عن «المشاريع الألغام» في جنوب السعودية... وجنوب اليمن

ابوبكر السقاف يكتب عن «المشاريع الألغام» في جنوب السعودية... وجنوب اليمن

احتج أبناء منطقة نجران من الاخوة الاسماعيليين على مشروع توطين جديد في منطقتهم يهدف إلى جلب عشرة آلاف من اليمنيين، وصفوا بأنهم من السنة («القدس العربي»،19 /2/2008، مراسل رويترز في الرياض هاموند). ورغم تضارب الأخبار فيما يخص العدد والهدف إلا أن أبناء المنطقة اعتبروه رداً على مطالبهم التي قدموها في مذكرة مشهورة قبل نحو ستة أعوام طالبوا فيها بالاعتراف بمذهبهم والكف عن تكفيرهم في المقررات الدراسية والحصول على حقوق «المواطنة» الأخرى، وكان ذلك في الفترة الممتدة من العام 2002 حتى 2004 عندما توالت المذكرات التي تفاوت محتواها بين المطالبة بملكية دستورية إلى حماية الناس من سطوة المطاوعة التي تتراوح من الجلد حتى الموت والتعذيب في مقراتهم التي تذكر بمحاكم التفتيش التي بدأت في اسبانيا على إثر خروج العرب واليهود منها بعد هزيمة آخر معاقل العرب في غرناطة.
إن «الhستجابة» لمطالب الاخوة الاسماعيليين جاءت لتعزز موقع السلطة الوهابية،وذلك بخلخلة البنية السكانية في المنطقة، التي يمكن أن يكون الوافدون الجدد من السنة رهن إشارة السلطة. وبدلاً من اندماج وطني طبيعي يمكن أن تضمنه المواطنة والعيش المشترك، يوجد الإسكان المنظم ردود أفعال سلبية منذ اللحظة الأولى، ويبدو أن النظام لا يبالي بالسلم الاجتماعي، ومهجوس بوسواس تدجين فرقة مسلمة كان لها دولة في المغرب ومصر واليمن، فليس الفاطميون مجوساً انتحلوا النسب الشريف كما جاء في بيان رسمي سعودي رداً على مشروع الدولة الفاطمية الذي قال صاحبه القذافي إنه سيوحد العرب والمسلمين، ولم يفطن صاحب الكتاب الأخضر جداً أن دعوة مذهبية لا يمكن أن توحد بل بالتعريف وحكماً ستزيد النار اشتعالاً، لا سيما بعد أن شرعت أمريكا في أسلمة ثم تعريب عدائها لإيران، الذي يبدو أن السعودية والخليج لم تقع في فخه، كما تبين في الأشهر الأخيرة. ورد الافتاء السعودي الرسمي يؤكد أن الحل ليس مذهبياً ولا يأتي به شعار «الاسلام هو الحل» مهما تعدد قناع السياسة فيه وعلى سيمائه، خمينيا أو وهابيا أو على منوال الاخوان المسلمين أو القاعدة أو الجهاد, فكلها تعبير عن أزمة عميقة ولكنها ليست حلاً. الحل دولة لمواطنيها حيث الدين لله والوطن للجميع.
 والاجراء السعودي يؤكد أنه لغم في منطقة لم يتعد الاحتجاج فيها المظاهرات وتقديم المذكرات، ويبدو أن مشروع التوطين قد ينقله إلى مستوى آخر من المقاومة. لا سيما وأن الاشتباكات التي جرت بين الاسماعيليين والشرطة في العام 2000 كانت بسبب توطين السنة.
 في الجنوب يجري منذ شهور مشروع مماثل يهدف أيضاً إلى تغيير تركيب البنية السكانية فيه. وكان الأخ اليدومي من أوائل المبادرين، إن لم يكن الأول، وزعيم الحزب الراحل كان من الذين يتذمرون من الأعراق الغربية في الجنوب، لاسيما في حضرموت وعدن، وتقدم قائد حزب الاصلاح الجديد بمشروع تحسين النسل في تلك البقاع قبل سنوات، فالذهنية القبيلية إستتباعية. الم يكن العرب بعد الاسلام يلحقون الموالي بالنسب، وكان بعضهم يرفض الصلاة وراءهم.
