حرب في عنبر الحوثيين

لا مكان للقانون في حضرة الأنظمة البوليسية. لذا ما يزال علي محمد مهرش وأحمد صالح عثمان وحميد غالب اللكومي وعباس حسين شرف الدين، ومحمد أحمد الذارحي، يقبعون في السجن المركزي بأمانة العاصمة رغم انتهاء مدة العقوبة.
خلال الشهور الثلاثة الماضية توالت مذكرات النائب العام وأوامر النيابة الجزائية إلى إدارة السجن المركزي ومكتب وزير الداخلية تطالبهم بالافراج عن السجناء الخمسة، لكن حراس السلطة المنغمسين في تقديم ولاءات في عالم «الحرب على الحوثية»، سدوا باب الخلاص, وقرروا التمرد على القانون.
في رسالة وجهها المنتهكون الخمسة إلى مطهر الشعبي- مدير عام مصلحة السجن المركزي بصنعاء، ذكروه أنهم قضوا المدة المحكوم بها عليهم وزادت ثلاثة أشهر. «هل نسيت أن بقاءنا عندك مخالفة قانونية ويعاقب عليها القانون كما نصت المادة 167 من قانون الجرائم والعقوبات: (يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على ثلاث سنوات أو بالغرامة كل موظف عام أمر بالعقاب لشخص أو عاقب بنفسه بغير العقوبة المحكومة عليه بها أو بأشد منها أو رفض تنفيذ الأمر بإطلاق سراحه مع كونه مسؤولاً... الخ).
وقالوا: «لقد تضررنا ونفد صبرنا ونحن متضايقون وننتظر كل ساعة ودقيقة متى ينادى بأسمائنا بعد أن تسلمنا أوامر الافراج».
أعاد الشعبي الرسالة لهم وفي الزاوية اليمني أسفل الرسالة رد عليهم: «حياكم الله أنا عارف أنه غير قانوني، ولكن توجيهات من الوزارة بالتحفظ عليكم حتى يتم التشاور مع النيابة الجزائية، وإمضاء».
وزارة الداخلية تلقت ما يزيد عن أربع مذكرات من النائب العام طالب فيها الوزير التوجيه لإدارة السجن لتنفيذ قرار النيابة الجزائية بالإفراج عن السجناء الخمسة. كان آخرها مذكرة حملت تاريخ 9/8/2008.
معلوم أن السجناء تم محاكمتهم ضمن أعضاء خلية صنعاء الأولى والثانية وقضى منطوق الحكم بحبسهم 3 سنوات، وكان يفترض أن يغادر:
علي مهرش في 2 مايو الفائت
احمد عثمان في 5 مايو الفائت
حميد اللكومي في 10 مايو الفائت
عباس شرف الدين في 15 مايو الفائت
محمد الذارحي في 21 مايو الفائت.
رغم تأخر وصول قرار النيابة الجزائية المتخصصة إلى نيابة السجن بالإفراج عنهم حتى 3يونيو الفائت، فإن أعمالاً همجية مورست مؤخراً ضد السجناء اعتبرتها أسرهم مؤشرات تكشف عن نوايا عدوانية ضد أبنائهم.
وعلمت «النداء» أن السجناء أضربوا عن الطعام والشراب والخروج إلى الشماسي (باحة السجن الداخلية) ابتداء من منتصف الاسبوع الفائت احتجاجاً على إبقائهم في السجن بعد انقضاء مدة العقوبة، خلافاً للقانون.
 
 
***

أفرجوا عن الضابط بعد التزام مدير السجن بعدم الاعتداء عليهم
التلويح بمقاضاة المصري والعلفي
 
