تقرير الحكومة المقدم للبرلمان حول الاقتصاد.. شفافية مقلقة

تقرير الحكومة المقدم للبرلمان حول الاقتصاد.. شفافية مقلقة - عبدالكريم هائل سلام

على خلاف العادة قدمت الحكومة الاثنين الماضي تقريراً حول التطورات الاقتصادية والمالية, كشفت فيه اختلالات مقلقة في أهم المؤشرات المالية والاقتصادية، يخشى أن تكون ذريعة لإصلاحات سعرية قادمة مما قد يزيد الأمور سوءاً.
فالمتأمل لأول وهلة في هذا البيان يرى أن ليس له من مناسبة سوى الإصرار على كشف مساوئ وعورات اقتصاد عليل ظلت الحكومات المتعاقبة تتستر عليه وتنكر اعتلاله باستمرار على الرغم من مظاهر الهزال البادية للعيان لدى رجل الشارع قبل منظري الاقتصاد ومحلليه. وهو أمر يترك أكثر من علامة استفهام حول الميل الزائد في الآونة الأخيرة إلى المكاشفة بالهشاشة التي يعاني منها الاقتصاد ومدى اختلال مصادر تمويل الموازنة العامة في بلد ما زالت فيه الدولة المحرك الأول لعجلة الاقتصاد، إذ تراوح حجم النفقات العامة خلال العامين الماضيين بين 37 إلى 39%، كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وهذا مؤشر يبين حجم الدور الذي يلعبه الإنفاق الحكومي في النشاط الاقتصادي؛ وبالتالي فإذا ما تعرضت موارد تمويل الموازنة لأي خصاص, فإن ذلك لن ينعكس فقط على النفقات العمومية وحدها, بل سيمتد إلى كل الاقتصاد، نظراً لحجم دور الدولة في الناتج المحلي الإجمالي، ومن ثم فإن اقتصادها العليل سيدخل غرفة الإنعاش إن لم تكن مرحلة جديدة من الانهيار مماثلة لتلك التي شهدها العام 1994 والتي على إثرها باشرت الحكومة تطبيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية تحت وصاية صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
والباعث على المخاوف من ذلك المصير ما ورد في التقرير من مكاشفة تأتي متناغمة مع تصاريح سابقة لمسؤولين يمنيين من بينهم وزير المالية. وفي هذا الإطار يذهب التقرير المشار إليه إلى أنه على الرغم من زيادة الإنفاق العام الإجمالي بنسبة 18.7% بين عامي 2005 و2006 وبنسبة 59.4% بين العامين 2004 و2006، إلا أن تلك الزيادة صاحبها جملة من الاختلالات، أهمها: أن الزيادة اتجهت لتمويل النفقات الجارية التي ارتفعت بشكل ملحوظ إلى إجمالي الإنفاق العام من 69.9% عام 2004 إلى 72.1% عام 2005، ثم إلى 75.8% عام 2006. وترجع معظم الزيادة في الإنفاق الجاري بدورها إلى ارتفاع بند الأجور والمرتبات نتيجة لتنفيذ استراتيجية الأجور والمرتبات.
وفي هذا السياق فإن الإشكال الرئيس لا يبدو في حجم الزيادة التي نتجت عن تطبيق الاستراتيجية, بل إن تلك الزيادة أصبحت معدومة الأثر نتيجة لتفاحش معدلات التضخم من عام إلى آخر, وهو أمر لم يفصح عنه التقرير والذي أتى على تلك الزيادات منذ بدء تطبيق المرحلة الأولى للاستراتيجية الوطنية للأجور في أغسطس2005 وحتى يومنا هذا. إذ تراوحت نسبة التضخم بين 12.5 و15.5% مقاسة بالناتج المحلي الإجمالي. أما إذا قيست بمعايير سلة المواد الأكثر استهلاكا ومعيار المنتج الذي يدخل في صناعة تلك المواد الأكثر استهلاكا، فإن النسبة تتجاوز حاصل جمع ارتفاع معدل التضخم بالمقياس الذي تذهب إليه التقارير الرسمية وحتى تقارير المؤسسات الإقليمية والدولية، وهو ما يعني أن أي توجه لإعلان جرعة جديدة سيكون من قبيل المغامرة غير المحسوبة النتائج، خاصة وأن التقرير ركز بشدة على ما يشكله الدعم من ضغط على الإنفاق العام.