 ولكن الوعد الجاد جاء بمشروع الرئيس لتوطين الشباب في الجنوب. وفي الحالين يبدو الجنوب أرضاً بلا شعب، كما قال الصهاينة عن فلسطين قبل زحفهم، ومن الطريف في عالم السياسة الدولية أن المؤتمر الصهويني أرسل اثنين من أعضائه إلى فلسطين، وأبرقا بعد زيارة فلسطين إلى هرتزل قائلين: إن العروس متزوجة وقد أنجبت الأولاد. ورغم فلكلورية الحكاية إلا أنها تحتمل لوناً من الواقعية، بسبب المسافة وصعوبة الاتصالات والسفر. ولكن لا عذر لزعيمي الاصلاح، فهم حتى في عهد الامامة كانوا يعرفون المناطق المجاورة، تماماً كما يعرف ساسة الدولة النجدية المنطقة التي يريدون غمرها بمد سني يحمي الدولة.
إن تشابه المشروعات الألغام يشير إلى فشل الدولة القبيلية سواء أكانت دولة لأسرة، أم جمهورية النظام القبيلي العسكري التجاري، لأن المشترك بينها هو الذهنية القبيلية التي يتراوح وجود سلطتها بين مستوى ما قبل الدولة وما دون الدولة في حركة بندول يفرضها الواقع الاقليمي والدولي المحيط بالدولة السعودية الثالثة أو بجمهورية انقلاب 26 سبتمبر 1962.
إن كيانات ما بعد سايكس بيكو كلها نتاج توازن دولي، أي أن السيادة التي لا تؤسسها ثورة يقوم بها مجتمع يفرض حقيقة نضجه واستعداده لتقرير مصيره والدفاع عن وطنه، ولذا يطول الترحال عبر سلسلة من الانقلابات هي في جوهرها عجز عن صنع مجتمع ودولة بالانتصار على البنيان الانقسامي الذي تفرض فيه فئة أو جهة أو طائفة حاكماً حصرياً على بقية المكونات. وتتفاوت صور ومشاكل هذه الكيانات من لبنان ما بعد 1860 إلى السعودية إلى اليمن والسودان.
لفت نظري قبل نحو ثلاثة أعوام ما ورد في دراسة لمتروك الفالح، أحد الأربعة الذين اعتقلوا لأنهم طالبوا بمللكية دستورية، وقيام ما أسماه أحدهم (الزميل الحامد) الدولة السعودية الرابعة، ولم يشفع له حتى هذا القول. ذكر الزميل متروك أن الاندماج الوطني معدوم حتى في المراكز الحضرية الكبيرة والحديثة مثل الخُبَر، وأن المدن تحكمها أسر محدودة، وكأنها عشائر جديدة (وهو أستاذ علم الاجتماع السياسي في جامعة عبدالعزيز بالرياض) وكل ما يجري اليوم في يمن ما بعد 7/7/94 يؤكد، لا غياب الاندماج بل الحرب المستدامة بأشكال متعددة من صعدة الدامية بالحرب، إلى الجنوب الدامي برصاص الشرطة والجيش وجرائم العسس، وشرعب التي تؤدبها السلطة بالراجمات (الكاتيوشا)، وتهامة، والجعاشن.
تقف الثقافة السياسية هنا وهناك حامياً لمصالح قلة قليلة، تنتمي إلى أقلية كبيرة في اليمن (نحو 25٪_ من السكان)، وأسرة ممتدة تضم عشرين الف أمير في نجد والحجاز. وفي الحالين يستحيل على هذه السلطة ذات الطابع الحصري أن تصنع وحدة إلا إذا تم تربيع الدائرة؟
 
20/2/2008
 
* استيلاء المشايخ والضباط على الأراضي في المدن يجعلهم الفاعل الاجتماعي الوحيد. والفرق أن الرصاص الذي يُسمع في صنعاء ليلاً، لا يُسمع في الحديدة وعدن والمكلا، حيث لا توجد جيوب مقاومة من المشائخ والضباط. كان آخر أخبار الاستيلاء بالرصاص هو هجوم مجموعة على منزل هشام وتمام باشراحيل ومكتب الأيام في 12/2/2008، وتدل كل القرائن أن الأمر دُبَّر بليل بين السلطة وأدوات الفيد، وبإشراف رئيس الجمهورية الدائم الغاضب على «الأيام» لنشرها أخبار ثورة الجنوب السلمية.
* راجع إنْ شئت: متروك الفالح، الاصلاح الدستوري في السعودية، القضايا والأسئلة الاساسية. الناشر: المؤسسة العربية الأوروبية للنشر (أوراب)، سلسلة براعم، اللجنة العربية لحقوق الانسان.