التعويل على العدالة لإنقاذ الخيواني.. عن "المحصلة" الختامية لمسار دفاع قانوني لا سياسي

التعويل على العدالة لإنقاذ الخيواني.. عن "المحصلة" الختامية لمسار دفاع قانوني لا سياسي - ماجد المذحجي

بوسع اي قراءة متمهلة لمضمون المرافعات الختامية التي قدمتها "هيئة الدفاع" (المكونة من المحامين هائل سلام ونبيل المحمدي ومحمد المداني) عن الخيواني، امام قاضي الموضوع في المحكمة الجزائية المتخصصة محسن علوان، ان تؤدي إلى يقين مستقر مفاده براءة الخيواني ضمن الحصيلة القانونية النهائية لأداء "هيئة الدفاع"، في مواجهة قرار الاتهام وادعاءات النيابة التي اتسم اداءها بالتشوش والضعف والافتقاد للتماسك، علاوة على عدم تأسس فعلها على معطيات قانونية مكينة، وافتقاره للأدلة، وامتلاء التحقيقات التي اجرتها بالعيوب الاجرائية التي افسدت بناء الاتهام القائل بجرم الخيواني المفترض.
المسألة في هكذا قراءة لنتائج المسار القانوني في هذه القضية لاتتأسس على تحيزنا المهني والصداقي للخيواني، وانما هي الخيار الوحيد الذي يقود إليه الاداء القانوني الرفيع المستوى لـ"هيئة الدفاع" والذي استطاعت عبره "الدفع بعدم صحة وثبوت الاتهامات" الموجهة لموكلها، علاوة على نقضه الكلي "للمبنى الاجرائي للاتهام"، وهذه الاخيرة كافية لوحدها لانهاء القضية دون حاجة للتعويل على الأول الذي يأتي لتفنيد ما نُسب للمتهم في قرار الاتهام، تحوطاً لاي تحايل يحاول تجنب بطلان الاتهام اجرائيا، وهو الشأن الذي تعتبره "هيئة الدفاع" دفاعاً اصيلاً وكافياً عن المتهم، خصوصاً وان تأكيد "الدفاع" على بطلان قرار الاتهام تأسس على العيوب الاجرائية التي رافقت اجراءات التحقيق، تسجيل مكالمات الخيواني وتفتيش منزله، مما أبطل أثرها كلياً وجرد اي نتائج متحصلة منها من أي قيمة قانونية يمكن للنيابة التعويل عليها، هذا طبعاَ باعتبار اجراءات التحقيق هي "اجراءات عدالة وانتصاف، لا إجراءات انتقام واعتساف" وفق ماورد في نص المرافعة الختامية، تأكيداً بذلك على ان الحرص على سلامة الاجراءات هو حرص على سلامة العدالة من الاعتباط والتعسف والانتهاكات وفق ماتريده روحية القانون، ولحماية حقوق الأفراد من تبريرات "ميكافيلية" على قبيل "الغاية تبرر الوسيلة"، وهو ما اعتمدته النيابة الجزائية في دفعها بأن النتائج المتحصلة من التحقيقات التي اجرتها تجّوز لها تجاهل السلامة القانونية لهذه الاجراءات!!
إن مضمون المرافعة الختامية يكشف تماماً عن استغراق قانوني دقيق في كل مايتعلق بالقضية التي تتولاها "هيئة الدفاع" عن الخيواني، سواء على المستوى الاجرائي او في ما يتعلق بمضمون قرار الاتهام، وهو استغراق أفصح عن مهارة كافية، لا اسراف ولا تقتير فيها، في تفكيك حجج "الخصم" ودحضها، وفي تحصين ادائها القانوني من أي عيوب يُمكن ان يتسلل الادعاء منها، وهو الادعاء الذي توسلت فيه النيابة الجزائية بالعموميات والافتقار للدقه لبناء قرار الاتهام، ولم يتضمن في مايتعلق بالخيواني "تحديداً دقيقاً وواضحاً للواقعة الجرمية المنسوبة للمتهم، وكذا الوضع القانوني لهذه الواقعه". كما ان النيابة لم تقم بتحقيق ابتدائي يوفر "ادلة مرجحة" تثبت ان الخيواني قد اتفق على تشكيل عصابة مسلحة مع آخريين، او انضم لها لاحقاً، وحمل سلاحاً فعلياً او حكماً لتحقيق الغرض من تشكيل العصابة، وفق ما افصح عنه الادعاء في قرار الاتهام "العمومي"، باعتبار كل ذلك يشكل واقعة جرمية تستدعي إعمال المادة "133" من قانون الجرائم والعقوبات النافذ كنص تجريم في مواجهة عبدالكريم الخيواني!
