ضحايا خميس مشيط بين جريمتين

ضحايا خميس مشيط بين جريمتين - رشاد علي الشرعبي

الجريمة البشعة التي طالت 18 يمنياً في خميس مشيط السعودية كانت بمثابة صورة واضحة المعالم ومن طرف "الدولابـ" لطبيعة المعاناة والمعاملة غير الانسانية التي يتعرض لها اليمنيون في أراضي جارتنا الشقيقة وفي أغلب بلدان العالم خاصة منها العربية.
وبغض النظر عما إذا كانت الجريمة متعمدة قُصد بها إحراق الشباب اليمنيين أو غير متعمدة الهدف منها إخراجهم من مخابئهم لاعتقالهم ومن ثم ترحيلهم, فقد كان الموقف الرسمي لحكومة المملكة متصف باللامبالاة ثم الإنتقاص,وذلك ماعبر عنه تصريح المصدر المسؤول في شرطة خميس مشيط, وهو لا يقل جرماً عن الموقف الرسمي المتخاذل للحكومة اليمنية, وكلا الموقفين ضاعفا آلام الضحايا المحروقين ومن ورائهم كل أبناء الشعب اليمني.
كانت الجريمة ستمر مرور الكرام كشأن الكثير من الجرائم التي تلحق باليمنيين داخل وطنهم أو على أراضي أشقائهم في الجزيرة والخليج العربي ومصر والأردن وسوريا ولبنان أو في البلدان الأخرى, لكن الفضل يعود للزميل عبدالحفيظ الحطامي الذي كشف الجريمة في الصحافة بعد أن وثقها بالصور وشهادات الضحايا وأقاربهم, ليقتصر الدور الرسمي اليمني وبعد أكثر من أسبوعين على الكشف عن الجريمة وشهرين تقريباً على وقوعهاعلى خبر صغير بثته وكالة الانباء الرسمية يشير إلى زيارة 13 ضحية من قبل وكيل محافظة الحديدة ومدير الأمن – طبعاً بتكليف من فخامة رئيس الجمهورية – وأطلع الزائرون خلال ذلك على أحوال الضحايا ونقلوا لهم تحيات فخامته وتمنياته لهم بالشفاء العاجل وأبلغوهم بتوجيهاته – حفظه الله - بتقديم الرعاية الطبية اللازمة لهم وعلاجهم مجاناً في المستشفيات الحكومية وسلموهم مساعدات مالية لم يحدد الخبر مقدارها وهي ستكون مبلغاً لكل واحد منهم لايسمن ولايغني من حريق شقيق.
وأعتقد أنه صار من الواجب علينا الإلحاح على فخامته بأن يطلع على دستورنا الذي تحول الى ثوب يفصل على مقاسات رغباته ومبادراته, هل نصوص هذا الدستور تقضي بأن يقف دوره كرئيس للجمهورية والمسؤول الأول في الدولة اليمنية فقط عند مواساة الضحايا بعد 3 أسابيع على الكشف عن الجريمة إعلاميا ومايزيد على الشهرين منذ وقوع الجريمة خاصة ومعلومات جديدة تشير الى زيارة يتيمة لدبلوماسي يمني في المملكة للضحايا وهم في المستشفى السعودي ووعدهم بالعودة لكنه اختفى على إثرها!
وأتساءل: هذا الدستور الذي يجلد بنصوصه الفضفاضة الصحافيين والمعارضين السياسيين ليل نهار, ألا يفرض على فخامته وحكومته حتى أضعف الإيمان, وهو التعبير عن الغضب والعتاب لدى سفير المملكة بصنعاء كما هو الحال في أمور تكون تافهة مقارنة بهذه؟, أو حتى تصريح صحفي يسوده أدب الشقيق الأصغر تجاه شقيقه الأكبر والمتخم يطلقه وزير الخارجية او حتى وزيرة حقوق الإنسان يستنكر ماحدث من جريمة تقشعر لهولها المواثيق الدولية الخاصة بحقوق الإنسان, وتهتز لها الكعبة المشرفة بيت الله الحرام التي يكون "هدمها حجراً حجراً أهون على الله من هدر دم مسلم".
