موازنة 2008 مقدمة لسنوات عجاف قادمة

موازنة 2008 مقدمة لسنوات عجاف قادمة - عبدالكريم هائل سلام

أظهرت الموازنة العامة للعام 2008، التي أقرت مؤخرا من قبل مجلس النواب، مكامن الضعف والقوة في الاقتصاد اليمني، ووضعت حدا لمرحلة الوفرة النفطية، مما يجعل المراقبين والمحللين الاقتصاديين ينعتونها بأنها بداية لسنوات عجاف جاءت كمحصلة لسوء التدبير الذي لازم السياسة المالية خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، على الرغم من خضوع تلك السياسة لوصاية المؤسسات المالية الدولية منذ عام 2005.
 قدر حجم الموارد العامة في الموازنة العام المقبل 2008 بتريليون و524 مليار ريال، مقارنة بتريليون و434 مليار ريال عام 2007 وبنسبة نمو تبلغ 6.3% مقابل نمو النفقات ب 12.8 %. ووفقا للبيان المالي سترتفع النفقات العامة من 1.622 مليار ريال عام 2007، إلى 1.829 مليار ريال بعجز نقدي كلي يبلغ 399 مليار ريال بنسبة 8%، عجز نقدي صافي 305 مليارات ريال بنسبة 6.1% من الناتج المحلي الإجمالي المقدر ب4 تريليونات و966 مليار ريال.
 المتأمل في هذه الأرقام يلحظ ملامح صورة سوداوية في المالية العامة واقتصاد البلاد تتبدى جلية من خلال جملة من المؤشرات أبرزها نمو الناتج المحلي الإجمالي، فالنمو المستهدف العام لمقبل قدر ب 5.4% وبفرض أنه تحقق فإنه يقل كثيرا عن توقعات الخطة الخمسية الثالثة التي قدرته ب 7% عام 2008 وبمتوسط 7.1%، خلال سنوات الخطة الخمسية الثالثة، 2006- 2010، والمرجح أن لا يحقق المعدل المتوقع، لعدة اعتبارات، منها أن ارتفاع معدل التضخم سيصل حسب تقدير البيان المالي إلى 10% بل وسيتجاوز هذا الرقم استنادا إلى السوابق المتواترة في هذا المجال، إذا بلغ 15.5% العام 2006 طبقا للتقرير الاقتصادي العربي الموحد ووصل التضخم الفعلي إلى 13% خلال الفترة يناير - أغسطس من العام الجاري 2007 وفقا لماورد في البيان المالي وهو ما سيؤثر على انتعاش الاقتصاد ويقلل من فرص الاستثمار طالما أن التضخم بهذه الوتيرة التي لا تغري المستثمر بالمغامرة.
 الاعتبار الثاني: إن ما يحول يحول دون بلوغ معدل النمو الإجمالي المستهدف الانخفاض المتوقع في نمو الناتج المحلي الحقيقي لقطاع النفط خلال السنة المقبلة، إذ قدرت الموازنة أن معدل نمو النفط سيتراجع بنسبة 8.26% عن العام الماضي بعد أن تراجعت عائداته العام الجاري بنسبة 33%، وهو أمر يضع تمويل الموازنة تحت رحمة تدفق القروض والمنح وزيادة الضغط الجبائي، فقد قدر معدل نمو المنح الخارجية السنة القادمة ب224% مرتفعة إلى 64.4 مليارا مقارنة ب 19.8 مليار ريال في تقديرات العام الماضي، وستزيد نسبة القروض الخارجية بمعدل 112% والقروض الداخلية سترتفع بمقدار 200%. وطبقا للبيان المالي فإن خدمة الدين الداخلي والخارجي سترتفع إلى ازيد من 52 مليار ريال وهو مبلغ يقل قليلا عن عائدات المنح، وهذا مؤشر إلى أن تصبح الموازنة في السنوات القادمة أمام إكراهات جديدة هي عدم قدرة عائدات المنح على تسديد التزامات القروض الداخلية والخارجية (فوائد واقساط الدين) هذا إذا لم نغدو أمام ضغط يتجاوز ذلك إلى الاستدانة من أجل تسديد التزامات القروض الداخلية والخارجية، وهو ما يقلل من أهمية تدفقات المنح التي تعول عليها الحكومة لتجاوز أزمة التمويل التي تواجهها جراء تراجع النفط وضعف الأداء القطاعي البديل مما يعني أن مؤشرات النمو يصعب بلوغها في ظل هذه التشوهات البنيوية التي تعاني منها المالية اعامة والاقتصاد الكلي على حد سواء.
 ثالثا: خلال السنوات الخمس الماضية درجت الحكومات المتعاقبة على طرح أرقام سنوية للنمو لم تسطح تحقيقها على الإطلاق في القوانين المالية إذ لم تحقق حسب الأرقام الرسمية سوى 3.17% عام 2006 رغم التوقع بتحقيق 4.9% وتراجعت النسبة إلى 3.6% عام 2007 رغم التوقع بتحقيق معدل 4.2% (1).
وإذا ما استحضرنا غياب مساءلة النواب للحكومة عن سبب إخفاقاتها في بلوغ الأرقام المعلن عنها فإن الخطورة تكمن في أن الحكومات المتعاقبة تمارس التضليل بطرحها أرقام جزافية دون أن يعرضها ذلك للمساءلة بشأن عدم تحقيقها، وهو أمر يبقي السياسة المالية ضمن التدابير الدعائية التي تسعى إلى إطلاق وعود دون الإلتزام بالوفاء بها أو على الأقل تبيان كيفية بلوغها، إلا أن الحاصل هو إخفاقها خلال تلك السنوات مع أن النصيب الأكبر لارتفاع الناتج المحلي الإجمالي فيها كان راجعا إلى زيادة أسعار النفط في السوق الدولية وزيادة حصة عائدات الحكومة من تلك العائدات. أما مع تراجعها فإن الصورة تبدو سوداوية تجعل اليمن مقبلا على سنوات عجاف.
 علاوة على كل ذلك تبدو الخطورة أكثر بروزا في اختلال ميزان المدفوعات الذي بدأ يتحول من فائض طيلة السنوات الخمس الماضية إلى عجز بدءا من العام الجاري. وفي هذا السياق ذهب البيان المالي (2) إلى أن الفائض المحقق في ميزان المدفوعات عام 2006 الذي بلغ 1.4 مليار دولار سيتحول إلى عجز يتجاوز المليار دولار بقليل بل إن عجز ميزان المدفوعات سيرتفع إلى 1.2 مليار دولار العام المقبل.
(1) معدل النمو طبقا لصندوق النقد الدولي بلغ فقط 2.7% في 2006.
(2) الملاحظ أن الحكومة ومجلس النواب يلتقيان على إطلاق مصطلح "البيان المالي" على مشروع الموازنة حتى إقراره مع أنه قانون مالي لأنه يقر من قبل السلطة التشريعية ويعتبر بمثابة إذن بالصرف من قبلها، لكن يبدو أن الجهل إذا طال الشكل انسحب على الموضوع مما يجعل نقاش الموازنة أشبه بمسرحية هزلية.