حجج تساعد على الهضم

حجج تساعد على الهضم - نبيل قاسم

حينما يتحاور الناس تجدهم يعتمدون على حجج واستدلالات وقناعات تساعدهم في دعم وتقوية آرائهم و من أجل أن يسهل هضمها، يقول أحدهم: المؤتمر كلهم سرق. ويصيح الآخر: لالالا.. ليس كلهم، ربما يكونون الثلث منهم، لكننا لا نستطيع أن نعمم. ويقتنع الآخر بهذه الحجة لأنها منطقية، فالتعميم غالباً ما يكون غير صحيح، ثم يأتي الدعم: السرق موجودون في كل العالم وليس في اليمن وحدها، ثم إن هذا العدد القليل يشوه سمعة الحزب، وتجد الآخر يوافق قائلاً: أنا معك أنا معك. ثم تجدهم يتفقون بعد أن وازنوا المسألة وأخذت مسارها المنطقي الذي يرضي الجميع، الصلح على طريقة ثلثين بثلث. وحين يحدث لك حادث وتنكسر يدك اليمنى، يقول لك الناس: إحمد الله لم تنكسر اليسرى أيضاً، وحين تنكسر كلتا يديك، يقولون لك: إحمد الله لم تنكسر أقدامك، وحين تنكسر يداك وقدماك يقولون لك: احمد الله لم ينكسر العمود الفقري. وحين ينكسر العمود الفقري يقولون لك إحمد الله لم تنكسر جمجمتك، وحين تنكسر جمجمتك أيضاً...، وليس عليك أبداً أن تتبع طرق السلامة وتبقى سليماً معافى، وبنفس هذه الطريقه علينا أن نحمد الله أن الوضع في اليمن ليس سيئاً لدرجة الصومال أو أوضاع الشعب الفلسطيني أو أوضاع الشعب العراقي، أو أي شعب تعرَّض لكارثة طبيعية أو غير طبيعية، ويتناسى الجميع الحديث عن مستوى البلدان الخليجية المجاورة، أما المقارنة بالبلدان الإسكندنافية، فهذا جنون ليس بعده جنون وهذا طبعا حقيقي.وحين تتحدث عن الفقر الذي يعاني منه الناس، ينط أحد المتحاذقين صائحاً أنا أعرف أحد الأثرياء ويعاني من مرض السرطان،ماذا فعلت له ثروته، ويصيح آخر أنا أيضاً أعرف أحد الأثرياء والأطباء منعوه من الأكل والشرب، ولكن إذا سألتهم أليس هذا نادر الحدوث حتى أنكم أخذتموه كحجة، أما أنا فأعرف آلاف الفقراء الذين يعانون من مرض السرطان والسكري وارتفاع ضغط الدم وكثير من الأمراض في نفس الوقت. ولا يتحدث عنهم أحد لأنهم كثيرون لا يضرب بهم المثل..
حجة أخرى بليدة وهي عبارة عن مثل شعبي"جني تعرفه ولا إنسي ما تعرفوش"، لماذا لا يحورون هذا المثل ويصبح إنسي ما تعرفوش خير من جني تعرفه!!
 ياجماعة في أي عرف إنساني إذا كان هناك سارق واحد فإنها جريمة كبيرة، إذا كان هناك معتد واحد، فهذه جريمة، لماذا ننتظر أن يصبح ثلثا البشر لصوصاً حتى نبدأ في التفكير بالأمر؟ لماذا ننتظر حتى نتهشم ونفقد كرامتنا ونفقد إنسانيتنا حتى نبدأ التفكير بالأمر؟ وإلى متى سنظل نعتمد على حجج تؤدي إلى نهايتنا؟ لماذا نتعلم ونجرب وتزداد خبرتنا ثم نعود ونتحدث مثل أي مغفل ورث أمثالاً شعبية وثقافة مليئة بالتناقضات ويعيش معها هانئاً? يالله.. نحمد الله إننا عايشين ونتنفس وأننا فقراء لا نمرض، وأننا نعيش مع جن لا نعرفهم ولا يعرفونا، وأننا نعيش في وضع أحسن من أوروبا أثناء الحرب العالمية الثانية،حجج كهذه تسهل علينا هضم الحياة هذه التي تستعصي على الهضم.