أيوب طارش.. مشعل يكاد ينطفئ

أيوب طارش.. مشعل يكاد ينطفئ -عبدالسميع محمد

جحود ونكران فاضح من المؤسسة الرسمية لدور الفنان القدير أيوب طارش الذي باع سيارته وبعض ممتلكاته لتغطية مصاريف العلاج في الاردن، وهو صاحب الامتياز في تلحين النشيد الوطني وعشرات الأناشيد والاغاني الوطنية التي ألهبت مشاعر الجماهير ومثلت احدى الرافعات المعنوية للنضال الوطني على مدى عقود من الزمن.
وإذا ما احتسبنا 100 دولار كإنتاج فكري متواضع ومستحق لأيوب مقابل بث النشيد الوطني عبر وسائل الاعلام المرئية والمسموعة، ناهيك عن نتاجاته الأخرى، لصارت الدولة مديونة لأيوب بمبلغ 648.000 دولار.
سافر أيوب طارش في نهاية المطاف على أجنحة الخيبة والأسى «جنحت وجناحي حديد لا ريش فارقت أرضي حيث أحب واعيش»، ولم يحظ ولو بالفتات من عطايا تربته التي تلتهمها ثقوب الفساد السوداء «ها هنا بعض عطايا تربتي قلب أرض لم يزل جم العطاء، وهنا ما زال خير الجنتين على أرضي موفور النماء».
أما القناديل التي تساءل يوماً بزهو واعتزاز «لمن كل هذي القناديل تضوي لمن» فقد انطفأت وصار وحيداً في الظلام يصارع ويلات النبذ والتهميش.
 تميزت أعمال أيوب في حقبة السبعينيات بالحنين الملح إلى وطن أكبر وموحد، وغلب على تلك الأعمال الأكثر نضوجاً فنياً طابع التفاؤل والزهو الذي بلغ حد الغرور بوطن افتراضي يسمو ويتطور يتساوى وينعم فيه الجميع «إملؤوا الدنيا ابتساماً- وارفعو للشمس هاما».. وها هي ابتسامة أيوب السمحاء تتوارى خلف جدران الإهمال ومتاريس التمييز الأخرق وتنحني هامته تحت وطأة العوز والمرض.
ولم يتبق له في غربته سوى نوح الطيور تثير فيه الحسرة والشجن على وطن صريع يلوعه الحنين إليه، وحبيب ما برح محتجباً خلف معبد الشمس ينتظر خروجه ليمأ الأرض عدلاً ومساواة «وامعبد الشمس كم لك محتجب واحبيب».
مسيرة أيوب الفنية غزارة إبداع متشرب بالمشاعر الوطنية، وتفاعل خلاق ومتحفز مع قضايا وهموم شعبه على مدى حقبات عطائه الخمس.
أخاله اليوم يندب حظه العاثر على سرير المرض العاري بعد أن تلاشت تلائم العمر وغادرته دوادح الحب الغالي، ولسان حاله يقول مخاطباً غول الزمن الأسود:
أنهيت شوقي واحلامي واسكتّ الأنغام
واعطيت للريح ما قد كان من حب واحلام
 أرخصت بذلي وبيعي ما ضر لو كان اغليت
لو كان شرعك كشرعي ما كنت عني تخليت.