القضية الجنوبية بوابة التغيير

القضية الجنوبية بوابة التغيير- طاهر شمسان

لا يستطيع إخواننا في الجنوب أن يقنعوا أحداً في الشمال بوجود " قضية جنوبية " إلا إذا وضعوا هذه القضية على مداميك وحدة 22 مايو 1990 الطوعية, وأثبتوا أن " حرب الردة والانفصال " منتج شمالي اختلقته العصابات الانفصالية المتحكمة في صنعاء وارتدته كقميص عثمان للهروب من استحقاقات الوحدة الطوعية (البناء المؤسسي للدولة على قاعدة الشراكة والديمقراطية) وتبرير اجتياح الجنوب عسكريا وتحويله إلى غنيمة حرب إلى اليوم...إذا أثبتوا ذلك سيتفاعل معهم أهل الشمال وستتحول قضيتهم من جنوبية خاصة إلى يمنية عامة. وحينها سيكون بمقدور هذه القضية أن تتحرك فوق قضبان آمنة وأن تحقق أهدافها في إزالة كل آثار الحرب والانتصار لاستحقاقات الوحدة الطوعية.
 أما طرح " القضية الجنوبية " كما يتصورها الثلاثي: مسدوس، باعوم، النوبة, على أساس " هوية " في مواجهة " هوية " و"سكان " في مواجهة " سكان " و" وطن " في مواجهة " وطن " و" جنوب " في مواجهة " شمال " فهو انتحار جماعي لا يخدم إلا العصابة التي نظرت وخططت لحرب صيف 1994, وانقلبت على اتفاقية الوحدة وداست على العهود والمواثيق وجندت الأميين وأشباه الأميين والأفغان العرب والوهابيين وبقايا الحرب الباردة وأصحاب الثارات السياسية -من الشمال والجنوب- ووظفت رجال الدين ودور العبادة...الخ ثم حولت الجنوب إلى ساحة حرب وأراقت دماء اليمنيين غزيرة في الجبال والسهول باسم الوحدة والشرعية. ولم تكن الوحدة والشرعية في حقيقة الأمر سوى نفط شبوة وبترول حضرموت وأراضي عدن وبقع المكلا وأسماك بحر العرب وشواطئ سقطرى وتعاونيات لحج وأبين ومؤسسات القطاع العام التي نهبت تحت مسمى الخصخصة وأغلقت ليتحول شغيلتها إلى مقاعدين عاطلين عن العمل وفائضين عن الحاجة وهم في ربيع أعمارهم وفي أوج قدرتهم على العطاء.
 إن اليمنيين شعب واحد كانوا في زمن التشطير محكومين بدولتين. ولم يشكل الجنوب في يوم ما " هوية " واحدة وإنما " هويات فرعية " لم يكن بمقدور الحزب الاشتراكي اليمني أن يوحدها إلا في إطار " اليمننة " اللصيقة باسمه.وإذا كان الحزب الاشتراكي قد حكم الجنوب, فهذا لا يعني أنه كان في يوم ما حزبا جنوبيا...إنه حزب يمني وحدوي قوته في وحدويته. ولهذا حاربته العصابات الانفصالية في الشمال والجنوب و ما تزال تحاربه إلى اليوم.وأن تقول بعض النخب اليوم في الجنوب " لا للاشتراكي " فمعنى ذلك أنها تعزف على المقطوعة نفسها التي يعزف عليها مشعلو حرب 1994.
 ما هو تاريخ الجنوب الذي يعمل الانفصاليون في صنعاء على تجريمه وتسفيهه إن لم يكن تاريخ جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية التي وحدت الجنوب ونص دستورها على واحدية الجنسية اليمنية وتبوأ الشماليون فيها أعلى المناصب!. أما تاريخ السلطانات والمشيخات والإمارات فالانفصاليون في صنعاء متصالحون معه ولهذا أوعزوا لبقايا السلاطين أن ينتقموا لتاريخهم وحاولوا إزهاق حياة علي صالح عباد "مقبلـ" خلال الفترة الانتقالية. وعندما أطلقوا مدافع حرب 1994, تعاملوا مع منزله في صنعاء كما لو كان موقعا عسكريا واستباحوه بينما كان الرجل تحت قبة البرلمان يناطح الأغلبية الانفصالية الغوغائية التي ركبت فجأة موجة الوحدة ومارست عملية تضليل واسعة النطاق على شعبها...واليوم نرى "مقبل " شيخا يتوكأ على عصاه بقلب مجهد لينير العقول والقلوب في المهرجانات ويبقي الوحدة حية في ضمائر أهل الجنوب والشمال بينما يقوم الانفصاليون باغتيالها يوميا من خلال اقتطاع الأراضي بالهكتارات وكأنهم يقولون للجنوبيين: نحن نحتلكم ونستبيح أراضيكم ونحكم عليكم أن تعيشوا فقراء مهانين, كما حكمنا من قبل على أهل تهامة وتعز وصعدة وصنعاء والمحويت وإب ومأرب والبيضاء وريمة وعمران وحجة...أليس من واجبنا اليوم أن نكرم هذا الشيخ العملاق وننحني أمامه ونقبل التراب تحت نعليه وننظر بازدراء واحتقار إلى الذين حاربوه وحاولوا قتل ضميرنا الوطني والوحدوي المتجسد في شخصه.
