القاعدة سكْرَانَةْ!!

القاعدة سكْرَانَةْ!! - يحيى هائل سلام

"بالله عليك اكتب عليهم، أولاد الحرام مسخوا أولادنا، ضيعوهم!". بغير لهجة، وأكثر من أسلوب خطاب، كثيرون قالوها لي.
وفي لحظة يأس، قنوط، استسلام للعجز وقلة الحيلة، تدحرجت دمعة من عين "س. م" اليسرى، قبل أن ترسو على ضفاف لحيته البيضاء الكثيفة. كان يكلمني: "مو عاد افعلْ له، ضربكه، قيدكه، درسكه بمعهد لغات، على شان ينشغل بالدراسة، ويبتعد عن الخمر وشلة السوء... كل هذا وما فيش فايدة"!!
 شيءٌ مرعبٌ ومخيفْ أن تجدَ نفسك، في لحظةٍ ما، مشلولَ القدرة، عاجزا عن الحِراكْ، عن فعلِ شيءٍ لصغيركْ، ابنك المراهق، وهو يمشي أمام عينيك، واثق الخطوة، كمَلكْ، إلى الهاويةْ.
أحمد، عمر، توفيق، عصام، زايد، عبدالحكيم، مروان... والكثيرون غيرهم، أسماءٌ افتراضية لمسميات مراهقة، بينها من هو دون العشرين، يتوزعون الخمر البلدي، في أكياس البلاستيك، و"دِبَابْ" المياه المعدني، ثم يخلدون إلى السُكرْ!! لا يزالون صغاراً على ذلك، أجدرُ بمن في مثل أعمارهم، أن يتوزعوا قطع الحلوى، يتنافسوا على الفوز بأكبر قدرٍ من درجات الإملاء، يركضوا في الملاعب وراء الكرة، يتسابقوا إلى المكتبات لشراء "رجل المستحيلـ"، أو أن يصارعوا الملل في انتظار حلقة جديدة من "فلونة"!!
مثاليةٌ مردودٌ عليها. يقول "ع. س"، 18عاما: "هذا لما يكون في مكتبات، أما لما تكون معاصر الخمر بالمدينة أكثر من المكتبات والمدارس، فلا تلومناش"!!
في أوساط الناس بالمدينة، الحديث يتداول عن اثنتين إلى ثلاث معاصر لإنتاج الخمر البلدي. لكن مسؤولاً أمنياً، وفي حديث وديٍ وجاد، فاجأني بالحديث عما يقارب 270 معصرة منتشرة حول القاعدة. ليست جميعها تقليدية، هناك واحدة على أقل تقدير استوردت من الهند، وتعمل بكفاءة عالية، على خط إنتاج يعتمد نظام الورديات، ومتواصل على مدار الساعة! في هذا، على ما يبدو تفسير منطقي للتنافسية في التسويق، وانعكاساتها على قائمة الأسعار.
"ع. ف"، 24 عاما، يقول: "كانت الدبة قبل شهر بألف، وهذي الأيام مع التنافس نزلت لثمانمية". وبطبيعة الحال فإن تدني الأسعار ضاعف من استقطاب الزبائن، خصوصاً وأن بالإمكان الحصول على كميات أقل من الخمر البلدي حسب الطلب، إذ من الممكن الشراء بألف ريال نزولاً وحتى المائة الريال، وإذا ما تعذر الوصول إلى مراكز الإنتاج (المَعاصِر)، فالكثير من الدراجات النارية تتحول إلى مراكز تسويق متنقلة، وحتى ساعات متأخرة من الليل.
 مدير قسم شرطة القاعدة، الذي اكتفى بالقول: "نطاق اختصاصي محدود، ولا أستطيع أن أتجاوز نطاق اختصاصي المكاني"، لم ينس أن يصطحبني إلى غرفته الشخصية في مبنى القسم. هناك أشار إلى شهادة تقدير معلقة على الجدار الغربي للغرفة، باعتبارها حصاد عملية مداهمة لواحدة من معاصر الخمر وسط المدينة، عثر في جوارها على سلاح ناري أقرب إلى الثقيل (رشاش مُعَدَّلْ). عملٌ جديرٌ بالتقدير، لكنه لا يعني الكثير بالنسبة لمدينة مسكونة بالفزع، قلِقةٌ على أولادها، قلقةٌ بما يكفي لتدخل النيابة العامة، فهي خط الدفاع الرئيس عن المجتمع.
القاعدة في أمسّ الحاجة لخط الدفاع هذا، واليوم قبل أن تنام فلا تصحو إلا وهي سَكْرَانَةْ!!
 
