الحرية لمتروك الفالح

الحرية لمتروك الفالح - أبوبكر السقاف

اعتقلت السلطات السعودية الاصلاحي البارز والأستاذ الجامعي متروك الفالح في الرياض الاثنين الماضي (فرانس برس)، وأفادت زوجته الوكالة بأنها أبلغت بذلك باتصال هاتفي منتصف ليل الاثنين: «قالوا إنه موجود في المباحث في الرياض ولم يعطوا أي سبب».
الفالح أحد الاصلاحيين الثلاثة الذين سجنوا 17 شهراً في السجن، لمطالبتهم بإقامة ملكية دستورية في بلادهم، وأُطلق سراحهم بعفو من الملك عبدالله. ورجَّح صديق له أن اعتقاله هذه المرة سببه دفاعه عن صديقه الدكتور الحامد، فقد أصدر بياناً بعد أن زاره في السجن، والحامد مصاب بالسكري ويعاني من أوضاع سجنه. وكان الحامد أحد الثلاثة، والثالث كان الشاعر الحربي. وتهمة الحامد هذه المرة أنه يشجع زوجات المعتقلين على المطالبة بالافراج عن أزواجهن والاعتصام أمام الدوائر الرسمية.
وتذكرنا حال الحامد بأحوال سجناء الرأي والضمير في هذي البلاد، فهنا وهناك المرض أحد وسائل العقوبة والتعذيب، كما أن الجمعية الوطنية لحقوق الانسان هناك تقوم بالدور نفسه الذي تقوم به في المغرب ومصر واليمن فقد صرح مفلح القحطاني لوكالة فرانس برس، وهو نائب رئيس الجمعية، أنها «لا زالت (تزال) تتابع موضوعه ولا أعرف سبب اعتقاله». وهذه الجمعية رسمية مثل أخواتها منذ أن سن الملك الحسن الثاني بدعة ضلالة بتكوين أول جمعية رسمية للدفاع عن حقوق الانسان، تكون الخصم والحكم، ثم توالت هذه الجمعيات شاهد زور رسمي وأحد وسائل إهدار حقوق الانسان.
هذا الاعتقال أحدثُ حلقة في سلسلة من الاجراءات القمعية ضداً على الاصلاحيين في السعودية، لاسيما المطالبين بملكية دستورية، بينما يطالب الشيعة والاسماعيليون هنا بالحد الأدنى من حرية التدين والمواطنة والاعتراف بأنهم من المسلمين.
تتميز كتابات الفالح، وهو أستاذ علم الاجتماع السياسي، بأنها تحلل أوضاع السعودية تحليلاً يكشف ما تحت السطح البراق من فشل، فالبلاد لم تحقق حتى اليوم أبسط مقومات الاندماج الوطني، حتى في الحواضر الكبيرة: الرياض والخُبر، اذ لاتزال المدن بلْهَ الريف جزراً تتكون من جماعات لايربطها رابط مديني عصري، ويؤكد تحليله هذا ما برز في السنتين الاخيرتين من إحياء احتفالي للنسب العائلي والعشيري والافتخار حتى بالجمال (بكسر الجيم) التي تنتمي لهذه القبيلة أو تلك، ويشارك علناً فيها ولي العهد السعودي.
إن كتاباته تحاول أن تطرح وسائل عصرية ودستورية لانقاذ بلاده من حال التفكك التي تهدد البلاد. ويؤكد هذا المشهد أن معظم البلدان العربية تعاني من قضية محورية واحدة هي عدم مناسبة الثقافة السياسية للطبقة السياسية فيها لبناء دولة تملك مقومات البقاء والاستمرار بصوغ متحد سياسي اجتماعي واحد، ولا تخفي حتى الثروة القارونية هذا الملمح الأساسي، بل لعلها تضاعفه، فهي تقدر على رشوة فئات من المتعلمين والمثقفين التكنوقراطيين الذين يمسخون الثقافة وظيفة تضمن رفاهية وسلامة شخصيتين. ولكنها لا تزيد بقية السكان إلا فقراً، فقد اكتشف الملك عبدالله فور توليه العرش أن الرياض محاصرة بالفقراء الذين لا يجدون مسكناً يليق بالبشر فأمر ببناء منازل لهم!
كما أن تصدير التشدد الديني وهو أساس ذهني ونفسي للتطرف، قد ارتد إلى نحر المملكة، لأن الفاحص بالعين المجردة لحالها يكتشف الفرق الشاسع بين الواقع والمعلن، حيث الاسلام راية عصبية ورئاسة؛ وأن تزييف رسالته في أساس النظام السياسي القائم.
إن الملكية الدستورية التي يقترحها الفالح والحامد والثاني سماها الدولة السعودية الرابعة حتى تبدو تدرجاً تاريخياً سلساً، إنقاذ حقيقي للنظام يفتح طريقاً قد ينقذها من الإنهيار، لأن استمرارها مرهون بمشاكل الداخل وتوازن المصالح الدولية، وقد حذر الفالح غير مرة من مشروعات أمريكية جاهزة لعزل منطقة إنتاج النفط في إطار خريطة الشرق الأوسط الجديد.
إن السلطة تضاعف أزمتها باضطهاد الاصلاحيين على هذه الشاكلة، فهي ترى أن دفاع الفالح عن صديقه جريمة لا تغتفر، وهذا دليل لا يُرد على شدة عزلتها وبعدها عن جادة الصواب السياسي، وبذلك تواصل السير السريع في طريق شديد الخطورة.
أما نحن فإننا نتضامن مع الفالح والحامد والحربي وكل أحرار السعودية ونحلم معهم بملكية دستورية تنقذهم من نظام يجيء بعد انقلاب عسكري، فيكون أسوأ أنواع التغيير كما ثبت في جميع القارآت.
23/5/20008
* جاء في أخبار «يو. بي. اي» أن محمد عبده يعترف بـ«الخطأ» بنسبة الرسول إلى الجنسية السعودية وكان ذلك في برنامج «العراب»، الذي تقدمه «إم. بي. سي». والمطرب المعروف صدر عن سليقة، فقد علمتُ قبل سنوات من الراحل العزيز عمر سالم طرموم وهو إسلامي مستنير، حقاً وصدقاً، أنه دهش من شيوع هذا القول في السعودية وساءه ذلك كثيراً. ولكن هذا ما يمليه البحث عن الشرعية الغائبة.