 إن وحدة 22 مايو 1990 كانت معجزة لم تتوقعها الغالبية العظمى من اليمنيين.ومن باب الإنصاف والصدق مع النفس يجب أن نعترف للاشتراكي علي سالم البيض – وهو ما يزال على قيد الحياة - بهذا الانجاز العظيم, وإنه آخر الرجال الموحدين ولا ندع أحدا يسرق منه هذا الحق ويستكثر عليه هذه المأثرة لمجرد أنه من الجنوب،وكأن أمهات الجنوبيين عقيمات لا يلدن أبطالا,وإذا جاز لنا أن نشير إلى نقطة ضعف عند هذا الرجل فهي أنه كان – ولا يزال - رومانسيا حالما لم يتوقع المشاكل المستقبلية التي كانت في انتظاره بعد التوقيع على اتفاقية الوحدة, ولم يدر في خلده أن شركاءه سيمارسون معه " الخناق بالعناق ", وأنهم سيقفون على الحياد في معركة الاستفتاء على الدستور, وأنهم يدخرون الميراث التاريخي للصراع بين الشطرين لتصفية الحساب مع الحزب الاشتراكي وذبح كوادره كالخراف في شوارع صنعاء وإخراج الجنوب كله من معادلة الحكم والإتيان بممثلين صوريين يقصون الأشرطة في المناسبات ويلتقون مع الجماهير ليبلغوها تحيات الرئيس القائد.
 كان البيض يعتقد أن الوحدة أنهت الحروب اليمنية-اليمنية, وأنه يتعامل مع شركاء عقلاء ووحدويين مأسورين مثله بأوجاع الوطن لا بتوريث الأبناء. ولم يكن يتصور أن العين اليمنى تتحين الفرصة لتفقأ العين اليسرى, وأن اليد اليمني تتربص لتبتر اليد اليسرى. ولهذا قبل أن تتموضع المعسكرات الجنوبية التي نقلت إلى الشمال في أماكن يسهل معها محاصرتها وعزلها وتدميرها.ولم يمانع أن تتموضع القوات الشمالية التي نقلت إلى الجنوب في أماكن تضمن لها عند اللزوم موقفا عسكريا متفوقا.
 لم يعلن البيض الانفصال وإنما حاول إنقاذ الجنوب بعدما أشعل الانفصاليون في صنعاء حرائق الحرب. وكانت تلك كبوته القاتلة التي يجب أن نتعلم منها.فالتمترس وراء الجنوب لن يرسو معه أحد على بر. والمتراس الحقيقي الذي يجب على الجنوبيين أن يقفوا خلفه هو أولا: الوحدة اليمنية, وهو ثانيا: النضال السلمي الديمقراطي, وهو ثالثا: المصالحة الوطنية وإزالة كل الأحقاد والضغائن التي خلفتها أحداث يناير 1986.
 وعندما كان فرقاء يناير يتقاتلون في عدن, كانت العصابات الانفصالية تشرب الأنخاب في قصور صنعاء وجدة, وفقهاؤها يدعون في المساجد. كلهم جوقة واحدة يوحدها الهدف رغم اختلاف الطقوس...وعندما لاحت بوادر المصالحة,راحوا يفتشون في المقابر عما ينكأ الجروح مع أنهم حولوا الوطن كله إلى مقبرة جماعية, وحكموا على الشعب اليمني بالموت... وأن يتوحد الجنوبيون من أجل إعادة الاعتبار لوحدة 22 مايو الطوعية وتقرير مصير كل اليمنيين, فهذا مما ترتعد له فرائص الانفصاليين في الشمال والجنوب وتعتبره من بقايا التربية الوطنية التي رسخها الاشتراكي والبعث والناصري والسبتمبريون والاكتوبريون في عقولنا وقلوبنا.لهذا على إخواننا في الجنوب ألا يدعوا أحداً يسقط راية الوحدة من أيديهم. فالوحدة شرفهم وكرامتهم. وتحت هذه الراية يستطيعون أن يحرروا كل متر مربع في عدن والمكلا من قوى الفساد, وأن يجعلوا من الجنوب بوابة التغيير في اليمن كله.
tahershamsan