معتقلو اليمن لدى أمريكا.. هل يرسمون مستقبل علاقات البلدين؟

معتقلو اليمن لدى أمريكا.. هل يرسمون مستقبل علاقات البلدين؟ - أحمد الزرقة

"المعتقلون اليمنيون في جوانتانامو يستحقون وجودهم في ذلك المكان. والمؤيد وزايد يستحقان العقوبة لدعمهما حماس". كان ذلك جزءا مما قاله السفير الأمريكي الجديد في صنعاء، خلال لقائه مع الصحفيات في منتدى الإعلاميات، وهو بهذه الرسالة يوضح طبيعة الدور الذي سيقوم به في اليمن. فالرجل الذي درس الصحافة وعمل خبيرا في مجال محاربة الإرهاب يدرك جيداً معنى تصريحه ذاك، ومدى الأثر الذي سيخلفه، وهو تدشين مناسب لفترة عمله في اليمن. فالرجل جاء لتنفيذ أجندة معينة في فترة تتميز بتوتر العلاقات بين البلدين تزامنت مع إطلاق السلطة سراح جمال البدوي الذي تتهمه أمريكا بالضلوع في تفجير المدمرة كول في عدن في عام 2000، وسبق أن حكمت عليه محكمة يمنية بالسجن لمدة خمسة عشر عاما، وهرب من سجنه مرتين المرة: الأولى من عدن مع عشرة من المتهمين بالانتماء لتنظيم القاعدة، وألقي القبض عليه قبل أن يفر مرة أخرى مطلع عام 2006 من سجن الأمن السياسي مع 22 من رفاقه، ونهاية العام الماضي سلم نفسه طواعية بوساطة من شخصيات يمنية وتم الاتفاق على وضعه تحت الإقامة الجبرية في منزله بمدينة عدن وهو الأمر الذي أثار حفيظة الجانب الأمريكي الذي طالب الحكومة اليمنية بتسليم البدوي، ونفذت الحكومة الأمريكية ضغوطاً كبيرة ضد اليمن بدأتها بالاحتجاج ومقابلة رئيس الجمهورية وتلويح وزارة الدفاع الأمريكية باتخاذها إجراءات ضد اليمن وصولا إلى التلويح بإسقاط اليمن من مشروع الألفية وإلغاء زيارة رئيس مؤسسة الألفية لليمن التي كانت مقرة في نوفمبر الماضي.
العلاقات اليمنية – الأمريكية تسير في إطار واضح ومحدد تتركز في الجانبين الأمني والعسكري كما قال السفير الأمريكي، ولا يبدو أن الأمريكان سيسعون لتطوير تلك العلاقة، التي تعرضت لعدد من الاهتزازات وانعدام الثقة، بسبب ما قال الأمريكان إنه تساهل من اليمن في التعامل مع قضايا الإرهاب وأعضاء "القاعدة".
 فاليمن بالنسبة لصانع القرار السياسي الأمريكي هي جزء من سلسلة الحرب على الإرهاب التي تنتهجها الخارجية الأمريكية ضمن استراتيجيتها للحرب على الإرهاب. واليمن لا تحتل أولوية على الجانبين السياسي والدبلوماسي، بل وحتى الاقتصادي. وهي تقع ضمن التصنيف الأمريكي الذي يرى أن علاقته باليمن محكومة بوجود "نظام صديق وشعب عدو".
زيارة الرئيس الأمريكي جورج بوش الثاني التي قام بها للدول التي وصفتها الخارجية الأمريكية بالمعتدلة في المنطقة والشريكة في الحرب على الإرهاب، لم تشمل اليمن، التي يتباهى مسؤولوها بشراكتهم مع الجانب الأمريكي في هذا المجال، والحديث الدائم عن الإعجاب الأمريكي بالديمقراطية اليمنية، يبدو أنه لم يقنع الرئيس الأمريكي لإدراج اليمن ضمن جدول زياراته، ولكنه لم يمنعه -كما ذكر موقع "26 سبتمبر"- من الإشادة بالانتخابات اليمنية الأخيرة وذلك خلال زيارته لمملكة البحرين. ويبدو أن هذا مبلغ ما يمكن أن يحصل عليه اليمنيون من السيد بوش.