-----------

«المعتصمين واللَّي هدروا للصحف».. هراوة الشيخ تطارد الرعية في صنعاء -  هلال الجمرة
يتّبع الشيخ محمد أحمد منصور سياسة أشبه ما تكون بسياسة التنكيل التي ينتهجها أي ديكتاتور من العالم الثالث ضد أسر وأقارب معارضيه في الخارج، بل وملاحقتهم خارج حدود دولته. الاسبوع الماضي، عرضت صحف عدة الحالة المأساوية التي يعانيها نازحو عزلة "العنسيين" منطقة الجعاشن إلى صنعاء، على إثرها، قدم رجالات الشيخ عروضاً انتهاكية مخيفة، خصَّت، هذه المرة، أسر الذين وردت أسماؤهم في الصحف. غير أن الشيخ لم يكتف بذلك فأرسل أتباعه إلى صنعاء لمطاردة من حرضوا هؤلاء على عصيانه، وإلقاء القبض عليهم وتأديبهم.
ذهب الخوف من قلوبهم، فالتهديدات التي يصدرها لم تعد ترعبهم، بل تزيدهم حماساً وتشعرهم بأن الحل قد اقترب.
بعد لحظات من سماع الشيخ أحد المقربين إليه وهو يقرأ ما أدلى به عبدالله عبده شرف 55 عاماً في إحدى الصحف، أخذ رجاله بتنفيذ مهمتهم ويقول إنهم «شلو كل المواشي حقي وذبحوا منها ما ذبحوا»، وطالبوا أولاده بدفع 24 ألف ريال كفدية لما تبقى من المواشي.
وبينما كان يحاول تصوير المشهد بطريقة أكثر وضوحاً، قاطعه سعيد حمود الإبي 64 عاماً بسخط: «إسمع اشتي اشكي له من أولادي السبعة الذي يهددوهم كل يوم»، فجميع اسرته نزحوا إلى صنعاء عدا 7 من أبنائه وقد طلب منهم البقاء لحماية الأبقار وعدم ترك الدراسة. إلا أنها «سارت وذلحين عندهم (رجال الشيخ)».
النازحون جميعهم يكنون له كل احترام ويتأملون إعاقته جراء إصابته بطلقات المحتلين البريطانيين بإجلال، لكنه يعاني «آلام الشيخ أكثر من آلام الرصاص»، ويتغنى الرجل بثوريته قائلاً: «أنا أحد مناضلي الثورة وآخذ مكافئة شهرية من الدولة».
أما الشاب المتحمس للقضية نبيل محمد أسعد 25 سنة، والذي كان أحد رجالات الشيخ ومطيعيه، فقد رفض طلب والده بالرجوع إلى القرية، وعدم الخوض في صراع مع الشيخ قائلاً: «قلِّي أبي: ارجع يا ابني ما شيضرني الا أنا». وقُلك له: والله ما أرجع لو يخذفوا بالقراش حقك من رأس الحيد»، مضيفاً أنه لن يعود إلا بعد أن يرفع عنهم الظلم.
وبالرغم من خوف والده إلا أنه أستطاع حماية أبقاره، ويقول نبيل: «بعدما ابصر الشيخ صورتي في الجريدة ساروا يهددوا ابي ويشتوا يشلوا البقر حقه وهو قال لهم ما اعرفه ولا هو ابني وهو متهرب عليَّ من قبل 4 سنين». لكنه اتصل خائفاً يحذر ابنه الذي يرى أنه «طائش» وبلا عقل: «لا تهدر على الشيخ» فيرد معانداً: «والله إني شهدر وما شنجلس عبيد له، وبعد قال لي: خلاص لا تحضرش البلاد على أساس أخارج القراش من الخبرة».
هناك ستة آخرون اعتبروهم محرضون هم: «مقبل عبدالله محمد، عبده علي ناجي الجعشني، فيصل أحمد غالب، هاشم حمود عبدالله، فيصل عبدالله أحمد صالح، فؤاد أحمد عبدالله»، صباح الأحد الماضي، كان مقبل عبدالله 30 عاماً مهددا بالقبض عليه من جنود الشيخ الذي أرسلهم يقول: «بلغ بنا أمين فيصل النائب حقه الذي في اللحيَّة إلى عند خالد الجابري أنه يحضر هذه المجموعة المتمردة»، مضيفاً أن سبب اختيارهم هو «لأننا علمناالرعية يشردوا من البلاد وأننا مخربون ونحن في حزب آخر». يسند حديثه بيمين: «والله اننا في حزب المؤتمر» ويدخل يده إلى جيبه قائلاً: «وهذه بطاقتي».
عبده الجعشني وهو في الترتيب الثاني من قائمة المطلوبين من الشيخ قال: «ولد خالي بلغني لا تخرجش الشارع لأنك مراقب ويقولوا إنك معلم لهم وتدي لهم مصاريف». في حين ينظر هاشم حمود عبدالله إلى أن الانتهاكات الإسرائيلية أخف مما يمارسه الشيخ ورجاله قائلاً: «يزفروا بنا عند اسرائيل أهون من الشيخ محمد أحمد منصور».
هذا وقد علَّق النازحون قائمة سوداء شملت أسماء المستعبدين في قطاع الجعاشن ابتدأت بالآية القرآنية «إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبعون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم»، تليها «القائمة السوداء في قطاع الجعاشن» وعلى رأسهم «محمد أحمد منصور» يليه 27 من أتباعه أو من زمرته أو حاشيته، حد قولهم، أولهم أمين فيصل بن حسين وتنتهي بـ«محمد محمد بن علي حليان»، وقد وصفهم هؤلاء بأنهم من «يعيثون في الأرض فساداً».
فمنذ انتقالهم إلى العاصمة يواصل النازحون احتجاجاتهم التي أعلنوها مطلع الاسبوع الفائت، متخذين من ساحة مبنى منتدى الإعلاميات اليمنيات ملجأً لهم ومأوى. وبدأوا أولى اعتصاماتهم بداية الشهر الجاري من أمام مبنى البرلمان مروراً بوزارة الإدارة المحلية، التي التزم لهم وزيرها بتشكيل لجنه للنظر في مشاكلهم وإيجاد الحلول لها.
بعد إسبوع من انتظارهم للجنة التي وعدهم بها عبدالقادر هلال رفعوا رسالة تظلم إليه من ثلاث صفحات ممهورة ببصماتهم عليها بالدم.
وسردت الرسالة بعضاً من تظلماتهم التي يقولون بأنها «نقطة من بحر» وملخصة في 8 نقاط منها: «ضرب المواطنين ونشر الرعب في قلوبهم وترويع نسائهم وأطفالهم وبيع ما يملكونه من أرض وزرع الفتن بين المواطنين بواسطة مليشياته وتسلطه على المياه والمشاريع الأخرى وفرض مبالغ زكاة تصل إلى 70 ألف ريال وكلها لصالحه..».
وطالبوا في رسالتهم وزارة الإدارة المحلية بتشكيل لجان للنزول إلى المنطقة لتقصي الحقائق في قضاياهم و«بسط نفوذها في المنطقة بدلاً من نفوذ الشيخ. وإحالته إلى النيابة مع عدوله واعوانه للتحقيق معهم وتسليم ما علينا من زكاة الأثمار إلى خزينة الدولة مباشرة وإلزام الشيخ بعدم ملاحقة المواطنين وإيذائهم «وفك الحصار عن أهلينا وذوينا وباقي العزل المفروضة من قبل الشيخ حتى الآن». آملين أخذ قضيتهم بعين الرأفة والرحمة، منتظرين أن ينعموا بأهداف الثورة والجمهورية وبدولة النظام والقانون على يد وزير الإدارة المحلية.
***
مهيوب: «بُعك ما فوقي وما تحتي، قانا فقيرنقير.. وزاد رجمني بالقلص»