فقد ذهب إلى أن حجم الدعم للوقود والطاقة الذي تتحمله الموازنة العامة للدولة بلغ في 2005 حوالى 23.5%، وحوالى 21% عام 2006 من إحمالي النفقات العامة، ويتوقع أن يرتفع ذلك الدعم إلى أكثر من 30% من النفقات العامة في عام 2008، نتيجة لارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية. وفي هذا السياق يذهب التقرير الحكومي إلى التأكيد على أن الاستمرار في سياسة الدعم وتزايده في ظل تدهور إنتاج النفط و انخفاض ومحدودية الإيرادات الضريبية والجمركية وفي الوقت نفسه زيادة النفقات العامة والالتزامات المستقبلية، سيترتب عليه زيادة عجز الموازنة ومن ثم الدخول بمرحلة الاختلال المالي والنقدي. ولا يفوت معدو التقرير التذكير بأن الدعم لا يصل إلى الفئات المستهدفة، وهو ما يتطابق مع رؤية البنك الدولي الذي ما فتئ يحذر في كل تقاريره من استمرار دعم الوقود والطاقة، مما يعني أن المكاشفة بحقيقة الأوضاع الاقتصادية ليست إلا مقدمة لاستنهاض المجلس التشريعي كي يوافق على تمرير جرعة جديدة لإنقاذ الموازنة من شبح العجز المرتقب.
لكن على ما يبدو فإن السلطة التشريعية سيتعين عليها التأني قبل أن تغامر في تلبية المطلب الحكومي, خاصة وهي تدرك جيداً أن تحركات الشارع اليمني في المحافظات الجنوبية في الأشهر الأخيرة لم تكن منفصلة عن قسوة الظروف المعيشية التي يعانيها اليمنيون والتي تراكمت بفعل السياسات الخاطئة، وهو ما تدركه الحكومة نفسها ما لم تكن تقرأ تلك التحركات قراءة سياسية. فكثيرا ما ذهب مسؤولون كبار إلى اعتبار الاحتجاجات الشعبية استغلالا سياسيا لحاجات وظروف الناس. فهل يعني ذلك أنها ستناقض نفسها وتتعاطى مع المسألة الاقتصادية بطريقة سياسية، غير مدركة لحساسية الشارع ولأوضاعه الاقتصادية التي أصبحت على درجة كبيرة من الحساسية والاستنفار؟
عموما ينتهي المتابع لمضمون هذا التقرير إلى أنه اعتراف رسمي باعتلال الاقتصاد اليمني، ما لم يكن مؤشراً على نية الحكومة في تنفيذ جرعة سعرية جديدة يتوجب عليها قبل المغامرة إعادة قراءة الأوضاع الاقتصادية قراءة واعية، وربطها بكل التفاعلات التي عاشها الشارع اليمني منذ مطلع العام المنصرم الذي شهد موجة ارتفاع للأسعار ليس لها مثيل.
إن استحضار مثل هذه المعطيات والموازنة بين مخاطرها الحالية وبين مخاطر معالجة العلة بالطرق التقليدية لا شك أنه سيكون باهض الكلفة، ومن باب أولى التأني في خوض مغامرة جديدة والالتفات إلى المشاكل البنيوية المعشعشة في البنى المؤسسية والذهنية التي ظلت تدير الفعل الاقتصادي بتدبير لحظي غايته مواجهة كل مأزق وكأنه حالة عارضة، فيما هو في حقيقته ناتج عن تراكمات طويلة من الإدارة السيئة حتى بعد الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي يفترض أن تكون قد وضعت البلاد واقتصادها على سكة جديدة من الانطلاق أسوة بما حققته اقتصاديات البلدان التي خضعت لمقتضيات تلك الإصلاحات لكن الحاصل أن اليمن شذ كثيرا عن تلك النتائج مما يعني الاستمرار في سياسة الإصلاحات السعرية حتى بعد مضي أزيد من ثلاثة عشر عاما منذ العام 1995.
دون إدراك لا يعترف بوجودها على وجه الإطلاق نتيجة للتعامي السياسي الذي من مستلزماته إغفال الأسباب البنيوية ,التي تقف وراء استمرار إنتاج مسلسل أصبح الفساد من أهم دعائمها الأساسية لاشك انه سيفضي إلى مخاطر اكبر من قدرة البلاد على تحملها في الظرفية الحالية.