جدول الزيارة يؤكد وجود رؤية أمريكية لاستراتيجية تعتمد على توحيد وتشجيع الجبهة الداعمة لعملية التسوية بين الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني، وهي دول تصنفها أمريكا بأنها ذات "أنظمة صديقة وشعوب صديقة".
كما أن له علاقة بما يدور في الجبهة العراقية ولاستقراء التقارب الخليجي – الإيراني بعد استضافة الرئيس الإيراني احمدي نجاد في قمة الدوحة الأخيرة.
وفي توقيت غير مناسب يشير إلى نوع من الاحتجاج اليمني على تجاهل بوش لليمن، قرر الرئيس علي عبد الله صالح استدعاء السفير الأمريكي لتسليمه رسالة للرئيس بوش يطلب فيها إغلاق معتقل جوانتانامو، وإطلاق سراح المعتقلين اليمنيين فيه، في اهتمام استثنائي من الرئيس بالمعتقلين الذين سبق وأن أعلنت منظمات حقوقيه أمريكية أن اليمن رفضت في وقت سابق تسلمهم، وهو ما نفاه وزير الخارجية اليمني أبو بكر القربي، بل وذهب الإعلام الرسمي إلى ما هو أبعد من ذلك، عندما فبرك خبرا مفاده أنه تم الاتفاق بين الجانبين اليمني والأمريكي على تسلم 70 معتقلا يمنيا في جوانتانامو، وهو ما نفاه البنتاجون بعد أقل من 24 ساعة، وقال متحدث باسم البنتاجون إن اليمن لم تقدم ضمانات للحكومة الأمريكية بعدم السماح للمعتقلين الذين سيطلق سراحهم بالعودة لممارسة نشاطات معادية ضد أمريكا ومصالحها في المنطقة.
الجهود اليمنية الرسمية والشعبية للمطالبة بالمعتقلين اليمنيين في جوانتانامو متواضعة جدا وخجولة، وتقابل دوما بالصد الأمريكي، وتم الإعلان عن زيارة وفود أمنية وليست حقوقية للمعتقلين لكن دون أن يعلن عن نتائج زيارة تلك الوفود، الأحزاب اليمنية تتحاشى الحديث عن هذا الملف ربما خوفاً على علاقاتها بأمريكا، وحتى لا يقال إنها متعاطفة مع من تتهمهم أمريكا بالإرهاب، وذلك يعكس تدني مستوى الشعور الوطني والإحساس بالمسؤولية الاجتماعية للأحزاب تجاه الناس.
 هناك تجربة للشقيقة الكبرى في إدارة ملف معتقليها في جوانتانامو، لماذا لا تستفيد وزارة الخارجية والأجهزة المعنية من تلك التجربة، خاصة وأن السعودية تسلمت اكثر من نصف معتقليها هناك؟!
وجود 112 معتقلا يمنيا في جوانتانامو يجعل اليمن في المركز الأول بعد تسلم دول السعودية ودول الخليج الأخرى ومصر معتقليها، ويؤكد أن اليمن لا تستطيع استغلال علاقاتها وأدواتها الدبلوماسية لتحقيق مكاسب تعود بالنفع عليها وعلى مواطنيها، ويضع مسؤولية كبرى على الحكومة اليمنية ومنظمات المجتمع المدني، من أجل العمل على ممارسة ضغط من أجل إطلاق سراحهم.
معتقل جوانتانامو وحده والممارسات اللا إنسانية ضد المعتقلين فيه جدير بالمقاطعة الشاملة للبرامج الأمريكية واللقاءات الأمريكية، لأن الأصل في الأشياء النظر إليها بمنظار واحد، ولا يصح أن نقبل نصائح أمريكية في مجال حقوق الإنسان، بينما يمارسون ضد إخواننا هناك أسوأ ما تمارسه الأنظمة العربية ضد معارضيها. ولا ننسى أن أولئك هم ضحايا فترة الصراع والتعبئة ضد الاتحاد السوفييتي وللمخابرات المركزية الأمريكية والمال العربي وتواطؤ الأنظمة العربية هي ما أوصل أولئك الشباب إلى جوانتانامو.

* يحظر إعادة نشر هذه المادة بغير إذن من الصحيفة.