ومهما كانت المبررات التي تساق حول الضحايا بأنهم دخلوا المملكة بطريقة غير مشروعة, ألم يكن واجباً – ضمن مساحة أضعف الإيمان – على المصدر المسؤول الذي صم آذاننا بتهديداته وتخويناته, أن يطالب بالتحقيق في الجريمة ومحاسبة الجناة وتعويض الضحايا, والتحذير من تكرارها على اعتبار أن الضحايا كانوا من بني البشر وكرامتهم وأرواحهم وأبدانهم تتمتع بحماية شريعة السماء قبل كل شرائع الأرض؟.
لكن يبدو أن الحاكم لدينا سيظل مشغولاً بملاحقة منافسيه في الداخل والذين يخوضون نضالاً سلمياً للمطالبة بحقوقهم, فيما سيظل اليمنيون "هَدَر" في وطنهم وخارجه, يصطلون بسياط الأشقاء والأصدقاء وحرائقهم وسجونهم, ويحرمون أبسط الحقوق الإنسانية, كما هو الحال في وطنهم حيث يحرمون من كل شيء بفضل الضمائر الميتة لحكامهم ويتعرضون لمختلف أنواع الإنتهاكات لحقوقهم وحرياتهم, جنباً إلى جنب مع استمرار غلاء الأسعار وتغلغل لوبي الفساد والإستبداد في مفاصل الدولة اليمنية.
وها هو الفنان فهد القرني يقدم لمحاكمة غير عادلة بناء على إجراءات غير قانونية تتزامن مع إجراءات استثنائية تحرمه من أبسط الحقوق الانسانية بتهمة إهانة رئيس الجمهورية. ومع تأكيدنا أنها محاكمة سياسية لفنان مثلها مثل مايتعرض له الزميل عبدالكريم الخيواني وأخيراً الزميل محمد المقالح, فدعونا "نبتلع" أن عزيزنا فهد تطاول على فخامة الرئيس ولابد أن يعاقب وتنصب له المحاكم وتسلب منه كل الحقوق الانسانية المكفولة لأي متهم مهما كان جرمه.
لكن فيما يتعلق بماحدث في خميس مشيط السعودية ومايحدث لليمنيين في كل أرجاء العالم ومايتعرض له الشيخ المؤيد وزايد والحيلة وسجناء غوانتانامو, ألا يعتبر فخامة الرئيس ذلك إهانة للبلد الذي يرأسه منذ 30 عاماً, وبالتالي هو إهانة لشخصه بإعتباره رمزاَ للدولة بحكم ذات الدستور الذي يتم الإستناد إليه في محاكمة الفنان القرني والصحفي الخيواني وقبلهم الصحفي خالد سلمان وآخرين!
أتمنى على الرئيس الذي تشمر أجهزته سواعدها للثأر والإنتقام ممن ينال منه كرئيس موظف لدى شعبه (واقعاً أو تلفيقاً) أن يعمل على الحفاظ على كرامته من خلال كرامة شعبه ووطنه "المهدورة" في كل مكان وخاصة عند جيراننا وأشقائنا وأصدقائنا ممن تتفاخر حكومتنا بأنها شريكة لهم في حربهم ضد مايسمى الإرهاب, أدعوه أن يقوم بواجبه الديني والوطني والدستوري والإنساني ويطلع على قضايا الناس في مقر وزارة الخارجية المواجه لمبنى سفارة المملكة ويرى كم عدد المذكرات في القضية الواحدة التي توجهها حكومته إلى حكومات الأشقاء والأصدقاء وفي مقدمتهم الجيران في الجزيرة والخليج الذين لايلتفتون لها وتصلهم المذكرات الرسمية واحدة بعد الأخرى ويقذفون بها مع نفاياتهم.
أليس ذلك الإنتقاص وعدم الإعتبار لمراسلات حكومة هي عضو في الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الاسلامي والامم المتحدة وتجمع صنعاء وووو...إلخ, هو إهانة لشخصكم الكريم – فخامة الرئيس – على اعتبار أنه إهانة للبلد والشعب الذي أنت رئيسه ورمزه بحكم الدستور!!وياترى من المسؤول عما وصلنا إليه في السنوات الأخيرة من حال بلداً وشعباً حتى صرنا "ملطشة الآخرين" القريب قبل البعيد والشقيق قبل الصديق!ولماذا الرئيس يثأر لكرامته من مواطنيه الغلابى الذين مارسوا حق النقد أو التنافس الديمقراطي, فيما هو لايهتم للتخفيف من حدة الإهانة التي تلحق بكرامة شعبه ووطنه ككل!!
Hide Mail