شيخ من مأرب يتهم الشرطة العسكرية باغتصاب أرضه، والعميد الركن مجلي مجيديع يقول ان تدخل أفراده اضطراري لحماية أرض الجامعة.. ملف ينبض شراً

شيخ من مأرب يتهم الشرطة العسكرية باغتصاب أرضه، والعميد الركن مجلي مجيديع يقول ان تدخل أفراده اضطراري لحماية أرض الجامعة.. ملف ينبض شراً - محمد العلائي

من بين كل الملفات الشائكة في البلد، يحتل ملف الأراضي الصدارة،على الدوام. إنه الملف الأشد تعقيداً والأكثر إذكاء للنزاعات المشفوعة، عادة بالدم. بالأحرى، هو التكثيف المؤسف للدولة الواهنة، دولة الغلبة.
أسوأ ما في الأمر أن هذا الملف المضطرم أفرز، في الآونة الأخيرة، علاوة على كل شيء، أزمة سياسية عاصفة.
فمن عدن، إذاً، بدأت تلوح نذر الكارثة. وبالموازاة لا تكف حروب الأراضي عن الإندلاع في صنعاء بين هنيهة وأخرى. لكأن مبدأ «الأرض مقابل السلام» هو الحل الأمثل لإخماد الحرائق التي تقوض السلم المدني.
محمد علي مرعي فقير، شيخ قبلي من مأرب. في 2002 اشترى أرضاً في صنعاء «شمال سور كلية الطب في مذبح».
يمتلك محمد ثبوتيات تمليك معمدة من السجل العقاري، ومن وزارة العدل، لكنه الآن يقف في مواجهة مؤسستين حكوميتين: الأولى عسكرية والثانية تعليمية (جامعة صنعاء).
معلوم أنه لا يقع على عاتق الشرطة العسكرية فض نزاعات الأراضي أو حمايتها. لهذا كان تدخلها مثار تساؤل وشك. مساء الاثنين أماط العميد الركن مجلي مجيديع، قائد الشرطة العسكرية، في اتصال مع «النداء»، اللثام عن قانونية إقحام وحداته في القضية.
يقول مجلي متباهياً: «كان فيه ناس عسكريين يستولوا على الأراضي، فأوكلت لنا مهمة حماية أراضي مؤسسات الدولة».
جامعة صنعاء تزعم أن الأرض امتداد لسور كلية الطب. لهذا تسعى بدأب لضم القطعة الى حضيرتها.
وعلى الرغم من كل شيء، يتشبث الشيخ محمد بحقه في الأرض. قبيل رمضان الفائت، ببضعة أيام، استولت وحدات من الشرطة على المساحة تلك «بقوة السلاح»، حسب إفادة الرجل «للنداء».
يقول: «قمنا بإبلاغ الجهات الأمنية، واطلعوا على القضية، وأثبتوا وقوع الاعتداء، وبدورهم أحالوا الموضوع إلى النيابة». من الجيد أن يبدي القبيلي الذي داخله قدر من التماسك، وهذه نقطة تحسب له في نهاية الأمر، فالقبائل قلما يفعلون ذلك.
في 27 من الجاري وجه وكيل نيابة غرب الأمانة مذكرة تكليف الى مدير أمن منطقة معين، بعد شكوى تقدم بها الشيخ «يفيد أن الأرض تخصه، وطلب منع أي استحداثات تفادياً لحصول فتن بين الطرفين»، طبقاً لنص المذكرة.
وتضيف مذكرة وكيل النيابة «نكلفكم شخصياً بالتحري من جدية الشكوى والاطلاع على وثائق الطرفين ومنع أي استحداثات في الأرض محل الدعوى ريثما يتم الفصل في القضية من قبل المحكمة وتوجيه الطرفين باللجوء الى النيابة لما فيه الصالح العام».
مدير أمن معين امتثل لأوامر النيابة، وكلف مدير قسم مذبح بالنزول مع أفراده الى الأرض لكن الشرطة العسكرية رفضت التفاهم معهم، وفقاً لنص الشكوى التي رفعها محمد الى النائب العام، صباح الاثنين.
القول أن أفراد القبائل لا يقبلون الضيم، لا مراء فيه، فعندما يتملك القبيلي شعور بالظلم، تغدو القوة هي الخيار الأكثر جهوزية مما عداها، بيد أن محمد- خلافاً للمعهود- اختار صيغة حديثة للإعراب عن احتجاجه: الاعتصام السلمي أمام مكتب النائب العام.
