نبت القات في ربيعها فانتقلت لبيت خريفي.. الزواج المبكر يحصد الطفولة

نبت القات في ربيعها فانتقلت لبيت خريفي.. الزواج المبكر يحصد الطفولة - بشرى العنسي

تعودت الأم المولعية أن تستدين القات يومياً، كون المعيل لها (زوجها) يقبع في السجن منذ سنوات. قفز المبلغ إلى خمسين ألفاً في غفلة من الأم التي أخذتها الساعات السليمانية.
بعد نفاد صبر المقوت بدأت مطالباته الغاضبة بالدين الذي استحيل دفعه، وبدأت الأم تبحث حولها عما يطفئ غضب ولي نعمتها الخضراء فلم تجد سوى ابنتها ذات التسع سنوات لتكون هبة له.
قامت الحارة وقعدت لإبطال ذلك الزواج لكن قعودها وقيامها ذهب أدراج الريح. فالرجل الخمسيني بعمره ودينه أصر أن يأخذ الطفلة كزوجة له، وأصرت الأم أن تدفع بها كفدية لتضمن عدم انقطاع مزاجها.
الأطفال أخذوا يحكون كيف أن العروس لم تتمكن من صعود سيارة الزفة بسبب صغرها، وكيف أنهم ساعدوها على ذلك، ونساء الحارة وجدن «حتوتة» يحكينها أثناء مجالس التفرطة.
منذ خمس سنوات والحكاية تسرد مع اختلاف المجالس والمقايل والقائلين أيضاً والحقيقة الثابتة أن الربيع مازال يقبع في منزل خريفي حتى الآن مع اختلاف أن مجلس المستمعين اتسع قليلاً وخرج عن إطار الحارة وإطار صنعاء.
القات الذي نبت في ربيع تلك الطفلة لم يكن سوى سبب من عدة أسباب غريبة يجدها الآباء عذراً كبيراً لتزويج بناتهم في سن الطفولة فتكون النتيجة أفدح من الفعل نفسه.
 
الأضرار الصحية للزواج المبكر
بتهمة التبول الا إرادي أصبحت فتيات عدة مسجونات داخل بيوتهن مع ورقة الطلاق بعد أن عشن مخاض الظلم والولادة المبكرة.
في مستشفى السبعين للنساء والولادة تتوافد النساء بمختلف الأعمار لكن القصص المأساوية تأتي دائماً محمولة مع الدماء النازفة من صغيرات ينتظرن صغيراً آخر.
د/ سميرة عباس غالب أخصائية نساء وولادة في المستشفى وبخبرتها الطويلة في العمل سردت لـ«النداء» الأضرار التي تصيب الأم أثناء الحمل والولادة بسبب الزواج المبكر حيث تكون عظام الحوض عند الأم الصغيرة مازالت غير مكتملة النمو ولا تقوى على تحمل وزن الطفل فيتسبب بمضاعفات كثيرة منها انفجارات في الرحم أثناء الولادة، تمزق في المثانة مما يسبب التبول اللا إرادي وتكون النتيجة أن يتركهن أزواجهن بحسب الإخصائية.
النزيف وخروج الطفل غير مكتمل النمو وبوزن قليل، مضاعفات أخرى تتكبدها الأم الصغيرة. وتضيف الدكتورة سميرة أن عظام الحوض لا يكتمل نموه إلا في سن ال18 وهي السن المناسبة للزواج في نظرها حيث يعتبر الحمل قبل ذلك السن عالي الخطورة فتتعرض الأم للإجهاض أو عسر الولادة أو والوفاة أثناء الولادة إضافة إلى أن الأم معرضة للنزف وأرتفاع التوتر الشرياني الحملي والإرهاق وفقر الدم.
بشكل عام تتوزع المخاطر والمضاعفات للزواج المبكر بين الحمل والولادة؛ فأثناء الحمل -كما يشير الأطباء- تتميز تلك الفترة في حياة الفتاة بالنمو السريع واحتياجات الجسم المتزايدة للمواد الغذائية مثل البروتينات والاملاح وبعض المواد غير العضوية مثل الحديد والكالسيوم، ومشاركة الجنين لأمه في الغذاء لمدة تسعة أشهر يؤدي إلى إصابتها بانهيار عام في صحتها وظهور علامات سوء التغذية وفقر الدم. وقد أظهرت الإحصائيات أن 25٪_ من حالات الحمل قبل 18 سنة تصاحبها سوء تغذية.
 تسمم الحمل من الأمراض التي تهاجم الأم الحامل مسبباً حدوث التشنجات والغيبوبة وزيادة في نسبة حدوث النزيف أثناء أو بعد الولادة. ويصاحب تسمم الحمل 22٪_ من حالات الحمل المبكر. الولادة المبكرة وطول فترة المخاض يزيد من نسبة التدخلات الجراحية (القيصرية) عند الأم الصغيرة وذلك لعدم اكتمال نمو عظام الحوض والأنسجة الأخرى لدى المراهقات قبل سن 18 سنة.
مع كل المضاعفات والأعراض السابقة لا تنجو الأم من مضاعفات أخرى سميت بالنفسية، حيث يرى الأطباء أن الحمل والإنجاب المبكر سبب من أسباب الاضطرابات النفسية لدى الفتيات مثل حالات الاكتئاب والشعور بالإحباط النفسي وفقدان الثقة بالنفس وفقدان الاطمئنان والاستقرار النفسي المصحوب بالمخاوف، وذلك بسبب التغيرات الهرمونية المصاحبة لمرحلة الحمل والولادة إضافة لمرحلة المراهقة.
التقرير السكاني للعام الماضي أشار إلى ارتفاع معدل وفيات الأمهات أثناء الولادة في اليمن، واصفاً ذلك المعدل بالأعلى بين دول العالم حيث يبلغ 365 حالة وفاة لكل 100.000 حالة ولادة، والتي تبلغ 42٪_ من حالات الوفاة بين نساء اليمن وهن بعمر الإنجاب، كما يرتفع كذلك معدل وفيات المواليد الذي وصل إلى 37.3 وفاة لكل 1000 ولادة.
معلومات وأرقام وقصص سوداوية جميعها تصب في بوتقة الطفولة التي قدر لها أن تنضج سريعاً بسبب عدم قدرة «أم» أو «أب» الاستغناء عن القات، وفقر أسرة أخرى, ورغبة ثالثة في ستر بناتها, وتحت مسمى ديني تتحجج أسرة رابعة.
 ومع أختلاف الأسباب تأتي نتيجة واحدة تنطق بها المعلومات السابقة.