محمد المقالح.. ضحكة قادته إلى غياهب السجن منذ شهرين

محمد المقالح.. ضحكة قادته إلى غياهب السجن منذ شهرين - رشاد الشرعبي

حتى منتصف يونيو الجاري يكون الصحفي اليمني محمد المقالح قد قضى ما يقارب الشهرين مسجوناً على ذمة ضحكة أفلتت منه خلال حضوره متضامناً مع الصحفي عبدالكريم الخيواني في إحدى جلسات محاكمته وهو الآخر ينتظر النطق بالحكم في 9 يونيو في قضية ملفقة وأشد خطراً.
والمقالح كان آخر عمل صحفي له رئيساً لتحرير صحيفة إخبارية إلكترونية تابعة للحزب الاشتراكي الذي يشغل فيه منصب نائب رئيس الدائرة الإعلامية. وتنشر له العديد من الصحف الأهلية والحزبية مقالات تتضمن مواقفَ معارضة للنظام الحاكم والرجل الأول فيه (الرئيس علي عبدالله صالح).
المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا أمن الدولة حددت، في ثالثة جلساتها، يوم 15 يونيو الجاري موعداً للنطق بالحكم في قضية المقالح التي اعتبر فيها –بحسب قرار اتهام النيابة العامة– قد اعتدى على القضاء وأهان هيبته, بعد أن كان القاضي قد قرر احتجازه ل24 ساعة في 22 ابريل الماضي بمبرر الإخلال بنظام جلسة قضائية.
ووفق الخيواني فإن ضحكة زميله المقالح أفلتت بصوت مرتفع (قهقهة) أثناء انعقاد جلسة المرافعات الختامية في قضيته، وكانت الضحكة عقب عجز وكيل النيابة عن تفسير ونطق كلمة تضمنتها مرافعة هيئة الدفاع عن الخيواني بأن "السلطة مهجوسة بالحوثية" نسبت إلى زعيم التمرد شمال اليمن الحوثي، وذلك أثناء طلبه تسجيل اعتراضها على تلك المفردة التي نالت من النيابة بحسب رأيه, وقرر القاضي حبس الجاني جراء ضحكته 24 ساعة كما ينص القانون.
المفاجأة كانت في اليوم التالي عقب انقضاء المدة القانونية, فقد رفضت النيابة الجزائية الإفراج عن المقالح ومددت حبسه أسبوعا، وأعلنت نيتها التحقيق معه وتقديمه للمحاكمة بمبرر الاعتداء على القضاء وإهانة القاضي الذي كان يرأس الجلسة التي وقعت فيها "الجريمة" (الضحكة).
تلك الضحكة بدا أنها كمين نصب للمقالح الذي ترددت السلطة كثيراً في اعتقاله، رغم تعرضه سابقاً بسبب مقالات صحفية لمحاكمات واستدعاءات من النيابة واعتداءات وتهديدات ومضايقات, وكانت بمثابة دليل يساق في التناولات الصحفية حول مدى ما وصلت إليه محاولات السلطة لخنق الحريات وخاصة منها الصحفية وعدم استقلال القضاء الذي تستخدمه كسياط لجلد معارضي النظام ومنتقديه من كتاب وصحفيين وناشطين حقوقيين وحزبيين.
وساطات واسعة وعلى مستوى كبير بذلت لإنهاء احتجاز المقالح، من خلال حل ودي واعتذار للقاضي المعتدى عليه، وبالتالي تنازله عن حقه في ذلك. فالشاعر الكبير عبدالعزيز المقالح الذي يشغل, إلى جانب منصبه كمستشار ثقافي لرئيس الدولة, رئاسة المركز اليمني للدراسات والبحوث، حيث يعمل الصحفي المعتقل باحثاً، والذي يحظى باحترام وتقدير اليمنيين كافة، قدم اعتذارا للقاضي، وتدخل عقب ذلك أكثر من مرة، ليس للإفراج عن الصحفي، ولكن لتخفيف الإجراءات المشددة التي ضربت عليه في الحجز الاحتياطي, لكنه وجد جداراً سميكاً من الرفض, وسارت النيابة والمحكمة في إجراءاتهما، وقد حجزت القضية للنطق بالحكم من قبل محكمة يعتبرها خبراء القانون "استثنائية وتتعارض مع نصوص الدستور اليمني ولا تتوفر فيها أبسط معايير المحاكمة العادلة لأي متهم".