 
توقفت الحرب في محافظة صعدة منذ 4 أسابيع، لكنها تجددت في السجن المركزي بأمانة العاصمة.
فجر الأربعاء قبل الماضي شنت قوات من الأمن المركزي الخاصة بحماية السجن هجوماً همجي على نزلاء العنبر 27 أثناء نومهم، ما أدى إلى سقوط 4 جرحى من بين 27 سجيناً أدينوا بتشكيل خلية حوثية منتصف العام 2005. وأفاد أهالي السجناء في رسالة بعثوا بها الأحد الماضي إلى عبدالله العلفي النائب العام، ومطهر المصري وزير الداخلية، أن اقتحام قوات الصاعقة للعنبر تزامن مع إطلاق النار الحي من تحت النوافذ، وأكد أن الهجوم استهدف بالدرجة الرئيسية السجناء الخمسة الذين أنهوا مدتهم المحكومين بها، وأوضحوا أن أثنين من ال5 السجناء تعرضا لإصابات بالغة هما «علي مهرش وحميد اللكومي»، الأول أصيب بآلة حادة في الرأس نتج عنها فتحه بعمق 7 مم، فيما الثاني أصيب في ساقه الأيسر.
وحملت الأسر النائب العام ووزير الداخلية مسؤولية ما لحق بأبنائهم.
وإذ لوحت إلى أنها قد تلجأ إلى ملاحقتهما قضائياً لفتت إلى أن الاعتداء على السجناء العُزل أثناء نومهم يُعد من جرائم الحرب.
وعلمت «النداء» من مصادر خاصة أن السجن المركزي شهد ليلة الأربعاء الماضي حالة طوارئ جراء قيام نزلاء العنبر 27، با حتجاز أحد الضباط الذين قاموا بالاعتداء عليهم.
وحذروا بقية أفراد وضباط السجن أن أي محاولة متهورة لتخليص زميلهم ستعرضه للخطر.
وقالت المصادر إن السجناء استخدموا تلفون الضباط (المحمول) واتصلوا بأسرهم وأبلغوها بحادثة الاعتداء كما واتصلوا بمدير السجن واشترطت عليه الالتزام بعدم الاعتداء عليهم مقابل الافراج عن الضباط.
المصادر أفادت إن وزير الداخلية طلب معالجة المشكلة دون نتائج سلبية، وأن السجناء أطلق سراح الضابط عقب تسلمهم التزاماً خطياً من مدير السجن أكد لهم عدم الاعتداء على أي من السجناء (حصلت الصحيفة على صورة من الالتزام). وقال بعض أسر السجناء لـ«النداء» أن نيابة السجن لم تحقق في واقعة الاعتداء على أبنائهم كما وعد مدير السجن.
وكانت المنظمة اليمنية للدفاع عن الحقوق والحريات الديمقراطية طالبت من النائب العام زيارة نزلاء العنبر 27 للتأكد من حادثة الاعتداء والتحقيق مع الجناة.
 

***
 
 
قتل عبدالرحمن ب12 طلقة رصاص بعد ترديده شعار الحوثيين
شرف الدين سأل «علي» إبنه المصاب في السجن: «أوجعوك؟»
 
