أقصر طريق إلى الإرهاق

أقصر طريق إلى الإرهاق - نبيل قاسم

(1)
داخل وخلف الشاشة الصغيرة تقبع كذبة كبيرة، خلف نشرات الأخبار الساخنة منها والباردة، خلف اللقاءات الودية وغير الودية السياسية منها والثقافية، ملايين من الكذبات الكبيرة، وبنفس الزاوية التي تفتح بها فمك، تكون درجة تعقيد الكذبة، بنفس الدرجة التي يقطب بها المذيع حاجبيه، بقدر ما تكون سوداوية تاجر الحرب.
تزداد سوداوية الكذبة، خاصة عند الإقتراب من قلب الحدث، عند الإقتراب من الدوي والدخان، آنذاك ما عليك إلا أن تجلس بالمقلوب وتتابع الكذب بالكلمة والكذب بالصورة والكذب بالكشف والكذب بالحجب والكذب بالصمت والكذب بالصوت والكذب باللون والكذب بالزمان والكذب بالمكان. أمام الشاشة الصغيرة أيضاً كثير من الضحايا، أناس يتثاءبون، يتحسرون، يضحكون، يتوترون، يبكون، يشردون، يصبح الناس شاشة كبيرة تشاهدها الشاشة الصغيرة وتبكي، تصبح الشاشة الصغيرة حبة «فاليوم» وحبة «فياجرا» وحبة مسكنة للألم.
(2)
الطفل الصومالي لاجئ في اليمن، الطفل اليمني يباع في دول الخليج، والطفل الخليجي فمه لا يتناسب مع حجم الهمبرجر، الطفل من العالم السادس يهرب نحو العالم الخامس ويحلم بالعالم الرابع القلق على الطفل في العالم الثالث، الطفل يكتب على قذيفة لإهدائها لطفل سوف يقتل في لبنان. هذه آخر تقليعة لتجار الحروب.
(3)
قدراتي على التمرد مثيرة للجدل، مروري الهادئ بجانب قصة حب، سردي الشيق لتجارب لم أعشها قط! قراءة هامش كتاب فقط، ترديد مقطع من أغنية بطريقة تدعو للضجر، أرتمي في حضن أبدية نزقة، أصادق نيزكاً مستعجلاً لا وقت له ليصنع لي مشروباً للكسل، يلعب بي اليومي يومياً، النهار يخنق كل توسلاتي والليل هو مروري بنقاط سأمي، منذ طلوع الشمس وأنا أدفع اليوم باتجاه نهايته، ومنذ طلوع الشمس واليوم يدفعني باتجاه نهايتي.
(4)
اليوم قدمت خدمات كثيرة. سألني ثلاثة أشخاص: كم الساعة الآن؟
سألتني فتاة: أين المستشفى الجمهوري؟ سألني أحدهم: هل جاء فلان؟
سألتني عجوز: هل يوجد مطعم قريب؟ اليوم بذلت جهداً غير عادي، أجبت عليهم جميعاً في يوم عطلتي: اليوم قدمت خدمات كثيرة مجانية، الآن أنا مرهق.