع إيجار شهرين.
«فاطمة» لم تعد قادرة على المتابعة والجري وراء دفع الإيجار الذي ارتفع، فآثرت الانضمام إلى المحوى الذي لا يكلفها سوى خيمة للسكن.
«شوعي محمد الشرفي» 67 سنة قدم من حجة أيضاً وبسبب الإيجار المرتفع أصبح أحد ساكني المحوى مع أسرته المكونة من 9 أفراد إضافة لابنته وزوجها وأطفالهما.
 
مطبخ صنعاء وحمام السائلة
لم يكن هناك ما يدل على وجود أي مطبخ في تلك الخيام، وربما لا حاجة لأولئك الناس به؛ فهم يقتاتون بالتسول وصنعاء بكاملها صارت مطبخاً يبحثون فيه عن لقمتهم.
الحمامات كماليات أيضاً في عالمهم، لذا آثروا الاستغناء عنه مكتفين بالسائلة بطولها كحمام مشترك.
تزامنت زيارة «النداء» للمنطقة مع أعمال التنظيف للسائلة التي هي بعيدة كل البعد عن لفظ سائلة، فهي إضافة لكونها لم تكتمل منذ سنوات، أصبحت مكاناً لتجمع القمامة والذباب والبعوض ومع سقوط المطر تتحول السائلة إلى بالوعة.
تجمهر الناس حول السائلة حينها يشاهدون أعمال النظافة التي لم يعهدوها لفترة طويلة، في حين كان الشيول منهمكاً بجرف أطنان من القاذورات.
أطفال المحوى، وما أكثرهم، تجمهروا هم أيضاً ليراقبوا. في حين لم يصل ل أشجان والعنور وسمير الذين لم يكملوا أسبوعهم الأول سوى صوت المحركات.
الأخيرون قدر لهم أن يولدوا في ذلك المكان وفي تلك الظروف الاجتماعية وفي بلد كاليمن وتحت راية المؤتمر.
boshrasalehaliMail