وقف أحمد شرف الدين، ظهيرة السبت قبل الماضي، أمام شباك الزيارة بالسجن المركزي بأمانة العاصمة، يرقب بقلق ظهور ابنه «علي» 24 عاماً. بعد أن تردد نبأ قيام قوات الأمن المركزي الخاصة بحماية السجن، بالاعتداء على السجناء الذين أطلق عليهم خلية صنعاء الاولى والثانية.
إلى شرف الدين، اصطف عدد من أقارب زملاء «علي» وقبل خروج المنتظرين إلى شباك الزيارة حاول الأب الهلع بذل كل ما بوسعه كي يبدو متماسكاً أمام ابنه.
حضر الأبناء وشرع الزوار في الاطمئنان على حالتهم وإن كانوا تعرضوا للأذى، لكن شرف الدين 57 عاماً، لم يتوغل في البحث عن تفاصيل معلنة؛ إذ كانت الكدمات ظاهرة على وجه ابنه وعنقه وساعديه، فضلاً عن إصابات في جميع أجزاء جسده.
 واكتفى الأب بسؤال واحد، لا ينتظر إجابة عليه: «أوجعوك؟».
محنة أسرة شرف الدين شارفت على إتمام عامها الرابع، لكن حراس السلطة الغيورين يكافحون لتخليد روحها.
في ال5 من مايو 2005 اعتقلت قوات الأمن علي أحمد شرف الدين، طالب المستوى الثاني في كلية الهندسة بجامعة صنعاء، مذاك تتالت المصائب على الأسرة.
بعد 19 يوم من الاعتقال تلقت الأسرة اتصالاً من أحد ضباط البحث الجنائي أبلغها أن أبنهم عبدالرحمن (18 عاما) قتل وعليها استلام جثته من ثلاجة الموتى بمستشفى الكويت.
وبعد 3 أشهر عرفت الأسرة أن «علي» قدم ضمن 36 آخرين للمحاكمة بتهمة تشكيل خلية حوثية والتخطيط لتصفية قادة عسكريين، وحكمت المحكمة الجزائية بسجنه 8 سنوات.
 طبقاً لشرف الدين، فإن عبدالرحمن الذي كان تخرج لتوه من الثانوية وحصل على معدل 92٪_ علمي، كان يرتب للسفر إلى ماليزيا لدراسة الهندسة التعدينية، وحين اعتقل شقيقه الأكبر، توجه إلى الجامع الكبير وهتف مردداً شعار الحوثيين:الله أكبر الموت لأمريكا الموت لاسرائيل. لحظتها صار عبدالرحمن ملاحقاً أمنياً، و توارى في شقة بجوار القبة الخضراء في مديرية معين بالعاصمة رفقة ابن عمه إسماعيل.
 ضابط البحث حين أبلغ الأسرة بخبر مقتل عبدالرحمن راوياً سبب مقتله وإسماعيل، قال لها: عبدالرحمن حاول إلقاء قنبلة على أفراد الأمن الذين داهموا الشقة التي كان مختفياً فيها لكنه فشل وانفجرت وقتلته وابن عمه.
الأب كذب الرواية الأمنية وقال: إن النيابة كلفت طبيباً شرعياً لفحص الجثتين وتبين أن عبدالرحمن قتل ب12 رصاصة من الظهر واسماعيل قتل ب7 رصاصات أيضاً من الظهر.
لكن مطالبته النيابة للتحقيق في أمر تقرير الطبيب الشرعي تم تجاهلها.
 شرف الدين المحاسب القانوني والناشط في حزب المؤتمر الشعبي العام، لم يألف الظلم، ولم يتكيف مع الغول، وكان لزاماً على قلبه أن يدفع ضريبة موقفه؛ إذ أجرى عملية جراحية في الاردن، قبل أربعة أشهر لاستبدال أربعة شرايين في القلب، وطلب منه أطباؤه تجنب الانفعالات والقلق.
إلى قلب الأب أصيبت والدة «علي» بجلطة في الدماغ حال عرفت بخبر مقتل ابنها عبدالرحمن، وجده لأبيه فقد بصره.
وعبر «النداء» طالب شرف الدين من الرئيس علي عبد الله صالح، باعتباره «رجل السلام والأحرص على وقف نزيف الدم» التدخل للإفراج عن ابنه ومحاسبة من قام بالاعتداء عليه وزملائه في السجن.
 

***
 
محمد مفقود وعبدالخالق في السجن المركزي وعبدالرحمن
في السجن السياسي وإبراهيم معاق وانتصار مشردة
السياني عميد المنكوبين
 