كانت الساعة 11 من صباح الاثنين، حينما تجمع عشرات الأشخاص بمعية الشيخ محمد مرعي أمام بوابة مكتب النائب العام. رفعوا اللافتات وجلسوا واجمين.
«لكي أتفادى المشاكل وسفك الدماء قمنا باعتصام أمام مكتب النائب العام، ونظراً لغيابه، أطلع الأخ المحامي العام الاول على الموضوع وحوله إلى وكيل النيابة المختصة»، يقول محمد وصبره لم ينفد بعد.
انتهى الاعتصام دون ان يتمكن الرجل من استخراج أمر يوقف البناء على أرضه، والجاري على قدم وساق، وبتغطية مباشرة من أفراد الشرطة العسكرية.
يواصل محمد حديثه «اضطررت (في نفس اليوم) الى الاعتصام امام دار الرئاسة، ومن هناك قيل لنا ان الرئيس تواصل مع وزارة الداخلية وعلينا أن نذهب الى وزارة الداخلية».
عاد من الداخلية خالي الوفاض. حتى مغرب الاثنين والنتيجة صفر. «ذهبنا لكي نمنعهم لكن بادروا بإطلاق النار علينا»، اضاف بصوت غاضب.
قائد الشرطة العسكرية قال لـ«النداء» تعليقاً على الموضوع: «احنا مسؤولين عن أراضي الجامعة، وقبل فترة قاموا فتحوا شارع، الجماعة يشتوا يشلوا الأرض التي داخل السور.. هم متخلفين.. الأرض أرض الجامعة، فإذا بينهم وبين الجامعة شيء فيتفاهموا معها».
لكن يبدو أن محمد لم يترك باباً إلا وطرقه للحيلولة دون فقدان أرضه: «رحت الى رئيس الجامعة الدكتور خالد طميم، وتكلمت معه وقال لي امام ما يقارب50 رجال: أنا لا ناقة لي فيها ولا جمل، أنا بريء من ذلك».
العميد مجلي، هو الآخر، يؤكد انه لا ناقة له في القضية ولا جمل. وان الشرطة فقط مهمتها حماية الأرض «وحل القضية من شأن الجامعة». وزاد: «اتصلت برئيس الجامعة وقال لي: «مش من حقي ولا من حقك هذه الأرض، هذه ملك لأجيالنا».
وانتقد لجوء الشيخ محمد مرعي فقير الى الاعتصام: «احياناً نستغل الديمقراطية ونظاهر، ونقلب الحقائق.. مشكلتهم بيت الفقير انهم حق مشاكل أراضي.. هم من اصحابنا (من مأرب)».
ولدى سؤاله عن إمكانية فض النزاع بتعويض عادل للشيخ محمد، أجاب العميد مجلي: «هناك مادة في القانون تنص على أنه من حق الدولة أخذ أي قطعة أرض ترى فيها مصلحة لها مقابل تعويض عادل، فإذا كان مع الفقير حق يجب أن يعوض، لا نجلس نكون نماطل الناس، لأني لست مع اسلوب الجامعة في المماطلة».
وتابع: «إن كانت الجامعة لم تعوضه، نحن معه حتى يعوض، وحسب علمي أن المالية وافقت على التعويض، لكن هؤلاء الناس يرفعوا الأسعار.. هم نصابين أراضي».
مع صدور هذا العدد، من المرجح أن تكون الأجواء بين الطرفين في أوج تفاقمها، سيما وأن الطرفين قد تبادلا بشكل طفيف إطلاق النار مساء الاثنين. الامر الذي يعني ضرورة إعادة الأمور الى نصابها، أي عودة القضية الى النيابة، ووقف الاستحداثات حتى لا يستفحل النزاع، ويتحول الى اشتباك مسلح، يُزهق الأرواح.
«نحن سنكتفي بالدفاع عن النفس..»، قال قائد الشرطة العسكرية ساعة سألناه عن التوتر الذي ينذر بمواجهة لا تحمد عقباها.
لا بد أن على وحدات الشرطة العسكرية، قبل أي شيء، ضبط النفس، حقناً للدماء. وطالما الرجل يستخدم اساليب سلمية للدفاع عن حقه فهذا أدعى لأن تكون (المؤسسة الأمنية العريقة) أكثر حرصاً وامتثالاً للقضاء.