إسكات الشهود - حمدي البكاري

إسكات الشهود - حمدي البكاري*

"أوضاع بالغة الحساسة والخطورة...". أصبح الكثير يردد ذلك كلما تصاعدت موجة الاحتجاجات في محافظات الجنوب كما هو الحال في الضالع ولحج وأبين... ويضيف مراقبون إلى ذلك احتمالات فشل اتفاق الدوحة بين السلطات وجماعة الحوثي في صعدة فتعود الحرب من جديد. أما سياسيا فيمكن الاستدلال بانسداد الحوار بين أحزاب اللقاء المشترك المعارضة والحزب الحاكم، على الرغم من العناوين الكبيرة التي تحملها المرحلة المقبلة: تعديل الدستور, تعديل قانون الانتخابات, وإجراء الانتخابات البرلمانية في موعدها: 27 ابريل 2009.
حساسية الأوضاع وخطورتها لا تكمن في صعوبة قراءة المشهد بكل ما فيه من تعقيدات، وإنما في استجلاء مآلاته بمعزل عما يراه البعض "فوضى محتملة قد تعم البلاد وتقضي على العباد"؛ فمن ناحية لا تأخذ الاحتجاجات شكلا منظما ومحددا يسهل التعامل معه، ومن ناحية أخرى لا نسمع من تصريحات جماعة الحوثي غير تحذيرات من عودة الحرب وحديث عن أن المعركة هذه المرة قد تكون مختلفة. وبين الحالتين ووسط ظروف اقتصادية ومعشية بالغة السوء، لا يلوح في الأفق انفراج سياسي قد يعيد ترتيب خارطة غليان البلد وترشيدها.
 في الواقع إن غياب الانفراج السياسي وإن كان هذه المرة يحتاج إلى حدود عليا وليست دنيا، هو ناجم –كما قال ذلك كثيرون- عن إقصاء أطراف اللعبة السياسية من الحضور الحقيقي في المشهد فاختفت روح المبادرات واستمرت لغة القوة والقوة وحدها سيدة للموقف.
من المؤكد في شرع الاستبداد أن تتحول الصحافة الحرة في هذه الأجواء إلى صيد ثمين، فقد جاءت اللحظة التي طال انتظارها، لحظة تصفية الحسابات مع حرية الصحافة إجمالا. ذلك أن لغة القوة بما هي دبابة ومدفع، هي بذاتها، وإن بالمعنى، ما يجعل وزير الإعلام معتديا قاسيا على القانون، فيصدر فرمانا يقضى بإلغاء ترخيص صحيفة "الوسط" المستقلة، وربما قادمات أُخرْ، دونما اعتبار للدستور أو احترام للقانون والقضاء.
ولئن كان هدف النيل من هامش حرية الصحافة هو "إسكات الشهود"، لاسيما في مشهد ملتبس، فليس هناك ما هو أسهل في مشهد القوة من تعسف القوانين كما البشر، وفي ذلك دلالة خوف ومرض لا شجاعة وثقة.
 عمليا، الأزمة أعمق مما نتصور، ولهذا السبب تغوص الصحافة الحرة في تفاصيلها علها تفي بحق الناس في المعرفة والحصول على المعلومات والاختلاف وعندما تحاول السلطة منع قيام هذا الدور فهي في الأساس تصادر حق أولئك الناس وكأنها تمنعهم من التفكير تماما.
 ومهما يكن الغموض متصدرا نهايات الأوضاع المقلقة في البلاد بصورة حتمية، فالمؤكد أننا وعبر عشرات السنين نواصل الإخفاق في إدارة خلافاتنا بنجاح كما لو أننا منحنا العقل إجازة مفتوحة، ومع الجنون طبعا لا يحصد الوطن غير الكوارث... وأليس ما يحدث الآن غير واحدة من هذه الكوارث المفتوحة على كل الاحتمالات...؟

* عضو مجلس نقابة الصحفيين اليمنيين.