حين اندلعت المعارك بين الجيش والحوثيين في محافظة صعدة 2004، تعاضدت الأجهزة الأمنية في العاصمة مع الجيش، وخاضت معارك ضد مواطنين عزل وشنت حملة اعتقالات لمن يشتبه أنهم من أنصار الحوثي، وفي منطقة الجراف، ألحقت بموظف البنك المركزي العم علي السياني وأسرته هزائم متتالية!.
مساء ال4 من مايو 2005 داهم جنود من إدارة مكافحة الارهاب منزل «إيهاب الكحلاني» في منطقة الجراف شرق العاصمة، وعندما لم يجدوه في المنزل أخذوا زوجته «انتصار السياني» التي كانت حاملاً في الشهر السابع، وأودعوها السجن.
وصباح اليوم التالي كان العم علي السياني، (والد انتصار) وابنه عبدالخالق في قسم حمير يحتجان على اعتقال انتصار (22 عاماً) لكنهما قوبلا بالصد، وبعد محاولات عدة قبل المسؤول الأمني في قسم حمير إطلاق سراح الابنة على أن يبقى شقيقها رهينة لدى القسم إلى أن تنتهي التحقيقات.
خرجت انتصار في 5 مايو 2005 (ظهر اليوم الثاني من السجن) وحل عبدالخالق (23 عاماً) بدلاً عنها.
بعد ثلاثة أشهر كان عبدالخالق وشقيقته انتصار وزوجها ضمن قائمة من 36 آخرين متهمين بتشكيل عصابة مسلحة والتخطيط لتنفيذ أعمال إرهابية أطلق عليها أعضاء خلية صنعاء الحوثية الأولى والثانية.
وفي 22 نوفمبر 2006 قضى حكم المحكمة الجزائية المتخصصة بسجن انتصار السياني 3 سنوات سجن مع وقف التنفيذ، وسجن عبدالخالق 8 سنوات، وإيهاب الكحلاني 10 سنوات.
مذ ذاك صارت انتصار انطوائية، وانفصلت عن محيطها الاجتماعي، فيما شقيقها عبدالخالق الحاصل على دبلوم من المعهد العالي للتوجيه والارشاد يقضي عقوبة السجن في مركزي صنعاء.
لم تنته محنة السياني الذي يلقبه أصدقاؤه بـ«عميد المنكوبين».
في 24 مارس 2007، كان عبدالرحمن (20 عاماً) كعادته يحمل الطعام إلى شقيقه السجين عبدالخالق، وفي ساحة السجن انقض عليه رجال الأمن وسحبوه على مرأى الزوار وأودعوه سجن البحث الجنائي- إدارة مكافحة الارهاب، وبعد أسبوع نقل إلى معتقل الأمن السياسي بالعاصمة، ليبدأ العم علي السياني خوض جولة جديدة في متاهات ألاعيب الأجهزة الأمنية، وعرف الأب المنكوب في الأمن السياسي أن عبدالرحمن متهم بتوزيع منشورات تابعة للحوثي: «قبضوا عليه وهو يحمل أكل داخل ساحة السجن» قال السياني ساخراً من الرواية الأمنية.
 ظهيرة الأحد الماضي زار السياني مقر الصحيفة والراجح أن الزيارة خصمت من حساب ابنه عبدالخالق. إذ صار السجن المركزي وسجن الأمن السياسي يتحكمان بالنظام الزمني للسياني وأسرته ووفقاً لخيارات جنرالات السجن حددت تحركات الأسرة:
«أدوا لنا أيام وأوقات مخصصة لزيارة عبدالخالق: السبت، الأحد، الثلاثاء، الاربعاء، والأمن السياسي سمح بزيارة عبدالرحمن ظهر الثلاثاء بس». أفاد السياني لـ«النداء».
 الحرب اندلعت في صعدة وفي العاصمة انتزعت جميع أبناء السياني.
فعندما بدأت المواجهات بين الجيش والحوثيين في 2004 توجه ابنه محمد إلى صعدة، ومذ ذاك انقطعت صلته بالأسرة، حينها كان عمره 18 عاماً.
ويقضي ابنه عبدالخالق عقوبة السجن بتهمة تشكيل خلية حوثية، فيما انتصار اعتزلت عن محيطها الاجتماعي، وعبدالرحمن اعتقل بتهمة توزيع منشورات حوثية بعد أن أنهى امتحانات الفصل الأول في كلية التجارة بجامعة صنعاء وحصل على تقدير أمتياز.
فيما إبراهيم (16 عاماً) صار معاقاً ذهنياً، جراء إصابته بشظية في الدماغ، وأخرى بترت ساعده الأيمن أثناء بحثه عن شقيقه محمد في صعدة خلال الحرب الثانية.
محمد مفقود
«عبدالخالق» في السجن المركزي
«عبدالرحمن» في السجن السياسي
«ابراهيم» معوق
«انتصار» مشردة.
هكذا ردّ السياني على سؤالي عن حالته!!.
balsaeed