ولاتهدف إلى مجرد التخلص من ثقل اللحظة والوقوع في راهنية تعيد قراءة الخلاصة الملهم الأول اليمن برمتها الشرقية حساسية الشارع تقف أمام امتحان صعب قد لا تقدر فيه على الاستجابة للمطالب الحكومية التي عمدت في الآونة الأخيرة إلى الشفافية والمكاشفة بحال أوضاع اقتصاد كانت سياساتها السبب الرئيس في اعتلاله عليلية تردد كثيرًا أمام الاستجابة للمطالب الحكومية,والتي كانت حتى وقت قريب تنكر أي من النفط فضلا عن أن استمرار الدعم وخاصة في ظل آليات توزيع غير كفئة وقاصرة عن الوصول إلى الفئات المستهدفة الأمر الذي من شأنه الابتعاد عن أهدافه الاجتماعية والاقتصادية.
إن الاستهلاك المحلي قد ارتفع من 4603 مليون لترفي عام 2004 إلى4966 مليون لتر في عام 2006,بنسبة زيادة 7.3%، ويتوقع إن يصل حجم الاستهلاك في عام 2008 إلى 5975مليون لتر،أي بنسبة زيادة حوالي 20.3% عن عام 2006.
من ناحية ثانية شهدت الإيرادات الضريبية تراجعاً ملحوظاَ في نسبة مساهمتها إلى إجمالي الإيرادات العامة والمنح، حيث تراجعت من 25.6% عام 2005م إلى 18.5% عام 2006م، وقدرت ب 19.3% عام 2007م, ومن ثم تراجعت نسبة الإيرادات الضريبية من الناتج المحلي الإجمالي من9.4% عام 2005م إلى7.1% عام 2006م و6.5% عام 2007. م ومع ذلك ما زالت هذه النسبة تفوق النسبة المتوقعة في خطة التنمية الاقتصادية والاجتماعية الثالثة للتخفيف من الفقر لعام 2006م بحوالي 0.5 نقطه مئوية.
مدى استدامة المالية العامة في ظل تراجع إنتاج النفط.
مثلت هيمنة الإيرادات النفطية أحد أوجه الاختلالات التي واجهت المالية العامة خلال الفترة 2000-2007 ؛الناتجة عن الخلل الهيكلي القائم في بنية الإيرادات العامة نتيجة لضعف نمو الإيرادات غير النفطية, على الرغم من الجهود التي تبذلها الحكومة لتحسين وزيادة الإيرادات غير النفطية. وبالتالي فإن اختلال المالية العامة تمثل أحد أبرز التحديات خلال الفترة المقبلة بما يمثله ذلك من آثار سلبية على الاستقرار المالي في ظل تدهور الإيرادات النفطية للفترة القادمة وضعف معدلات النمو في جانب الإيرادات الضريبية في ظل الزيادات المتتالية للنفقات الجارية، الأمر الذي سيؤدي إلى زيادة الفجوة بين الإيرادات الضريبية والنفقات الجارية كما يلاحظ من مقارنة معدلات نمو الإيرادات الضريبية مع نمو النفقات الجارية.
3 اتجاهات الإنفاق العام.
على الرغم من الزيادة في حجم الإنفاق الاستثماري كقيمة مطلقة من 210.2 مليار ريال و 252.6 مليار ريال في العامين 2004 و2005م إلى 289.4 مليار ريال عام 2006م, إلا أن نسبتها إلى إجمالي الإنفاق العام قد اتجهت إلى الانخفاض من 23.8% عام 2004م الى21.3 % عام 2005م ثم إلى 20.6% عام 2006م. كما تراجعت نسبة النفقات الاستثمارية إلى الناتج المحلي الإجمالي من 8.2%عام2004م إلى 7.9% عام 2005م ثم إلى 7.7% عام 2006م، بينما قدرت ب7.9% عام 2007م. الأمر الذي يتطلب تصحيح هذا الاختلال القائم بين النفقات الجارية والنفقات الاستثمارية.
ومما يجعل حالة المكاشفة والمصارحة التي عمدت إليها السلطات في الآونة الأخيرة سيئة الأثر على الثقة بالاقتصاد اليمني
الخوف من أن تكون هذه المكاشفة مقدمات لمرحلة جديدة من الإصلاحات السعرية التي تنوي الحكومة تطبيقها بجريرة تأمين مصادر تمويل الموازنة العامة.