لقد شكلت قضية الخيواني بؤرة استقطاب سياسي واعلامي وحقوقي تجاوز اليمن ليمتد إلى العالم، وعلى مدى زمني متقطع كان مدى الافراط في اي تنكيل سياسي وامني يلحق بالخيواني رهيناً بالحماية التي تتشكل حوله من المجتمع، واشكال التضامن التي يبديها المجال الحقوقي والاعلامي. لم يتم نقل الخصومة معه إلى حيز القضاء بشكل فعلي، وحين تمت لمرة سابقة كان الموقف سلبياً من اللجوء للقضاء ولم يتم التعامل مع المسألة بشكل جاد قانونياً، علاوة على التأثير السياسي الضاغط على القضاء آنذاك، مما ادى إلى حبسه حينها. ولم يتم حماية القضاء من قبل كل الفعاليات المتضامنة عبر تعزيزه ومنحه الثقة في مواجهة الضغوط التي يتعرض لها لادانة الخيواني. المسألة تبدو مختلفة نسبياً وفق المسار الحالي في قضية الخيواني القائمة الآن، الفعل المهني الذي تقوم به "هيئة الدفاع" استطاع حماية الخيواني من الاعتساف القانوني حتى الآن، وجعل "الخصم" في موقف ضعف قانوني حقيقي لأول مرة. المسألة تتعلق بخبرة من النضال المدني تحتمي بالقانون وتفعله لم يتم اختبارها فعلياً، وهذا كان دوماً أحد اهم اشكال الضعف التي تميز النضال المدني في مواجهة تجاوزات السلطة، وظل الأمر دوماً يعتمد على الاعلام، وفي سقفه كانت الاعتصامات المحدودة. يجب إذاً تعزيز القضاء لا النيل منه ليستطيع ان يكون اقوى، واعادة القضية إلى حقل العدالة القانونية سينقذها من الاستقطاب ويمنح الخيواني فرصة معقولة. كما انه قد يشكل مخرجاً لسلطة تشعر حتماً بالحرج وانعدام السبل في حل قضية الخيواني، حيث يمكن لها الاكتفاء بترك القضاء يأخذ مساره المستقل بعيداً عن ضغوطها ليقرر ما يشاء تجاهه.
إجمالاً يؤدي تمسك "هيئة الدفاع" بالقانون، وبسلامة اجراءات التحقيق، وضمان حقوق الخيواني، إلى حماية العدالة والانصاف باعتبارهما الغرض من هذه المحاكمة، على الاقل على المستوى النظري وتجاوزاً للخلفية السياسية التي تلوح خلف التعسف والايذاء المستمر للخيواني والانتهاك لحقوقه وترويع اسرته، كما يساعد ذلك المحكمة على المقاومة والتحرر من عبء أي ضغط سياسي قد يحاول حرف التعاطي مع القضية عن مسار القانون والعدالة، باعتبار ان المساحة التي تحركت هيئة الدفاع بها هي مساحة النصوص القانونية والضمانات التي يوفرها الدستور لأي مواطن في حق الحصول على محاكمة عادلة، ولم ينح عملها نحو أي هجاء سياسي في مواجهة النيابة وقرار الاتهام، ضمن تقدير كامل للقضاء وثقة بأن انحيازه للعدالة والقانون هو السبب في توقيره والحفاظ على قيمته وموقعه الاعتباري المستقل بالنسبة لكل الاطراف في المجتمع والدولة.
maged