تبة توفيق

تبة توفيق - رشاد علي الشرعبي

"تشتينا نحقق مع توفيق صالح.. شي عقل؟" هذه العبارة قذف بها كنصيحة موظفو النيابة العامة للمهندس محمد الحكمي الذي لجأ للقضاء كملاذ أخير لاسترداد أرضيته التي قال إنها 25 لبنة، ورأى حماة الوحدة الوطنية ضرورة ضمها إلى تبة نجل شقيق الرئيس، والواقعة خلف (تبة النهدين) حيث دار الرئاسة.
أرضية الحكمي التي وقبل أن يشتريها تفحص أوراقها حتى لا يقع في ورطة نزاع مع آخرين, كشأن الكثير من الأراضي في مدننا اليمنية, كانت الضرورة الوطنية تحتم ضمها لـ"تبة توفيق"، والتي كان يطلق عليها "تبة قزان"، وتبلغ مساحتها 7600 لبنة, بهدف ترسيخ عرى الوحدة الوطنية وتعزيز استقلال القضاء وتوطيد أركان النهج الديمقراطي ومداميك الثورة اليمنية.
بمجرد أن قرأت رد موظفي النيابة الوارد في مادة للزميل علي الفقيه في صحيفة المصدر, قفز إلى مخيلتي على الفور مشهدان تاريخيان قرأنا عنهما منذ الصفوف التعليمية الأولى, وهما مشهد الفاروق عمر بن الخطاب – رضي الله عنه- وهو يعطي القبطي الحق في الاقتصاص من نجل والي مصر (عمرو بن العاص) ويأمره أن يضرب (ابن الأكرمين) ليطلق مقولته الشهيرة "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا".
والمشهد الثاني كان للإمام علي بن أبي طالب – كرم الله وجهه – وهو خليفة المسلمين, حين وقف وخصمه اليهودي أمام القاضي الذي يفصل في شكواه مساوياً له ورفض أن يجلس بجوار القاضي ما سيجعله في درجة أعلى ومميزة تمنع المساواة أمام القضاء.
لكن مشهداً ثالثاً أظنه سيربط الماضي بالحاضر, حيث تقاضى مالك مزرعة في منطقة الروضة بصنعاء والإمام – لست متأكداً إن كان يحيى حميد الدين أو نجله أحمد– وقرر القاضي أن المزرعة ملك لصاحبها خصم الإمام، والتزم الأخير بذلك, ذات المزرعة (لطشها) قبل أعوام أحد أبناء النخبة الحاكمة حالياً، ولم يجرؤ صاحبها حتى على الأنين وليس اللجوء للقضاء.
الزميل الفقيه كشف في مادته عن حقيقة واقعة نلمسها يومياً, لكنها لازالت بعيدة عن التناول الصحفي, حيث إن سياسة (لطش) كل شيء في البلاد (مال عام, وظيفة عامة, أراضي الدولة, والمناصب الحساسة والإيرادية, والوكالات التجارية, والمناقصات الحكومية) طالت حتى (التباب) المحيطة بالعاصمة صنعاء وضواحيها، من قبل أبناء النخبة الحاكمة وبصورة فجة، تصل مساحات بعضها عشرات الآلاف من اللبن.
ما يقدم عليه الأبناء هؤلاء يستفز مشاعرنا كيمنيين لم نتمكن من الحصول على لبنة واحدة أو لبنتين لننصب عليها منازل حتى من الخيم تؤوي أطفالنا بدلاً عن معاناتنا جراء بيوت الإيجار, فما بالنا بمشاعر من تلطش أراضيهم التي اشتروها بما جمعوه خلال سنوات من الكد، أو من ورثوها عن الآباء والأجداد.
فلازال مالكو الأراضي حيث ميدان السبعين ودار الرئاسة وجامع الصالح وأرضية مشروع مدينة الصالح الطبية, وكثير من الأراضي في مذبح وعصر والحتارش وغيرها، يشكون عبر الصحافة ما بين فترة وأخرى عدم منحهم قيمتها أو التحايل في أسعارها.
وإذا كانت مأساة المهندس الحكمي وقعت على يد رجل نعتقده مدنياً كونه يشغل منصب رئيس مجلس إدارة شركة التبغ والكبريت الوطنية, ويقال إنه يتميز بأخلاق رفيعة يفتقدها الكثير من الأبناء الآخرين, فكيف سيكون عليه حال من وقعت أراضيهم بجوار التباب التي (يلطشها) الأبناء من القيادات العسكرية والقبلية؟ الله يستر.
ومادام أن موظفي النيابة العامة رأوا أنه لم يعد للحكمي عقل وهو يريدهم أن يحققوا في قضيته مع المسؤول المدني (توفيق صالح عبدالله صالح) بعد أن فشلت كل محاولاته لإصلاح الأمر ودياً، وفشل 18 وسيطاً لجأ إليهم وهم قادة عسكريون ومشائخ قبائل, فماذا سيكون مصير من سيلجأ للقضاء شاكياً قائد الحرس الجمهوري او أركان حرب الأمن المركزي ووكيل جهاز الأمن القومي وقائد الحرس الرئاسي الخاص و... و... إلخ, ولن نتجرأ على التفكير بمصير من سيشكو رئيس الدولة القائد الأعلى للقوات المسلحة.
وكنصيحة من الواجب أن نقذف بها لهؤلاء الأبناء وقبلهم الآباء الذين لازالوا على قيد الحياة, وهي قول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: "إنما هلك الذين من كانوا قبلكم, أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه, وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد".
وإذا كان الأئمة قد هلكت مملكتهم بعد ثورات قام بها أحرار اليمن توجت بثورة ال 26 من سبتمبر 1962م, رغم أنهم كان القاضي يتجرأ على النظر في قضايا الخصم الثاني فيها هو الإمام أو أقاربه, ويلتزم الإمام بتنفيذ منطوق الحكم ولو كان لغير صالحه.. فهل يعتقد هؤلاء أن هذا الشعب وهو يرى ما يحدث من (لطش) لكل شيء في اليمن, سواءً كان حقاً عاماً أو خاصاً, مادياً أو معنوياً, سيظل صامتاً ولن يسعى للانقلاب على نظام لا يجرؤ المواطن في ظله, حتى على التفكير في مقاضاة مسؤوليه بحثاً عن حق استولوا عليه واقعاً أو حتى افتراءً عليهم؟
reshadaliMail