تلقى الجعشني مهيوب حمود ضربة عنيفة بكوب زجاجي على خده الأيسر قبيل مغرب السبت قبل الفائت.
وقال الأسبوع الفائت، وما تزال أثر الورم بادية: «محسن علي رجمني بالقلص». ومحسن علي هو عدل الشيخ محمد أحمد منصور في قرية «الرجوب»، وهو من يتحصل عائدات الزكاة من الرعية.
لكن مهيوب ليس سوى فقير القرية وخدَّامها المسكين.
دخل «مهيوب» على محسن علي قبيل المغرب آتياً من «الرجوب»، والأخير «مقيِّل ومكيِّف في راس الديوان»، وأخذ مهيوب يترجاه: «أنا فدالك ارحمني من أين لي 30 ألف من أين شاقلبه».
وواصل يتوسل ويتودد له ويحاول تقبيله على الركب كأي مسكين، لكن الرد كان قاسياً: «رجمني بالقلص كان شايقلع عيني».
تلقى مهيوب تلك الرجمة وعاد خائباً ويبكي. ولم يكن ينوي قبلها أن ينضم إلى صف المعتصمين أمام المحافظة ومن ثم في صنعاء.
وقال مهيوب، السبت قبل الفائت إنه خائف من «الرجعة»، وشكا وهو جاث على ركبتيه، التهديدات اليومية لزوجته من قبل عساكر الشيخ: «يفجّعنها شايبزوا البقرة».
وقال، وهو أفقر المعتصمين، إنه معول وصاحب أسرة: «بعك ما فوقي وما تحتي. أنا فقير نقير من أين شادفع 30 ألف».
يتحدث مهيوب 50 عاماً عن مأساته بحرقة وبخوف شديد من ديكتاتورية الشيخ. وإذ يحلم بالعودة إلى البيت يبدو مرعوباً.
ووفقاً لرفاقه المعتصمين من مواطني عزلة العنسيين, فإن مهيوب ليس إلا شاقياً وخداماً للناس. لكن مطلوب منه 30 ريال وكأنه أحد الرعية «الزخازيخ».