وبحسب الصحفي محمد الغباري فإن من وصفها "نيابة أمن الدولة" رفضت تسليم هيئة الدفاع عن المقالح نسخة من ملف القضية إلا بعد تحريرها تعهداً بحضور الجلسة التي حدد فيها موعد النطق بالحكم (الأول من يونيو). ويضيف أن ذلك "رغم إعلان هيئة الدفاع انسحابها ورفضها حضور الجلسات تعبيراً عن رفضها للإجراءات التي يتبعها القاضي في حق موكلها".
الغباري كصديق مقرب من المقالح لفت إلى أن صديقه "ضحك وأودع الحجز بتهمة الإخلال بنظام الجلسات، وعقوبتها السجن لمدة لا تزيد عن 24 ساعة أو غرامة ألفي ريال يمني (10 دولار أمريكي)". ويستدرك والقلق تجاه مصير صديقه يخيم على حديثه: "لكن الحكاية تطورت في اليوم الثاني وأصبح متهماً بإهانة القضاء وجرى حبسه احتياطياً مدة 30 يوماً ورفض القاضي بإصرار غريب الفصل في طلب الدفاع الإفراج عن زميلنا بكفالة، وبات الجميع مقتنعاً بأن ذلك لا علاقة له بضحك أو بكاء المقالح ولكن بمواقفه السياسية".
الوسط الصحفي –حسب الغباري– قبل بنصائح التهدئة وحل القضية ودياً, لكن ذلك برأيه كان مدخلاً سهلاً لتصفية حسابات سياسية مع المقالح. ويشير إلى أن الشاعر المقالح ومعه نقيب الصحفيين وقبلهما أمين عام الحزب الاشتراكي "تحملوا عبء الاعتذار للقاضي عن ضحكة المقالح قبل أن يكتشفوا أن ذلك كان مجرد مزحة ثقيلة لم تحترم حتى المكانة الرفيعة لهؤلاء في المجتمع اليمني".
تعددت الإدانات للطريقة التي يعاقب بها المقالح بسبب كتاباته وآرائه, وتوالت البيانات الصادرة عن المنظمات المهتمة بحقوق الإنسان والحريات الصحفية والأحزاب السياسية, واستنكرت نقابة الصحفيين اليمنيين ما وصفته بـ"الإجراءات التعسفية التي تمارس بحق المقالح بدعوى إخلاله بنظام جلسة قضائية أثناء حضوره متضامناً مع الخيواني".
وذكر بيان للنقابة أن "رفض القاضي الإفراج عنه رغم انتفاء الأسباب التي تسوغ حبسه احتياطياً يعزز من كون الدافع انتقامياً سواءً كان من قبل منتسبي النيابة والمحكمة أم من جهات أخرى منزعجة من الآراء التي ينشرها في الصحافة", وعبرت عن أسفها لتورط منتسبي القضاء في ممارسة انتهاكات ضد الصحفيين والتي دعت إلى وقفها (الانتهاكات) خاصة منع الزيارة عنه.
9 أعضاء في مجلس النواب لم تشفع لهم حصانتهم البرلمانية –مثل غيرهم من الزائرين للمقالح– في التمكن من اختراق بوابات السجن الخارجية. وبرر القائمون على السجن تلك الإجراءات بأنها تأتي تنفيذاً لتوجيهات النيابة. ورغم ذلك فقد تمكن المقالح من تسريب رسالة وجهها للمؤتمر القومي العربي الذي تزامن انعقاده في صنعاء مع حبس المقالح العضو فيه، وكان مفترضا أن يكون أحد المشاركين في جلسات أعماله التي استمرت 3 أيام.
وقال في رسالته للمؤتمر: "في الوقت الذي أشعر فيه بسعادة بالغة أن تحتضن بلادي اليمن هذه الكوكبة الخيرة التي تضم المئات من خيرة أبناء الأمة العربية, أشعر بشيء من الحزن لعدم قدرتي على استقبالكم أو المشاركة في أعمال مؤتمركم على رغم أنني أقف على بعد أمتار من المكان الذي تناقشون فيه أحوال الأمة وعوامل ضعفها وتمزقها". ولفت المقالح إلى أن "سلطة بلادي تتجه إلى محاكمتي في محكمة استثنائية, بعد أن لفقت لي تهمة إهانة القضاء", مؤكداً: "أنا لم أهن القضاء اليمني غير المستقل، وقد أرادت السلطة أن تعاقبني بهذه التهمة بدوافع ثأرية وانتقامية بسبب مواقفي المعارضة لسياساتها الخاطئة في صعدة والمحافظات الجنوبية والشرقية للبلاد".