عام ضعف الدولة

عام ضعف الدولة - جلال الشرعبي

يمكن تسمية العام2007، عام وهن الدولة وضعفها بامتياز.
 إذا تراخت الأطراف وشهد القلب الغليان وتقاعس الرأس ثم تنشق لإظهار قوته بتسديدات أغلبها خاطئة؛ تكون علامات ضعف الدولة قد أطلت بقرونها.
الواضح أن الوعود التي تبدو بهلوانية من السلطة لمواجهة ضعفها على الأرض وعجزها عن الوفاء بالتزاماتها جعلتها تنزف المزيد من العنف اللفظي والأزيد من جولات النزال خارج حلبة الإستحقاقات الداخلية .
تراجعت الديمقراطية كمفهوم لتداول السلطة، أمام إصرار النظام على تحويلها إلى أداة لاستمرار الحكم، وليس أداة للتغيير.
في الأيام القادمة سيكون حسين محمد سياد بري، وهو نجل الجنرال سياد بري الرئيس الصومالي السابق، في صنعاء لتسليم أوراق اعتماده كسفير للصومال في اليمن. أعتقد أن على الرئيس أن يجلس معه جيداً ليعرف منه كيف سقط نظام أبيه الذي كان في أعوامه الأخيرة يبذل كل طاقته وجهده لتوريثه الحكم في الصومال.
دخل محمد سياد بري في حرب مأساوية في شمال الشمال «هرجيسا» وحدثت مجازر وحشية بتهمة التمرد، في حين كان هدفه الخفي التخلص من قيادات عسكرية بدأ يشعر بخطرها واكتشف انه لم يحقق هدفه وأن المشاكل في الجنوب إشتعلت لبتدأ رواية الإنهيار التي انتهت أحداثها بانهيار الدولة في الصومال وإعلان انفصال شمال الصومال فيما يعرف بجمهورية أرض الصومال.
لقد تناثرت أشياء وظهرت مسميات أكثر من أي عام مضى.
من حرب صعدة في شمال الشمال إلى حراك في الجنوب والشرق تتدحرج أزمات أعوام وعقود ماضية لتصب في العام 2007.
في عدن يجلس الرئيس صالح لحل الأزمات بطريقته: خزنة مفتوحة على مصراعيها أو لنقل بنك مركزي عن يمينه... وسيارات وأراضٍ. وعندما لا يحس أنه قد حقق مبتغاه وأن التظاهرات والغليان ما زال مستمراً، يذهب لفتح ملفات الماضي والمقابر الجماعية ويذهب بتصريحات ومشاريع بالمئات ومدن سكنية بالآلاف، وحينما يدرك أيضاً انه لم يحقق مراده يبقي المعتقلين في السجون، ويذهب لمعالجة قضايا المتقاعدين العسكريين بالرشاوى وشراء الذمم وصرف مزيد من الاراضي والسيارات وتحريض بعضهم ضد الآخر، مثلما يفعل تماماً في تعاملاته مع مشايخ القبائل.
***
إنها قضايا متعددة تصب في مجملها في خانة فشل قدرة نظام في التعامل باحترام مع قضايا الناس.
والحال أن التصعيد الذي تقوده المؤسسة الاقتصادية اليمنية التي ما زالت هويتها غائبة حتى الآن، ضد مجموعة هائل سعيد أنعم، تعطي مؤشراً واضحاً: إن شهوة الإنتقام من الآخر ما زالت في النفس، وإن تحويل التجارة الى دكان يملكه النظام والحاشية صارت رغبة جامحة الآن مهما دفع الآخرون من جزية وجبايات.
إن النظام الذي يبدأ بالتآكل بعد عقود من الروتين والجمود، يدخل مرحلة البطش غير المنظم في كل اتجاه لكأنه «وحش» ضارٍ ضد نفسه وضد الجميع دون أن يستطيع تنظيم خطواته نحو هدف بعينه لذا تجده يتحدث عن الاستثمار بمفهومه الخاص، وعن التنمية برؤيته المشوهة، وعن برنامجه الانتخابي كنص سماوي.
وحينما يذهب إلى الخارج لحشد الدعم والتأييد لصولاته وجولاته ضد مواطنين في الداخل، يعود متباهياً وأكثر إصراراً على إكمال المشوار!
من مطالب لاقتسام الثروة في «مأرب»، لم يعد الحديث عن توليد الكهرباء إلى القرى والأرياف من المحطة الغازية ذا جدوى -بعدما تحركت عجلة المطالب، إلى جيش براني يقوده مشايخ قبيلة «حاشد» جاهز لعبور نقطة الأزرقين ودق أبواب صنعاء.
سيدرك الرئيس لاحقاً أن طريقة تعامله مع المطالبات السلمية في الجنوب كانت خاطئة، ذلك أنه عندما يواجه جيشاً برانياً مسلحاً من قبيلته سيكون خالياً من مدافعه التاريخية: الوحدة، الثورة... الخ.
وقد بشَّر النائب البرلماني حسين الأحمر، نجل رئيس البرلمان، في مهرجان مطلع الأسبوع في خمر، حضره الآلاف، بما يشبه الجهاد: «إن الدولة تحارب القبيلة اليوم مثلما يحارب الغرب الإسلام».
وتلك مشاكل صنعها النظام بيده على مدار السنوات والعقود وهو يسير بتحالف كاثوليكي بين السلطة والقبيلة وعندما يريد معالجة أخطائه والرد على منتقديه من حلفائه القدماء يكون الضحية الصحفي: لم تستطع الدولة منع حسين الأحمر من إقامة المهرجان، كان جل قدرتها وقوتها مصادرة أشرطة من الزميل حمود منصر، مراسل العربية، وتحريك قضية في محكمة أمن الدولة ضد الزميلين نائف حسان رئيس تحرير «الشارع» ونبيل سبيع مدير تحريرها.
إن حملة منع حمل السلاح تستحق المساندة والتأييد وذلك واجب الدولة التي يجب أن تكون إرادتها السياسية وتحديداً الرئيس واضحة وجادة في أهدافها من أجل مستقبل وطن أبناؤه وبحاجة للشعور بأمن الدولة وأمانها.
وفي ذكرى الاستقلال ليس من المناسب أن يكون التوجه هو احتكار الاحتفال بالمناسبة وكأنها خاصة بالسلطة المرصعة بالوطنية.
إنها مناسبة للجميع وذكرى لأمس كان يبشر بغدٍ مشرق وليست معبراً تاريخياً آخر لصب مزيد من الزيت على النار والتبشير بالاعتقالات بقانون لمنع المظاهرات والمسيرات وقولبة الفرح حسب هواها.
إنه العام 2007، عام ضعف الدولة بامتياز... حيث تكسرت في صعدة قوتها وتعاظمت عنترياتها امام مطالبات الحقوق في الجنوب، وتراخت علاقاتها مع ذاتها. وأصبح المسؤول لا يقوى الرئيس على تغييره.... بل أصبحت الدولة ملطشة سهلة ومدعاة للإزدراء.
[email protected]