الحرية أو الموت

الحرية أو الموت - أبوبكر السقاف

منذ قيام الوحدة اليمنية وهي تدور في فلك الموت، تجسيدا للقتل الذي كان ولا يزال الوجه الآخر للسياسة في هذه البلاد. فما إن أعلنت الوحدة حتى أدخلت غرفة الإنعاش. وسميت الفترة الانتقالية بجدارة "الفترة الانتقامية", وانداحت فيها موجة الاغتيالات التي عصفت بصفوف الاشتراكي. والديمقراطية التي قيل إنها توأم الوحدة أصبحت وسيلة لإدارة الصراع بين شريكي الصفقة المسلوقة في سعار الفورية الاندماجية، بدلا من أن تكون أسلوبا سويا لإدارة الصراع الاجتماعي، وبكل هذا العبء تم الإعداد لحرب مبرمجة في المعلن وغير المعلن من الصفقة/ الصفقات.
وانجلى المشهد السياسي بعد الحرب عن عودة صريحة ومزهوة بنفسها إلى الحكم الفردي السلطاني الذي كان جوهر نظام "ج. ع. ي". وبذلك ألغي الجنوب إلغاء كاملا، إلا بما هو موضوع لإدارة التسلط السلطانية، ومدى للنهب والإذلال، أصبح ريعا بحجم دولة وشعب، وهذه صورة نادرة للريع إلا في الزمن الغابر من تاريخ الأمم كافة.
ورغم اليأس الذي ران على النفوس والعقول إلا أن جذوة أمل واثقة من نفسها كانت ثاوية تحت رماد الصمت في الجنوب كله. ومع ربيع العام 2007 أصبحت الجذوة تصميما وفعل إرادة حرة تسمت بأسماء متعددة: هيئات المتقاعدين العسكريين والمدنيين، الشباب العاطلين، ومهرجانات المصالحة والتسامح. وامتدت وتكاثرت القطرات لتصنع بحرا وموجا ومحيطا يملأ النفوس والآفاق، ووعيا ناضجا واقتدارا تنظيميا باهرا. وعندئذ اكتملت ملحمة الروح في الجهات الأربع كلها وانتفضت القضية الجنوبية في رمادها.
أصبحت المقاومة السلمية من أجل القضية الجنوبية خبزنا اليومي، وحركت حتى الذين ناموا منذ عهد طويل على أعتاب قاتلهم في الشمال، وتحركت كرامة الناس وإعجابهم بأهل الجنوب رجالا ونساء، وإن لم يصل موج هذه الحركة إلى ذروة أختها الجنوبية، بسبب الفرق بينهما مع ازدياد طابع الانتفاضة السلمية غلوا في الدموية من قبل دولة 7/7/94،. ولم يُثنِ الدم شجاعة الناس، بل بدوا أقرب إلى هدفهم من أي وقت مضى. كانت السلطة وبلسان رئيسها ولا تزال غير معترفة بوجود القضية الجنوبية، ولذا لا يمكن أن تتحدث عن حل لها، ولكنها ترتعد فرقا من تجذرها واتساعها وانتصاراتها المعنوية التي أخذت تنتشر في الخارج بعد أن أصبح الكلام عليها من مفردات السياسة العربية الحاضرة في الإعلام بأنواعه المختلفة.
في آذار/ مارس اتضح أن كل اللجان الرئاسية والتصريحات والحديث المطول عن الحلول ليس إلا إعدادا لخطاب الحرب والكراهية، فأوكل إلى صحيفة الجيش وإدارة التوجيه المعنوي والسياسي أن تطلق عنف اللغة، كما حدث في الجند وفي ميدان السبعين قبيل شن الحرب في العام 1994. وهذه مؤسسة يرقى نسبها إلى النظام النازي، اقتبسها وزير الإعلام والإرشاد القومي في مصر بعد حركة الجيش المصري العام 1952، ومنها انتقلت هذه المحاكاة إلى غير بلد عربي، ومنها اليمن. كانت افتتاحية 6/2/2008 "الوحدة أو الدم!" وهذا الوعيد المدوي في كل كلمات "النفر المنبوذون من المجتمع، المأجورون السذج، بائسون، محبطون...الخ" هل يستحق مَن هم على هذه الشاكلة عناء تحريك جيش آثر الحكمة بعد هزيمة في حنيش، ورضخ لإدارة الشجعان في صعدة، بعد أن عجز عن كسب حربه الظالمة عليهم.
يعيدنا المناخ السياسي والنفسي لربيع العام 1994 بعد يومين عندما خطب رئيس سلطة 7/7/94 في الحسينية (8/3/2008)، ودون مراعاة لمقتضى الحال، حيث عيد أبناء تهامة الذين يعيشون الفرح وأسراره رغم واقع الكآبة الذي يغمسهم فيه النظام منذ عقود وعقود، وكما ينفجر المكبوت ويعود في صيغة مضاعفة "الوحدة أو الموت" علامة السلطة/ السلطان التجارية في سوق السياسية، وزاد: من لم يعجبه يشرب من البحر الأحمر والعربي «إفراط في الكرم». حركت هذه الكلمات، لا كرامة أهل الجنوب، بل وخيالهم، فذهب جمع منهم إلى ساحل المكلا يحاكون حركات من يشرب من ماء البحر. هذه المحاكاة مترعة بالدلالات: السخرية والشجاعة والخيال والثقة بالنفس... وبمجمل هذه الصفات نعلن: نحن هنا أصحاب الأرض، ونعلن بمزيج من البساطة والروعة: "الحرية أو الموت"، "الحرية أو الموت"، "الحرية أو الموت".
9/3/2008